العدد 2446 - الأحد 17 مايو 2009م الموافق 22 جمادى الأولى 1430هـ

ارتقاء

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نظّم مجلس بلدي الشمالية حملة تحت شعار «ارتقاء»، لإضفاء لمسات فنية وبيئية جميلة على وجه هذه المحافظة الأكثر اكتظاظا بالسكان، والأقل تمتعا بالخدمات، والأكثر تعرضا للاحتجاجات والاحتكاكات الأمنية والمواجهات.

الفكرة تقوم على استنهاض همم الأهالي ومشاركتهم في تحسين وتزيين مناطقهم، الممتدة على طول الساحل الشمالي من الجزيرة الأم. وهي حملةٌ لاقت تجاوبا وترحيبا كبيرا من الأهالي، فليس هناك ما هو أحلى وأغلى من الأرض والوطن... الذي قد نختلف في كلّ شيء إلاّ في حبّه.

الحلية الأولى التي ازينت بها بعض قرى الشمالية تلقاها على الشارع العام، وفي مقدمتها مبنى بلدية جدحفص، حيث شارك أكثر من 35 فنانا وفنانة، أغلبهم من جمعية المرسم الحسيني للفنون، في رسم عشرات اللوحات التي تعبر عن تراث القرية والبيئة البحرينية. وتسنى لي الحضور ليلتين متتاليتين لسماع خلجات أولئك الفنانين والفنانات، الذين حرصوا على الحضور من الساعة الخامسة حتى العاشرة مساء. هؤلاء كان حاديهم حب الوطن وحده، بعيدا عن أضواء الإعلام وضوضاء السياسة.

ما رسموه يمكن أن يشاهده المرء وهو عابرٌ على شارع البديع عند مدخل قرية الديه، إلا أن من الواجب أن أنقل لقطات «خاصة» شاهدتها بعيني. فمن بين هؤلاء طبيبٌ من قرية الدراز، يعكف على رسم جدارية لأحد الحقول يشقه الساب، وتشاركه ثلاثٌ من بناته (رباب ومريم وزهراء).

كانت الفكرة تقوم على احتضان الفنانين والموهوبين من أبناء المناطق نفسها ليبدعوا في تجميلها وتزيينها، إلا أن الذين شاركوا من مناطق مختلفة من البحرين. والنبل هنا أن المشاركين جاءوا في ليلتي الجمعة والسبت، وهما ليلتا إجازة، تاركين راحتهم العائلية وراء ظهورهم، ليساهموا في تزيين مناطق غير مناطق سكناهم. وليست هذه القضية هامشية على الإطلاق، بعد أن أصبحت الفكرة المناطقية والعصبيات الفئوية تتحكّم في كثير من مواقفنا ونظراتنا للأمور.

مثل هذه الفعاليات تتجاوز رسم الجداريات أو التشجير والاهتمام بالبيئة، إلى إعادة إنعاشٍ لمشاعرنا «الوطنية»، التي لا ينفع التغنّي بها في الأعياد الوطنية ما لم يرافقها عملٌ على الأرض. وكم كان جميلا أن تلقى فنانين وفنانات من خلفيات مختلفة يقفون كتفا لكتف، طوال ساعات، على شارعٍ عامٍ مزدحمٍ بالمرور، ليرسموا هذه الجداريات.

استوقفتني لوحةٌ موقّعةٌ باسم «ليالي الريم»، أبدعتها كلٌّ من ليالي الدوسري وريم الناصر. وهما سيدتان من قرية البديع تدرسان الفن، وتسكنان حاليا مدينة حمد، تقول ليالي: «الفكرة أعجبتنا (وايد وايد وايد)، ونحن نريد مع الآخرين أن نخدم بلدنا ونجمّله عبر هذه الرسوم، فالمبادرة (وايد) حلوة، ونتمنى أن تستمر ولا تتوقف لنشارك فيها». وهذا ما نراهن عليه دائما، فالبحرين يمكن أن تصبح أجمل وأجمل، إذا ما تخفّفنا من وطأة الشكوك المتبادلة والأوهام.

هناك وافدون آسيويون شاركوا أيضا، يجب أن لا نغمطهم حقهم، وقد نشرت «الوسط» أمس على الصفحة الأخيرة صورة أحدهم يرسم منظرا من وحي البيئة المحلية. هؤلاء بحكم عملي، ألتقيهم في الفعاليات الفنية أحيانا، وأنقل عنهم ما أسمعه من كلام عاطر بحق البحرين وأهلها، المعروفين بانفتاحهم على الآخر، دون عقدٍ أو كراهيةٍ أو عنصريةٍ أو انغلاق.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2446 - الأحد 17 مايو 2009م الموافق 22 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً