العدد 3089 - السبت 19 فبراير 2011م الموافق 16 ربيع الاول 1432هـ

السبت... عناق اللؤلؤ والمرجان

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كان الخميس يوماً دامياً، والجمعة يوماً غاضباً، أما السبت فامتزج الأمل بالألم، إذ مرّت جنازيره دون جنائز أو رصاص.

كان الناس قد ناموا الليلة قبل الماضية على دعوةٍ رسميةٍ للحوار، وترقب اجتماع أطراف المعارضة لتشكيل صوتٍ وطني موحد، مع انتشار دعوة واسعة على الفيسبوك والرسائل النصية للتوجه عصراً إلى ميدان اللؤلؤة بصورةٍ سلميةٍ جميلةٍ من ثلاث جهات: النعيم والسنابس والمنامة.

بدأت الأخبار الثامنة صباحاً، بإعلان الأندية الرياضية تعليق أنشطتها تضامناً مع حركة الشباب، ثم انسحاب أحد أعضاء اللجنة الأولى للتحقيق في مقتل أول شهيدين، بسبب الأجواء غير الصحية التي تحيط بها. وقبل الظهيرة أعلن عن عقد كتلة «الوفاق» البلدية مؤتمراً صحافياً، توقع الكثيرون أنها ستعلن انسحابها حتى الوصول إلى مخرجٍ من الأزمة.

عند الثانية عشرة والنصف، أعلن عن بدء انسحاب الجيش من دوّار اللؤلؤة، واستبدلت قواته بعددٍ ضخمٍ من قوات مكافحة الشغب. وعند الثانية والنصف، بدأت أول أعداد المتظاهرين تتقاطر على الدوار من عدّة جهات، وحصل اشتباكٌ من جهتي النعيم والقفول، دون أن يمنع ذلك من وصولهم. في هذه الأثناء خرجتُ إلى مجمع السلمانية الطبي حيث يعتصم آلافٌ أغلبهم من الشباب. كان الزحام شديداً، وكانت أعدادٌ من الشباب والفتيات تتجه راجلةً ناحية دوار اللؤلؤة.

في المستشفى كانت مسيرة الطواقم الطبية تجوب باحة المستشفى، مطالبةً لليوم الرابع بتنحي الوزير فيصل الحمر الذي خذلهم طوال الأيام الماضية، ومنعهم من القيام بواجبهم الإنساني النبيل. وأمام بوابة الطوارئ التقيت زميلاً يعمل مراسلاً لوكالة أجنبية، وفي نقاشٍ عابرٍ قلت: «إن بحريناً جديدةً تولد اليوم في قسم الطوارئ بالسلمانية». ردّ دون اقتناع: «إننا معتادون في البحرين على هبّةٍ كل عشر سنوات»، فقلت: «هذه المرة مختلفة. ألا ترى أن هذا الجيل قد كفر بنا جميعاً. إنها بحرينٌ لم نكن نعرفها، ولن تعود البحرين كما كانت من قبل». ففي الأيام الأخيرة، كنت أشهد بعيني ولادة جديدة، حيث تتجلى مظاهر انبعاث الروح البحرينية الأصيلة بين آهات الجرحى وجثث الراقدين في ثلاجات المشرحة.

وفيما كنا نتكلم وصلت سيارة إسعاف وأنزلت جريحين أصيبا قبل قليلٍ في دوّار اللؤلؤة، وكان عدد المصابين عصر أمس قد بلغ 103 أشخاص، أغلب إصاباتهم خفيفة بفعل الاختناق لكثافة مسيلات الدموع، وخرج ثلثهم بعد فترةٍ قصيرةٍ بفضل تفاني الكوادر البحرينية المخلصة في إسعافهم. لم يصب أحدٌ برصاص مطاطي ولا انشطاري أمس... والحمد لله رب العالمين.

لقد كان الوضع هنا غاضباً يوم الجمعة، وشاهدت الكثير من الدموع وسمعت الكثير من الآهات والتنهدات، أما أمس فقد سادت مظاهر السكينة والتماسك والأمل، كأنك تقرأ في أعينهم مشاعر الفخر بالانتماء لهذا الشعب الطيّب الأصيل. كان قد بلغ عدد الموقعين على «بيان مع الحرية» 87 شخصية من الكتاب والأدباء والفنانين الذين أكدوا على حق التعبير السلمي عن مطالب الشعب السياسية، وأدانوا استخدام جميع أشكال القوة والعنف وإزهاق الأرواح البريئة.

في الطابق الرابع، كانت صحة الطبيب الذي أصيب في هجوم فجر الخميس تتحسن، فقد بدأ يبصر من عينه المصابة، وكان من زوّاره أطباء وطبيبات وممرضات من مناطق ومذاهب وجنسيات مختلفة، جاءوا للتعبير عن التضامن. وكان من زوّاره رجلٌ ستيني أخذ يداعبه بقوله «إنك ستدخل التاريخ، فقد كان عمر ابن جيراننا سنتان في أحداث الستينيات، حين سقط في منزلهم مسيل الدموع، وكادت تقضي عليه، ومايزال حتى الآن يعاني من ضيق التنفس». يبدو أن الشعب البحريني من أكثر شعوب الأرض تعوّداً على استنشاق مسيلات الدموع! نسأل الله أن يكون هذا الجيل آخر من يستنشق آخر هذه السموم، وخصوصاً بعد أن أعلنت بريطانيا وفرنسا إيقاف تصديره إلينا، ونتمنى أن يفعل ذلك أيضاً الأميركان!

في نشرة أخبار الرابعة، أذاعت إحدى الفضائيات خبر تحذير الولايات المتحدة رعاياها من التوجه للبحرين إلا في حالات الضرورة القصوى، بينما صرّحت ممثلة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون أن الحوار السياسي في البحرين يجب أن يبدأ فوراً. فضائيةٌ أخرى بدأت تبث لقطاتٍ متتابعةً لما حصل بعد انسحاب قوات الأمن من دوار اللؤلؤة، بدءاً من وصول الشباب، وإزالة الأسلاك الشائكة، وسجود بعض الشبان والفتيات على أرضه كما يفعل الهدّافون في كرة القدم.

يومٌ جديدٌ مشرق بالآمال، فقد كانت حركة شبابية لم تتلوث بأدران الطائفية التي أريد لها أن تغرق هذا الشعب. كانت سعياً مخلصاً لإصلاحاتٍ باتت ضروريةً ولا تحتمل مزيداً من التأجيل. لم تهدف أبداً إلى استئثار، بل إلى تحقيق العدالة والكرامة والعيش الكريم. وشهد شاهدٌ من الغرب، حين كتب أمس: «لقد كتبت عن شجاعة البحرينيين لدعم حركتهم الديمقراطية التي لم تنتهِ بعد، لكن أحداً لا يستحق الديمقراطية أكثر من هؤلاء الذين خاطروا بحياتهم للوصول إلى اللؤلؤة».

إنه مرج البحرين حين يلتقيان، بينهما برزخٌ لا يبغيان. عاشت البحرين

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3089 - السبت 19 فبراير 2011م الموافق 16 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 27 | 6:58 ص

      هيهات منا الذلة.. يابى الله لنا ذلك ورسوله

      شباب البحرين ونعم الشباب.. وقد أكرم رب العالمين هؤلاء الحسينيون بشهادة كيوم عاشوراء.. لن تمحى من ذاكرة الشعب

    • زائر 26 | 6:11 ص

      الدم من الأحرار والغنيمة للعبيد

      لا بد أنك -ياسيد- تجنبت الإشارة إلى تنادي وتداعي محصلوا الغنائم ومنتهزوا المصائب الذين تلقفوا الفرصة وزحفوا جماعات وأفراد للفوز بأكبر نصيب من الكعكة إذا لم تكن الكعكة كاملة كما حصل بعد انتفاضة التسعينيات بكل انتهازية وصلف, وما هو أدهى وأمر أن هؤلاء تصل بهم الوقاحة ونكران الفضل وانعدام الأخلاق إلى شتم الانتفاضة ووصفها بأبشع الأوصاف وكذلك هم يفعلون الآن ففي الوقت الذي يتقاطرون فيه على موقع اصطياد الغنائم وجني الثمار التي دفع أبناؤنا أرواحهم الزكية ودماءهم العطرة ثمناً لهافإن الطائفية لاتزال شعارهم

    • زائر 25 | 6:08 ص

      أقل ما يجب أن تحققه الثورة

      اقل ما نريد الخروج به
      1- دستور عقدى متوافق عليه من جميع الفئات .
      2- تعديل الدوائر الانتخابية حسب الكثافة السكانية.
      3- بحرنة المؤسسات العسكرية .
      محاسبة المتسببين فى الاحداث المؤسفة ومحاكمتهم .
      4- سحب الجنسيات ممن اعطيت لهم لاهداف سياسية وتعديل قانون الجنسية .
      وعلى رأس المطالب : (مملكة دستورية ) الملك لا يحكم بل يملك والعائلة لا يكون لها أي منصب

    • زائر 23 | 3:25 ص

      بوركت وبوركت كلماتك

      بووووووووووووووووووووووركت وبوووووووووووووووووووركت كلماتك الجميلة

    • زائر 22 | 3:04 ص

      احفظ البحرين ياااا رب

      عااااشت البحرين حرة أبية .
      نسأل الله أن يتم على البحرين وأهلها بالأمن والأمان وأن ينصرنا على القوم الظالمين والمتخاذلين معهم .
      سلمت أستاذنا وسلم قلمك الجريئ الشريف .
      تحية لقلمك وكل قلم حر شريف يدافع عن وطنه ويقف مع المناضلين الأشراف في وجه كل ظالم مستبد.
      اللهم إحفظ البحرين وأهلها واحمها من شر الفتن .

    • زائر 20 | 2:36 ص

      شكرا لك أيها القلم النظيف

      لقد ملأ الفساد بلادنا بالطبالة والوصوليون الذين كانوا ينشئون مثل الطفيليات حول محيط الفساد بارادته تارة وبارادتهم تارة أخرى وبدون دعوة حتى من مختلف الاطياف والجنسيات.
      كدنا نختنق من هذا التلوث ، الذي جعل الكثيريين يبيعون ويشترون في هذا الوطن ويسترزقون على حسابه وحساب أبنائه الشرفاء الذين سقت دمائهم أرضه الطاهرة.

    • زائر 19 | 2:27 ص

      يعطيك العافية سيد ...

      كم هو المخاض عسيرررررر .... وطووووويــــــــــل ... ولكن الحرية تستحق كل ما يقدم من أجلها .... عاشت سواعد الشباب .... وعاشت بحريننا حرة أبية طاهرة بدماء شهداءنا ...

    • زائر 17 | 2:08 ص

      كلمة الى اخي الغالي ..

      اخي الشهيد يا اغلى من عيني التي تابى التوقف عن البكاء ليل نهار .. انت السبب في جعل ابني يعيش حياة افضل وفي جعل الشعب يثور ثورة غضب لينال حقوقه ..
      رحمك الله يا شهيد الوطن وياااارب ساعدنا وصبرنا على هذا المصاب الجلل

    • زائر 16 | 2:00 ص

      687

      ايها الجندى المجهول ايها السيد الوفى لوطنه وشعبه ولشباب الغد الصاعد سلام عليك وعلى قلمك من عاشق ولاهان .
      لازلت ناصر الشباب لانك شباب بروحك وقلمك والشباب هم الذين يبنون الاوطان ويعمروها وهم حماتها وعزتها وانت منهم ايه السيد الكريم وتحيه عز واجلال الى الدكتور صادق العكرى وتمنياتنا له ولجميع الجرحى بالشفاء العاجل .
      عاشت البحرين حره وحمها الله من شر الفتن ومن المريدن بها السوء .
      اللهم وفق شبابنا الى كل خير والى الاصلاح والصلاح وتبتهم على الطريق المستقيم .

    • زائر 15 | 1:46 ص

      ابــ سيد رضا ــو

      غاليه يا البحرين كل من يتكلم عن موضوع التجنيس ترا في عينه حرقه على بلاده . جنسيتي غاليه و لا نريد كل من هب و دب الحصول عليها لانها اغلى من اللؤلؤ و الالماس و حريتها من حريتي و شبابنا صطروا ملحمة الى كل العالم ان في البحرين من يفديها بدمه حتى لو لم تكون البندقيه في يده بل في يده علم و ورده يهديها الى قاتله .
      هده الروح لن و لن تراها في قلب من لم يولد على هده الارض لا نها بصراحه الروح البحرينيه الاصيله التى لم نراها في عين دالك الشرطي الدي داس على العلم .

    • زائر 14 | 1:19 ص

      سيد

      كلمه منك يا سيدنا الفاضل في الميدان نريد نسمع صوتك ونتشرف بوجودك

    • زائر 13 | 1:00 ص

      لا تسمحوا لأحد الغدر بالثورة

      احذر الشعب من أن يتلاعب أحد بحقوقهم وحقوق دماء شهدائهم بالمساومات وتميع القضية.
      عاشت البحرين أبية عصية على كل المتربصين.

    • زائر 12 | 12:47 ص

      نصيحة لكل الشرفاء

      إخواني في الإسلام أرجو أن لا تنزلقوا في متاهات النزاع الطائفي نحن نزف آباءنا وأولادنا إلى الجنة وأنتم تخرجون فرحين مبتهجين (ومع الأسف مخلوطين بأجانب كما رأينا في الصور) وعندما فقد الملك ابنه المرحوم الشاب الشيخ فيصل غيم الحزن على كل أهل البحرين فنحن كلنا أبناؤه. وإن ثمارها التي حصلتم عليها من انفتاح وخدمات ومكرمات كلها من دماءنا الزكية الطاهرة وإن الحر ليندم على ما قدمت يداه ولقد رخصت دماؤنا في فداء الوطن ولا خوف بعد اليوم وإن غدا لناظره قريب. دائما تعجبني يا "سيد الكتاب".

    • زائر 11 | 12:26 ص

      دوار اللؤلؤة

      السر الذي جهله الجميع يكتشفه الجميع
      الشهادة والتضحية والاصرار تحقق الحرية

    • زائر 10 | 12:14 ص

      ميدان شهداء المجزرة

      أفضل أسم لهذا المكان
      ليلتصق أسم المجزرة بالإجرام
      وأسم الشهداء بأسم الأحرار
      طوال الزمن

    • زائر 9 | 12:00 ص

      شعب حر وقائد

      جعل الله قلمك في ميزان حسناتك لآنك لست ازدواجيا تنشر ما يراة العير منصفين

    • زائر 8 | 11:57 م

      قناة العائلة

      الفضائيات يا سيد في وادي وتلفزيون البحرين في وادي : سموم طائفية ، هجوم على طائفة معينة ، تبرير للحكومة ، يرى بعين واحدة ، مذيع لا يعرف المهنية ، ضيوف لا قيمة لهم. أتمنى سيدنا أن تبدي برأيك عن تلفزيون العائلة الذي هو بأمس الحاجة لعلاج فوري يبدي صورة بحريننا الغالية ويواكب العصر الحديث

    • زائر 7 | 11:54 م

      بيض الله وجهك يا ناصع الصفحة والقلم الشريف

      صح لسانك سلمت أناملك يا طاهر الجوهر والمظهر .
      نعم القلم لنعم الجريدة .
      شرفاء أحرار انتم ياقاسم كيف لا وما زال زلال ماء أبو عين زيدان الصافي يدور في دمك الطاهر بالدورة الدموية يطهر كل شائبة منه ماء الأصالة والنقاوة , ضمائر حية طاهرة نقية .
      كلنا أمل بعد ألم يا عزيزي أيدينا لم تقرع طبل ولا طار بل تقرع صدورنا لتلامس قلوبنا لتجعله دوما يقظ سليم .

    • زائر 0 | 11:50 م

      تحيه الى الأقلام الحره

      عاشت البحرين وعاشت الأقلام الحره

    • زائر 5 | 11:09 م

      يداً بيد نبني غداً أفضل...

      شكراً أستاذنا الكبير... كنت أراك وأنت تجوب المستشفى طول بعرض... وأستخلص مقال اليوم... قلمك هو سلاحك وننتظر المزيد... ألا لعنة الله على الضالمين...
      أم رضا

    • زائر 4 | 11:07 م

      صدقنى يا استاذنا

      رغم كل ماكتبته وذكرته وشاهده العالم لن يتغير شيئا عن فزعة التسعينات وهدنتها بالكلام المعسول والوعود ثم التلكىء والانقلاب عليها الى ان تحين جولة اخرى جديدة وهكذا نحن من ايام الهيئة ومع ذلك ارجو ان يغلب التفاؤل والامل على خيبة الظن .

    • زائر 3 | 11:05 م

      أبن المصلي

      لقد ابكيتنا سيدنا الغالي بهذا المقال الرائع أنت تتكلم عن شعب البحرين الأصيل الذي ديدنه الخير لايضمر الشر لأحد والله ياسيد وأنا عند قبة جدك أمير المؤمنين وسط التزاحم عند الكاشوانية وقد امتلئت من كثرة الزائرين في وفاة النبي ص في هذا العام فرفض المكلف أستلام اجلكم الله حدائي فقلت له أنا من اهل البحرين فرمقني بنظرة وحتظنني وقبلني وقال لي وأنا افتخر بهذه الكلمة ياهلا بالأخيار ياهلا بالطيبين واذا بنا نقتل بواسطة مرتزقة أجلكم الله اجلاف وتراق دمائنا رخيصة على الأرصفة اهكذا يعامل الأخيار الطيبون

    • زائر 2 | 10:52 م

      عاشت البحرين حرة ابية

      نسأل الله العافية في الدين والدنيا ..والقضاء على الظالمين ..والمتضامنين معهم ايضا

    • زائر 1 | 10:33 م

      نعم,,عــــاشت البحرين

      نعم يا سيد,, اليوم واكثر من اي يوم مضى,, نشعر بالز والفخر لأننا ابناء هذه التربة الطاهرة,,!

اقرأ ايضاً