العدد 3093 - الأربعاء 23 فبراير 2011م الموافق 20 ربيع الاول 1432هـ

تاريخٌ جديدٌ بدأ يتشكل في البحرين

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

لم يكن في وارد حسابات أفضل السياسيين مهارة التنبؤ بأن 14 فبراير/ شباط 2011 سيشكل فصلاً جديداً ومهماً في التاريخ السياسي للبحرين.هذا اليوم له رمزيته الخاصة هنا، فإذا عدنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء فسنرى أن هذا اليوم يصادف عشرة أعوام على انجاز ميثاق العمل الوطني «وثيقة العهد الجديد» في البحرين في العام 2001، وكان هذا الميثاق بداية لعقدٍ اجتماعي جديد في البحرين.

و14 فبراير هو ذكرى مرور تسعة أعوام على دستور البحرين 2002 والذي لم يحز على رضا فئات واسعة من الشعب البحريني، وفي مقدمتها قوى المعارضة الرئيسية التي قاطعت أول انتخابات برلمانية احتجاجاً على آلية إصدار الدستور ومحدودية صلاحياته مقارنة بأول دستور وضعته البحرين في العام 1973.

خلال عشر سنوات خاضت البحرين مرحلة جديدة من التجربة السياسية، وتقدمت عجلة الإصلاح السياسي، بالإضافة إلى فتح قنوات للتعبير عن الرأي، غير أن بعد مضي عشرة أعوام أفاق الشباب على دوي واقع صعب، فالإصلاحات الجزئية التي تحققت لم تعالج التحديات المتصاعدة للشباب البحريني.

لا تزال البحرين- ورغم مضي 10 أعوام على فصلها الإصلاحي- تجابه تحديات جوهرية، فالعدالة الاجتماعية لم تتحقق بعد، فعشرات الآلاف من الشباب يعتقدون أن لا مستقبل أمامهم، أو أن مستقبلهم يشوبه الكثير من الغموض، ولا نزال.

لذا تنادى الشباب للخروج في 14 فبراير 2011 متجاوزين الواقع السياسي، فلم تكن الجمعيات السياسية بشتى ألوانها متحمسة لهذا التحرك، لكنها وجدت نفسها مجبرة على الالتحاق به، لأسباب عديدة من بينها: الحفاظ على شرعية وجودها الجماهيري، وتوجيه رسالة مفادها بأن الأوضاع قد تصبح خارج نطاق السيطرة في يومٍ واحد.

فوجئ المجتمع وقبل 24 ساعة من 14 فبراير بأن تفاعلات هذه الدعوة التي بدأت من «شباب الفيس بوك» لاقت صدى واسعاً في عدد كبير من المناطق التي خرجت في اعتصامات سلمية، غير أن استشهاد شاب في الاحتجاجات دفع الأمور تدريجياً نحو التأزم لتتوالى حلقات التصعيد وصولاً إلى انفجار الوضع بشكل كامل.

دوار اللؤلؤة الشهير وسط العاصمة والذي كان يرمز للهدوء أصبح منذ 15 فبراير رمزاً للغضب، وهو يحتضن حشود هائلة من الجماهير من مختلف التيارات السياسية والتوجهات الأيدلوجية الذين حولوه إلى صورة مقاربة أو متطابقة أحياناً مع ميدان التحرير الذي شهد احتجاجات ملايين المصريين الذين أرغموا رئيسهم حسني مبارك على التنحي رغم الاستعانة بكل الأوراق اليائسة.

سلمية الاحتجاجات لم تكن كفيلة بأرواح المواطنين الذين افترشوا الأرض في جو سلمي بحت في ساحة دوار اللؤلؤة، لكنهم فوجئوا بهجوم من قوات الأمن الذين أحاطوا بموقع الاعتصام من كل جانب، ليسقط الشهداء في مشهدٍ أقل ما يقال عنه بأنه مجزرة مفتوحة تحت جنح الظلام وسالت دماء أريقت من دون وجه حق.

صدم المجتمع البحريني والرأي العام الدولي بما جرى فجر الخميس، وقوبلت الورود بالدماء، وقوبلت الصدور العارية بالرصاص الحي.ومنذ ذلك الوقت تتالت أخطاء السلطة، وتم اللجوء إلى الخيار الأمني الذي كلف البحرين كثيراً، فقد لحق التشوه بسمعة البحرين دولياً من السياسة حتى الرياضة، والأدهى من ذلك تقطعت خطوط الثقة التي بنيت خلال السنوات العشر السابقة.

من الحقائق الجلية أن سمو ولي العهد خرج ليمسك زمام الأزمة وبدأ يلعب دوراً أكبر في صناعة القرار.وهو شخصية تملك القدرة على الإصغاء لصوت المجتمع وفي طليعته الشباب.ومبادرة سموه تضمنت نوايا حسنة ومن المهم أن تتضمن نقاط واضحة ومحددة تضمن تحقيق إصلاحات جذرية تلبي تطلعات الشباب والمجتمع.

ثمة مطالب حقيقية وتطلعات مشروعة نادى بها شباب 14 فبراير، وهي الملكية الدستورية التي نص عليها ميثاق العمل الوطني قبل عشرة أعوام. والتي تعني حكومة منتخبة، وأن تكون المناصب القيادية في الدولة كافة متاحة أمام الكفاءات من جميع المواطنين من دون استثناء.

من وحي هذا الحراك الجماهيري يمكن استشراف خارطة طريق للاستقرار في البحرين عبر تحقيق القدر المشترك من التطلعات الشعبية. وهي تطلعات مشروعة وقابلة للتحقيق، لكنها تتطلب قدرة الحكم على تقديم تنازلات حقيقية وملموسة كثمن لتثبيت أركان الاستقرار في الحاضر والمستقبل.

ويمكن منح قضايا أساسية الأولوية في أي حوار مقبل، وهي مهر الاستقرار في البحرين.وفي صدارة هذه المطالبات تأتي إنهاء التمييز الفاضح في كل المواقع والمناصب والفرص أمام البحرينيين والاعتراف بأن التمييز الرسمي والمنظم والذي بات مكشوفاً وعارياً حان الوقت ليتوقف لتحل محله معايير الكفاءة، أما الملف الآخر فهو الحاجة لمعالجة جذرية للتجنيس السياسي الذي أتى على حساب التنمية وعلى حساب الموارد القليلة المتاحة، من خلال صيغةٍ متوافق عليها.

سياسياً، يجب انجاز التعديل الدستوري الذي طالبت به قطاعات مختلفة منذ لحظة ولادة الدستور الجديد وتحريره من القيود العديدة التي تكبل انطلاقة المجلس النيابي المنتخب وتساويه في الصلاحيات مع المجلس المعين، وحتى نضمن تحقيقاً عادلاً أو متوازناً في مجلس النواب ينبغي المسارعة في تعديل الدوائر الانتخابية الظالمة التي تمييز في قوة الصوت الانتخابي بين البحرينيين ولا تنتج برلماناً يعكس حقيقة الواقع،

خدماتياً، حان الوقت للسيطرة على الملف الإسكاني وتشييد المدن الموعودة وتحقيق شعار أرض لكل مواطن، وانجاز ذلك ليس عصياً إذا تم إعادة الأراضي والجزر الشاسعة إلى الملكية العامة، كما لا ينبغي نسيان ملف العاطلين وخصوصاً الجامعيين الذين تماطل وزارت ومؤسسات الدولة في احتضانهم حتى اليوم.

وفي ضفة الحقوق والحريات، يجب المبادرة إلى محاسبة المسئولين سياسياً وجنائياً عن جريمة الاعتداء على المعتصمين على دوار اللؤلؤة، والمبادرة إلى إطلاق سراح معتقلي الرأي منذ أحداث أغسطس/ آب 2010 واتخاذ قرار جريء بالكف عن أساليب التعذيب بشتى صنوفها والالتزام بالمواثيق الدولية ومنها العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية. وتصحيح قطار الحريات.

ثمة من يريد أن يوصم حركة 14 فبراير بالطائفية ويضعها في خانة الصراع الطائفي، لكن هذا الصراع وهمي ولا وجود له. ولجوء البعض لهذا الخطاب إنما يأتي من باب التشويش على المطالب المحقة والمشروعة. وما جرى فرصة لإغلاق أبواق الطائفية، وأحذر من استجابة لأي طرف لهذا التشويش الطائفي الموجه.

بدأت هذه البادرة من الشباب، ولكن سرعان ما التحقت مختلف قطاعات وشرائح المجتمع. وتضامنت معها جمعيات سياسية، من شتى أطياف الأيدلوجيات الفكرية والانتماءات السياسية، وكوكبة من الشخصيات الوطنية وقطاعات واسعة من الأطباء والممرضين والمحامين والمعلمين والمهندسين والقوى الحقوقية ونواب البرلمان وأعضاء المجالس البلدية وممثلي مؤسسات المجتمع المدني. كما تجاوبت مع الحركة العديد من النقابات العمالية والكثير من موظفي القطاعين العام والخاص. وهؤلاء جميعاً ينتمون لمختلف مذاهب وتوجهات المجتمع.

حركة 14 فبراير خلقت واقعاً جديداً لا يمكن تجاوزه. ويمكن القول بكل ثقة أن تاريخاً جديداً بدأ يتشكل في البحرين.وأن قوته في سلميته، وأن نجاحه مرهون بقدرته على احتواء التنوع. ولا بد الآن من تحقيق إصلاحات جريئة وغير مسبوقة حتى تتمكن البحرين من عبور الأزمة التي تعيشها الآن بنجاح وبأقل تداعياتٍ ممكنة.

إن نجاح الحراك الجماهيري والشبابي الراهن في البحرين يتوقف بشكل أساسي على قدرة التحرك على احتواء الجميع وعدم إقصاء أي طرف أو أي لون... دوار اللؤلؤة سيظل محفوراً في ذاكرتنا الوطنية، ولا يصح احتكار هذه الحركة، لأنها ملكٌ للبحرينيين جميعاً... لأن اللؤلؤة أضحت منارة للتعبير عن كل تطلعات أبناء البحرين في العدالة والكرامة والحرية.

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 3093 - الأربعاء 23 فبراير 2011م الموافق 20 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 8:36 ص

      الوطن أمانة

      جميل مقالك .. اختزل مطالب الشعب السلمية .. شكراً لك يا حيدر

اقرأ ايضاً