العدد 3099 - الثلثاء 01 مارس 2011م الموافق 26 ربيع الاول 1432هـ

مدى إمكانية الإصلاح الدستوري عن طريق دستور 2002 (2/2)

عبدالله الشملاوي comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

بالعودة إلى دستور البحرين للعام 2002، وما تضمنه من حظر موضوعي أو مؤبد على بعض الموضوعات، كما هي مبينة أعلاه، وفي ضوء اختلاف الفقه الدستوري في القيمة القانونية لهذا الحظر، ولما كان الحكم في البحرين قد فتح باباً للحوار مع مختلف الأطياف السياسية، والممثلة في التجمعات البشرية الموجودة في كل من مركز الفاتح الإسلامي ودوار اللؤلؤة؛ فإنه لابد من معرفة وجهة نظر الحكم في خصوص الآراء الفقهية المذكورة بشأن موضوع نظام المجلسين تحديداً، وهو محور هذه القراءة.

كما يثير موضوع الإصلاح الدستوري الذي سوف يمس نظام المجلسين سعة النصوص، وما إذا كان الحظر المتقدم ذكره يقتصر على مبدأ نظام المجلسين، أم يشمل جميع المواد الناظمة لموضوع السلطة التشريعية التي تتكون من مجلسين وفقاً لدستور 2002.

وبقراءة الموضوعات السابقة في أدبيات الحكم، وبعض أعضاء مجلس الشورى الذين يمثلون إرادة من يعينهم، وليسوا ممثلين للشعب، دون التفات لأي قول آخر، فإننا سوف نجيب على السؤالين السابقين، للنظر في مدى إمكانية إحداث الإصلاح الدستوري في ظل دستور 2002 بتعديل بعض أحكام نظام المجلسين، وذلك من خلال تلك الأدبيات.

وللإجابة على السؤالين أعلاه، فيحسن الحديث عن الحدث الذي يمكن أن نستنتج منه هذا الأمر، وهو ما قام به مجلس النواب في الفصل التشريعي الثاني، وتحديداً في آخر جلساته في دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي السابق، وبعد مخاض طويل قادته كتلة «الوفاق» النيابية، فقد قرر المجلس رفع اقتراح بتعديل بعض أحكام الدستور بالإجراءات المقررة في الدستور الحالي نفسه، وقد تضمن اقتراح التعديل عدداً من المواد الخاصة ببناء نظام المجلسين وذلك من الناحية الإجرائية البحتة، والتي يمكن أن تعتبر، وبحق، الاختيار الحقيقي لدعوة الإصلاح من الداخل التي أطلقها الحكم إبّان إطلاقه دستور 2002 الذي كان أقل من طموح الشعب، وما تضمنه ميثاق العمل الوطني من حيث الموضوع.

وبعد فترة ناهزت عشرة أشهر قدمت الحكومة مشروع التعديلات الدستورية التي قامت هي بصياغتها، وذلك بموجب خطاب رئيس مجلس الوزراء رقم «د ر م/33/803» المؤرخ 21 أبريل/ نيسان 2010 الموجه لرئيس مجلس النواب.

وقد أرفق الحكم بالخطاب، ومشروع التعديلات التي قررها مجلس النواب مذكرة بشأن رأيه في تلك التعديلات، وتضمنت المذكرة الحكومية الإجابة على السؤالين المذكورين وقد حملت تلك المذكرة الرقم «د ر م 33 803»، وهي مؤرخة في 21/ 4/ 2010 وموقعة من سمو رئيس الوزراء ومرسلةً لرئيس مجلس النواب.

فقد جاء في المذكرة بشأن مشروع تعديل بعض مواد الدستور المعد في ضوء طلب اقتراح تعديل الدستور المقدم من مجلس النواب ما يقرر أن الحكم يتمسك بالحظر الموضوعي الوارد في دستور 2002، وبمعنى عدم جواز اقتراح تعديل الموضوعات التي حظر الدستور تعديلها، والمبينة أعلاه، أي أن الحكم يأخذ بالرأي الدستوري الذي يقول بسريان الحظر، وأن قيمته القانونية تفوق إرادة السلطة التأسيسية الفرعية، رغم أن اقتراح التعديل الدستوري طرحه المجلس النيابي، بوصفة ممثلاً للإرادة الشعبية، فأين هو زعم أن الشعب مصدر السلطات جميعاً؟!

وقد جاء في المذكرة المشار إليها ما نصه: ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أنه وإن كان الدستور المكتوب ليس مرادفاً للدستور الجامد بالمعنى المذكور، إلا أن الذي لا شك فيه، وفقاً للقواعد الدستورية المقررة، أن الدستور المكتوب يشتمل على ضمانات شكلية وإجرائية خاصة تتعلق بتعديله تخرجه من قبضة المشرع العادي، وتضفي عليه شيئاً من الجمود ونوعاً من الحصانة في مواجهة السلطة التشريعية؛ تدعيماً واستقراراً للنظام السياسي وثباته، بحيث لا يكون لهذه السلطة أن تتصدى للدستور بالتعديل على غير ما يقرره الدستور نفسه من إجراءات، ولا لغير حاجة تستوجب التعديل في الحدود والنطاق الذي يجيز فيها الدستور إمكانية التعديل... والبين من هذا الموضع للمواد الثلاث سالفة الذكر - أي المواد 83 و86 و102 - من مواد الدستور، والذي ارتآه لها المشرع الدستوري اختياراً وقصداً، لا ارتجالاً ولا مصادفة، أن هذه المواد تتعلق دون شك بنظام المجلسين الذي أخذ به المشرع الدستوري في بيان السلطة التشريعية وتنظيمها... وعلى ذلك فإن التكوين الثنائي المتوازن للسلطة التشريعية... لا يجوز معه العدول عنه أو النظر في تعديله أو الإخلال به على أي نحو.

وقد أضافت المذكرة الحكومية المشار إليها إجابة للسؤالين السابقين بما نصه: وجدير بالذكر، أنه لا يجوز للرد على التمسك بعدم جواز اقتراح تعديل المواد المشار إليها الزعم بأن نص المادة (120/ج) من الدستور يحظر فقط طلب تعديل نظام المجلسين، وأن التعديل المقترح في شأن المواد سالفة الذكر لا يمس نظام المجلسين، ولا ينطوي على تعديله، ونرد بأن التحدي بهذا الزعم غير مقبول دستورياً، وذلك لما يلي:

إن نص المادة (120/ج) من الدستور فيما تضمنته من عدم جواز اقتراح تعديل «نظام المجلسين» ورد في صيغة عامة وشاملة دون ما قيد ولا تخصيص، ومن ثم فإن هذا الحظر الذي اشتمل عليه النص يتسع لكل ما يمس هذا النظام أو يتعلق به من أمور أياً كان وجه هذا المساس أو مبلغه ومهما كانت درجة هذا التعلق أو مداه، ويكون من ثم عدم جواز اقتراح التعديل الذي تناوله النص منصرفاً لكل ما يتناول هذا النظام في كلياته وجزئياته من أمور، عملاً بالقاعدة الأصولية التي تقضي بإطلاق النص العام على عمومه وعدم جواز تقييده بغير قيد منصوص عليه فيه ولا تخصيصه بحالة دون غيرها بغير مخصص يشتمل عليه.

وأضافت المذكرة: إن مفهوم «نظام المجلسين» من حيث المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، لا يقف عند حد الشكل والبنيان الذي يقتصر على مجرد قيام المجلسين ووجودهما في الواقع، وإنما يمتد حتماً وبطريق اللزوم العقلي إلى آلية تفعيل هذا النظام، وعلاقة كل منهما بالآخر وبالغير، وكيفية تعاملهما مع الحكومة على وجه الخصوص، وترتيب قواعد وجودهما معاً في ظل المجلس المشترك...

واستطردت المذكرة الحكومية في إضافة أسانيد أخرى قائلة: ومن جميع ذلك نريد أن تنتهي إلى ما يلي:

• إن الحظر الموضوعي المتعلق بنظام المجلسين له قيمته القانونية المعتبرة التي لا يجوز تجاوزها.

• إن الحظر لا يتوقف فقط عند مبدأ المجلسين، وإنما يمتد إلى جميع الأحكام المنظمة للمجلسين، وبما يعني أن الحظر يشمل المواد من 51 وحتى 103 من الدستور، ولا يجوز المساس بأي حرف من حروف هذه المواد، فضلاً عن أحكامها.

وبعد هذا البيان من الحكم، وموقفه الدستوري والسياسي من مبدأ تعديل نظام المجلسين، فإنه لا يمكن إلا القول بتعذر، إن لم يكن باستحالة القيام بأي إصلاح دستوري يتعلق ببناء نظام المجلسين، أو مجرد محاولة الاقتراب من النصوص الدستورية المذكورة، فضلاً عن موضوعات الحظر الأخرى، ومن بينها النظام الملكي الذي توسع دستور 2002 في قيامه بإعطاء الملك اختصاصات واسعة خلافاً لمفهوم الملكية الدستورية المعمول بها في الديمقراطيات العريقة التي نادى بها ميثاق العمل الوطني، بوصفه عقداً اجتماعياً بين الشعب والحكم: وعليه فإن النصوص الدستورية المتعلقة بهذا الشأن لا يمكن المساس بها وفقاً لما يمكن استقراؤه من موقف الحكم في المذكرة المشار إليها.

وصفوة القول، فإن حظر التعديل الدستوري على دستور 2002، ووفقاً لرأي الحكم، يمتد إلى أكثر من 70 في المئة من أحكامه، وما يتبقى من نصوصه هي موارد لا يجد فيها من يرغب في الإصلاح السياسي والدستوري ضالته.

ومن مجموع ذلك نخلص للنتيجة الحتمية التالية: إن أي إصلاح دستوري للخروج من الأزمة السياسية، وسواء أكان الإصلاح بسقف الجمعيات السياسية والجمع الذي يتواجد في دوار اللؤلؤة، أو بسقف التجمع الذي كان في مركز الفاتح الإسلامي، وحتى وإن كان شكلياً، فإنه لا يمكن أن يكون بتعديل دستور 2002، وإن أي إصلاح دستوري لا يكون إلا عن طريق دستور جديد تضعه هيئة تأسيسية منتخبة من كتلة الناخبين في البحرين على أساس أن لكل مواطن صوتاً وفقاً للمعايير الدولية التي تعرفها الديمقراطيات العريقة وليس وفقاً لمرسوم تحديد الدوائر الانتخابية الذي هو أحد أسباب الأزمة الدستورية.

ومن ثم فإن من يقول بإمكان الإصلاح السياسي والدستوري عن طريق تعديل دستور 2002، فإن قوله لا يستقيم مع رؤية الحكم ذاتها، والتي عبرت عنها في المذكرة الحكومية المشار إليها، وما يخرج به أعضاء مجلس الشورى من حين لآخر من القول بذات الرأي، ترديداً لرأي الحكم الذي عيّنهم بإرادته المنفردة بوصفهم ممثليه الرسمين في السلطة التشريعية. ويكون هذا القول بالتالي مجرد تمنيات تقترب من الاستحالة ولا تصادف قبولاً من الحكم نفسه، حتى وإن كانت التعديلات شكلية، فضلاً عن أن تكون تعديلات موضوعية

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الشملاوي"

العدد 3099 - الثلثاء 01 مارس 2011م الموافق 26 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 6:49 ص

      ابــ سيد رضا ــو

      هذا مربط الفرس و اساس المشكله لا يوجد صوت لكل صوت لان توزيع الدوائر توزيع سياسي بالدرجه الاولى و الثاني تداخل الصلاحيات بين المجلسين و هو المشكله الاكبر و عدم قدرة البرلمان سوا مقترحات ماديه و ليست سياسيه و هذا ما لا نطمح اليه او ما وقعنا عليه في الميئاق اساس المشكله .
      1 - دستور عقدي يرضى به كل الشعب
      2 - برلمان كامل الصلاحيات
      3 - حكومه منتخبه من من ابناء الشعب
      4 - الغاء التجنيس بالكامل لسنا بحاجه الى تجنيس فالشعب اولى بالخدمات من المجنسين
      تجنيس الوضائف في كل وزارات الدوله

    • زائر 3 | 2:37 ص

      لافض فوك

      هذا هو بيت القصيد فعلا لقد شخصت مكمن الخلل

    • زائر 2 | 12:52 ص

      يالله ردوا

      شكرا للمحامي الشملاوي ومنا الى الطبالة

    • زائر 1 | 10:35 م

      تسلم ايدك

      حطيت قلمك على الجرح البحريني الكبير اللذي ينزف من عشر سنوات وانفجر في 14 فبراير وياريت المعنيين يفهمون ويحطون اقلامهم معاك يمكن يوقف النزيف

اقرأ ايضاً