العدد 3088 - الجمعة 18 فبراير 2011م الموافق 15 ربيع الاول 1432هـ

تصحيح مأساة مزدوجة في الجليل

غيل زوهار - كاتب ومرشد سياحي في القدس، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند» 

18 فبراير 2011

يُنظر إلى السَردين المختلفين لليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين في الغالب على أنه لعبة لا يمكن إلا أن يكون فيها رابح وخاسر. إلا أن قصة بلدة برعم التي تم إخلاؤها من سكانها، والتي هي أيضاً موقع بلدة «كفر برعم» الفلسطينية المسيحية التي أُخلي عنها أهلها، توفر فرصة لتصحيح مأساة مزدوجة لصالح الشعبين من خلال بناء بلدة جديدة ثنائية القومية بين الأطلال.

تقع القرية الشبح في الجليل الأعلى بين الحدود اللبنانية ومدينة صفد الإسرائيلية. وتتوزع المنطقة، التي تم تحويلها إلى «متنزه برعم الوطني»، تتوزع اليوم حول كنيسة القرية وبرج جرسها، اللذين أعيد بناؤهما بعد الزلزال الكارثي الذي وقع العام 1837، وكنيس عمره 1500 سنة كشف عنه عالما الآثار الألمانيان هاينريك كول وكارل واتزنغر قبل ما يزيد على قرن من الزمان. ويشهد الجمال المعماري للكنيسة والكنيس على وجود جاليتين كانتا قد ازدهرتا وعاشتا في البلدة.

وتضم آثار الكنيس ذي الطابقين حجارة جيرية مربعة منحوتة بشكل جميل منمّق، وهي تشهد على ازدهار الجالية اليهودية هنا في القرنين الرابع والخامس الميلاديين.

وتضم واجهة الكنيس الباقية بوابة ثلاثية ضخمة ورواقاً معمّداً يواجه القدس جنوباً حيث وجد الهيكل المقدس للدين اليهودي حتى دمره الرومان العام 70 ميلادي. أما التفاصيل التاريخية حول كيف أُجبِر سكان القرية اليهود على الخروج إلى المنفى خلال الحكم البيزنطي، فقد ضاعت مع الزمن.

ورغم أن بعض القرويين العرب يستذكرون ما ينقله الأجداد عن أنهم كانوا يهوداً في يوم من الأيام، واضطروا تحت الضغط للتحول إلى المسيحية، ثم إلى الإسلام، إلا أنه لا توجد أية إثباتات تدلّ على أن ذلك وقع في برعم. ويستذكر إبراهيم عيسى، وهو فلسطيني كبير في السن أُخرِج من بيته العام 1948 وقابله جون هلاكة في فيلمه «وجود الغياب في أطلال كفر برعم» العام 2007 أن أسرته استقرت في القرية قبل 700 سنة.

إذا كان التاريخ أبكماً حول ما حدث لليهود هنا قبل أكثر من ألف عام، فليس هناك من تساؤل حول جرائم الحرب التي أجبرت السكان الموارنة الفلسطينيين واليونان الملاكايت على مغادرة القرية بعد أن احتلت قوات الهاغانا اليهودية الشبه العسكرية قريتهم خلال الحرب العربية الإسرائيلية العام 1948.

وتضم الوثائق التي جرى الكشف عنها بعد 50 سنة من الحرب، برقية مؤرخة 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1948 كتبها الميجور جنرال الإسرائيلي موشيه كاستل يأمر قواته بطرد جميع العرب من المناطق التي يتم احتلالها. كان من حظ جميع الذين أخرجوا من بلدة برعم وعددهم نحو 1000 شخص أنه لم يتم إخراجهم شمالاً عبر الحدود اللبنانية، ووجدوا ملاذاً في بلدة «جيش» على بعد عشرة كيلومترات إلى الجنوب، فأصبحوا عالقين قانونياً بكونهم إسرائيليين «غائبين حاضرين» بدلاً من أن يصبحوا لاجئين لا دولة ولا هوية لهم، أي نازحين داخليين نزحوا عن أراضيهم ولكن ليس عن جنسيتهم.

لم يتخلَّ القرويون عن الأمل بالعودة إلى بيوتهم في برعم. ففي العام 1953، قدموا طلباً لمحكمة إسرائيل العليا ليُسمَح لهم بالعودة. بدلاً من ذلك، تمت مصادرة بعض الأراضي من قبل الدولة وإعطاؤها لكيبوتز برعم المجاور، الذي تأسس العام 1949 من قبل الجنود المسرّحين. كذلك لم تثمِر أية مطالبات قانونية عبر العقود الماضية.

أما اليوم فكل ما بقي من برعم هو الكنيسة المارونية الجميلة ومقبرتها، اللتين مازالتا تستخدمان من قبل الجالية المارونية المنفيّة في «جيش». تغطي الجدران المنهارة والأنقاض سفح التل وقد نمت عليها النباتات والشجيرات البرية. ومما يزيد من رهبة المكان جذع شجرة بلوط عتيقة هي من بقايا غابة واسعة كانت في يوم من الأيام تغطي إسرائيل/ فلسطين.

ما الذي يمكن عمله اليوم لتصحيح هذا الظلم؟

أحد الحلول هو إلغاء المتنزه القومي وجعل المساحات المزروعة بالعشب جزءاً من حديقة بلدية في قرية يعاد بناؤها. وبالإضافة إلى توفير منازل لسكان برعم المنفيين الذين يبلغ عددهم اليوم ألفي شخص، يُرحّب المجتمع الجديد كذلك بعدد مماثل من السكان اليهود ليعيش الجميع جنباً إلى جنب. يمكن للبلدة كذلك أن تمد يد الصداقة لسكان كيبوتز برعم.

يوجد نموذج لمثل هذا المجتمع المحلي الثنائي القومية اليوم، وهو واحة السلام أو «نيفي شالوم» بالعبرية، التي تأسست العام 1972 على يد الأب برونو هوسار. تشكّل القرية العربية الإسرائيلية الفريدة من نوعها، والتي تقع قرب دير اللطرون في منتصف الطريق بين القدس وتل أبيب شهادة على معتقدات الرهبان الدومينيكان بأن الفلسطينيين واليهود يملكون حقوقاً تاريخية متماثلة وباستطاعتهم العيش بتناغم تام.

توفّر برعم الأمل، بناءً على نجاح واحة السلام كمجتمع ثنائي اللغة والثقافة، بإمكانية أن يخلق الفلسطينيون والإسرائيليون نموذجاً جديداً للسلام.

العدد 3088 - الجمعة 18 فبراير 2011م الموافق 15 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً