العدد 3081 - الجمعة 11 فبراير 2011م الموافق 08 ربيع الاول 1432هـ

إذا كُنتَ غَجَرِيَّ العِرْق فابشر بمستقبلٍ واعِد

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مَنْ مِنّا سَمِعَ بكملة «غَجَر»؟

بالتأكيد كُثُرٌ هُم من يُرَدِّدون هذه الكلمة عندما يتهكَّمون من شخص/ جماعة تُوسَم بالجهل وعدم الدِّراية. وهو تفسير لم أجِدْ له سَنَدٌ في سبعة من معاجم اللغة العربية الرئيسية. كما لم تترادف كلمة الغَجَري بالأبْلَه حين قال ابن منظور في لسان العرب إن الأَبْلَه هو الذي طُبع على الخير فهو غافلٌ عن الشرّ لا يَعْرفه؛ وهو الذي غلب عليه سلامة الصدر وحُسْنُ الظنِّ بالناس ومنه: أكثرُ أَهل الجنة البُلْه. (يُراجَع لسان العرب).

شَدَّني لأن أقرأ معنى تلك الكلمة أحوال من يحملونها من البشر، عندما قرأت تقريراً غير متكامل عنهم في إحدى الصحف الأجنبية. أربعون مليون إنسان في العالَم يحملون كلمة «غَجَريّ». وقد شاءت الأقدار أن يكون أغلب أولئك الناس في قلب أوروبا اختباراً لأنظمة تلك القارة «الأكثر ليبرالية» لنرى موقفها منهم ومن حقوقهم المُصادَرَة. الغريب أن الجميع يتحدث عن مجازر الهولوكوست التي وقعت ضد اليهود في ألمانيا النازيّة، لكن أغلب الناس لا يعرفون أن الغَجَر كانوا أيضاً ضحية لا يقلّون بُؤساً عما لاقاه اليهود خلال الحرب العالمية الثانية داخل أفران هتلر بسبب تصنيف الرايخ الثالث لهم على أنهم عالة على المجتمع.

يتحدث الغَجَريون لغة مُختلفة. ورغم أن القارة الأوروبية تتحدث اليوم بـ 200 لغة إلاّ أن لغة الغَجَر غير مُعتَرَف بها إلا في الشمال الألماني وبغرض فولوكلوري.

قَبِلَ الأوروبيون عضوية رومانيا وبلغاريا في الاتحاد الأوروبي بعد تقديمهما التزامات أبرزها فيما يتعلّق بعدم إطلاق الغَجَر (باعتبارهما الوعَائَيْن الجغرافيَّيْن الأكبر للغجريين) في أوروبا الغربية.

بعض الأوروبيين قَبِلَ بالغجر شرط عملهم كمَسَّاحي أحذية ويَطْلون المنازل ويرفعون القمامة. قَبِلَ أولئك المساكين «تأشيرة السُّخْرَة» تلك فقط لضمان العَيْش في حدِّه الأدنى مُعِيدين للأذهان نَفَسَ السيادة والعبودية.

الفرنسيون قالوا: سنُرحِّلُهُم عنوة. لماذا؟ وزارة الداخلية الفرنسية قالت: لقد ازدادت الجُنَح والأعمال المُخِلَّة بالأمن التي يقوم بها الغَجَر بنسبة 259 في المئة في الأشهر الـ 18 ما قبل سبتمبر/ أيلول من العام 2010.

حسناً؛ قال الفرنسيون ما أرادوا هُم أن يقولوه. لكنهم لم يذكروا كيف انخرط أولئك الغَجَر في تلك الجُنَح. لم يقولوا إنهم تركوهم يعيشون في 300 مخيّم لا تتوافر فيها لا الكهرباء ولا الماء ولا العلاج ولا الصرف الصحي، وعند الولادة تُرسل نساؤهم لأجنحة منفصلة في المستشفيات، وأطفالهم يُمارَس عليهم التمييز في المدارس. لم يقولوا إنهم دمَّروا 128 مخيَّماً من أصل 300 ورحّلوا 8300 من ساكنيها (من أصل 15 ألفاً) في بحر ثمانية أشهر.

هذه إجراءات أكثر من تعسفيّة دفعت أولئك الناس للجنوح نحو الخطأ.

هذه الأوضاع تعيد إلى الأذهان جانباً مُغيَّباً من التجربة الأوروبية ما بعد الانتقال إلى الدولة المفصولة عن الكنيسة. المعروف أن أوروبا خلال حقبة الصراع الديني والطبقي كانت مُوزَّعة (الأرض والثروة) على جماعات وجيوب وكانتونات مختلفة. وعندما تداعت الثورات السياسية والاجتماعية بدأت الأعراق المُنتمية إلى ذات الجُدُوديّة الاتحاد بالمشتركات الموجودة.

جرى ذلك حتى على المستوى القومي، عندما تُرِكَت الأعراق المتقاربة تعيش في أراضٍ غير أرضها الأصليّة كما هو الحال في الاتحاد السويسري وهولندا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية.

لكن الذي ظهر هو أن الأعراق المغايرة بدأت تُبْعَد، وبدأ الحديث عن جنس نورماندي وأغياره.

ففي حال الغجر على سبيل المثال والذين يتَّشِحون ببشرة داكِنة، ويصلهم البعض إلى تخوم الهند كانوا يعملون تحت إمرة العوائل الأرستقراطية المتوحشة حين كانت عائلة ردازفيل تمتلك من الضِّياع ما يعادل نصف مساحة بولندا، ولكن وعندما بدأ الأوروبيون في التموضع الجغرافي بعد السِّلم الأهلي نُسِيَ هؤلاء الغجر وأغلِقَت الأبواب في وجوههم وباتوا بلا هويّة ولا بناء ولا محيط جغرافي يُؤطّر لهم حياتهم، فضلاً عن عدم إدماجهم داخل المجتمعات الأوروبية، اللهم إلا غجر الاسبان إلى حدٍّ ما، رغم أن القارة حينها كان فيها من السّعَة ما يفيض.

فقد كان اثنان من كلّ ثلاثة من البشر في العام 1800 يعيشان في آسيا، وواحد من كلّ خمسة في أوروبا، وواحد من كلّ عشرة في افريقيا، وواحد من كلّ ثلاثة وثلاثين في أميركا أو أقيانوسيا، وكان الناس لا يُهاجرون من قراهم ولا مُدنهم إلا نادراً. وحتى العام 1861 كان أكثر من تسعة أعشار الناس في سبعين من أصل تسعين دائرة في فرنسا يعيشون في الدائرة التي ولدوا فيها. فعالَم ذلك اليوم معظمه ريفي، و90 – 97 في المئة من السكّان ريفيون، ولم تعرف الحضر سوى مدينتين هما لندن وباريس. (راجع كتاب عصر الثورة لـ «إريك هوبْزْباوْم»).

اليوم يدفع الأوروبيون ثمن ذلك. وربما يُصبح اللوم من المفوضية الأوروبية في غير محلِّه للفرنسيين عندما يقومون بإجراءات تعسفيّة ضد شعوب الغجر، ليس لأن تلك الإجراءات هي سليمة في حدّ ذاتها، وإنما لأن عُموم أوروبا يجب أن تدفع الثمن، وليس الرومان أو البلغاريين والفرنسيين فقط.

اليوم وحين يُمنَح كل غَجَريٍّ مبلغ 392 دولاراً لكي يُهاجر طوعاً، فإن أوروبا تُرحِّل موضوعاً مضى على حلوله الترقيعية أزيَد من 200 عام.

ليبدأ السؤال القديم الجديد: لماذا تحتفظ أوروبا بحق تعليم الآخرين حقوق الإنسان وتنسى مَنْ هُم بين أضلاعها يضيعون؟!

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3081 - الجمعة 11 فبراير 2011م الموافق 08 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً