العدد 3090 - الأحد 20 فبراير 2011م الموافق 17 ربيع الاول 1432هـ

كي يكون الحوار مثمراً ومجدياً (2 - 3)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ورغم تداول تعبير «حوار» في الكثير من الأدبيات السياسية، لكن البعض منا مازال ينقصه فهم التعريف الدقيق للكلمة، فالمقصود من الحوار هو - كما جاء في العديد من المصادر - «نوع من الحديث بين شخصين أو فريقين، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب، ومثال ذلك ما يكون بين صديقين في دراسة أو زميلين في عمل، أو مجموعة في نادٍ أو مجلس». ويمكن أن نضيف إلى ذلك البعد السياسي للحوار، عندما تلجأ إليه مجموعات سياسية معينة لتنظيم العلاقات فيما بينها، أو للتوصل إلى اتفاق معين حول نقطة خلاف نشب بينها. ومن هنا يختلف مفهوم الحوار، جوهراً وشكلاً عن «المفاوضات» أو «الجدل»، أو حتى «النقاش». وللحوار في الأدب السياسي العربي الكثير من الاجتهادات، حتى أصبحت لها تقاليد تبدأ من تحديد أشكاله، وتعرج على غاياته، ولا تقف عند أهدافه ووسائله.

من هنا ولكي يكون الحوار، المتوقع أن يأخذ مجراه خلال الأيام القليلة المقبلة في البحرين، مثمراً ومجدياً لا بد من أن تتوافر له مجموعة من المقومات التي تحول دون فشله أو إجهاضه ومن بين أهمها:

1. اقتناع جميع الأطراف بضرورة إنجاح الحوار، فما لم تتفق الأطراف جميعها، ودون أي استثناء على ضرورة إنجاح الحوار المزمع بينها، يصعب القول بإمكانية نجاحه. إذ يكفي أن يعمل أي من الأطراف على إفشال ذلك الحوار حتى ينهدّ المعبد على المتحاورين بين أعمدته. لذلك ينبغي على كل طرف من أطراف الحوار بذل قصارى جهده للحيلولة دون فشل الحوار، من خلال تعزيز كل عناصر النجاح ومتطلباته.

2. بروز الحاجة إلى الحوار، فما لم تشعر الأطراف، المتعارضة مصالحها أو المختلفة أهدافها، عن عجز أي منهما في فرض شروطه على الآخر، ومن ثم هناك ضرورة ملحة، غير قابلة للتسويف، للجلوس إلى طاولة الحوار، يفقد الحوار المطلوب عنصراً أساسياً من عناصر النجاح، الذي هو في أمَسّ الحاجة إليها. مقابل ذلك، يتحول الحوار في حال الشعور بالحاجة إليه، إلى مطلب، أو بالأحرى إلى هدف، مشترك يوحد صفوف المختلفين، ويرغمهم على الالتقاء، فلا يجدون مناصاً من الجلوس على مائدة حوار واحدة من أجل تقليص عناصر الخلاف القائم بينهم، والتقريب بين وجهات نظرهم.

3. تحديد موضوع الحوار، ففي غياب التوصل إلى اتفاق حول موضوع الحوار، من خلال تشخيص نقاط الاختلاف، تتحول لقاءات الحوار إلى حلقات من الجدل البيزنطي اللامنتهي إلى هدف محدد، وحينها يفقد الحوار جدواه، ويجرد من أهدافه. وعند الحديث عن هدف، أو أهداف، الحوار لابد من أن يتفق المتحاورون على تلك الأهداف وتسلسل أولوياتها، للحيلولة دون تشتت المتحاورين، أو انحراف حواراتهم في اتجاهات ثانوية.

4. الاتفاق على أشكال الحوار، ففي بعض الحالات يضطر المتحاورون إلى الاستعانة بأطراف أخرى ربما لا تكون طرفاً مباشراً في ساحة الصراع، لكن يجد المتحاورون فائدة مباشرة أو غير مباشرة في الاستفادة من الحيز الذي تحتله أطراف في ساحة الصراع، أو لمهارات تتمتع بها، ويمكن أن تساهم في إزالة بعض العقبات من طريق المتحاورين. هنا يمكن أن يأخذ الحوار أشكالاً غير مباشرة تتوج في نهاية المطاف بلقاء مباشر بين الأطراف ذات العلاقة.

5. التقيد بآداب الحوار، فبخلاف ما يعتقد البعض منا، تتطلب الحوارات الناضجة أخلاقاً تنظم طرقها، وتحدد مساراتها، مما يسهل على المتحاورين سبل التوصل إلى الغاية من الحوار. ومن الخطأ حصر «آداب» الحوار في الجوانب «الأخلاقية» رغم أهميتها وضرورة التقيد بها، لكنها تبقى في نهاية المطاف بنداً واحداً في سلسلة طويلة تربط بين تلك الآداب وتنسق فيما بينها. وفي أدبياتنا العربية الكلاسيكية هناك الكثير من الطروحات التي تتحدث تشير إلى تلك الآداب مثل ما دعى إليه الإمام الشافعي في قوله «ما ناظرت أحداً قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان، ويكون عليه رعاية الله وحفظه، وما ناظرت أحداً إلا ولم أبال إن بين الله الحق على لساني أو لسانه».

6. توقيت زمن الحوار، ففرص الحوار لا تتكرر وعندما تضيع على المتحاورين تلك الفرصة، نظراً لفشلهم في الاتفاق الصحيح على موعد انطلاق جلسات الحوار، فعليهم أن يدفعوا في المراحل اللاحقة أثماناً باهظة يعوضون بها ذلك الفشل. وأهمية الزمن في تحديد لحظة الحوار مهمة جداً، لكن الأهم منها، وعلى المستوى الزمني أيضاً، تحديد الفترة التي يستغرقها الحوار. فمتى ما استغرق الحوار زمناً أطول من ذلك الذي يستحقه، يتحول حينها إلى عبء ثقيل على المتحاورين، والعكس صحيح أيضاً، إذ من الخطأ القاتل سلق جلسات الحوار تحت مبررات ضرورة الإنجاز في أوقات قصيرة. فلكي يكون الحوار مثمراً ومجدياً، ينبغي أن يطهى على نار هادئة كي يستغرق الوقت الطبيعي الذي يحتاجه لتحقيق الأهداف المرجوة من وراء عقده.

الأهم من كل ذلك هو أن الحوار يبقى في نهاية المطاف مطلباً إنسانياً ضرورياً لا يستطيع المرء الاستغناء عنه إن هو أراد التفاعل مع بيئته الاجتماعية المحيطة به، وهو قناة حضارية تمده بما يحتاجه لبناء وشائج النسيج السياسي الذي يشبع حاجاته الضرورية للاندماج في ذلك المجتمع والتواصل مع محيطه الحضاري.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3090 - الأحد 20 فبراير 2011م الموافق 17 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً