العدد 3103 - السبت 05 مارس 2011م الموافق 30 ربيع الاول 1432هـ

ثورة الشباب السلمية... اشتعال القلوب واشتعال الأجساد

منصور القطري comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

لغة جديدة نتعلمها من الشاب التونسي «محمد بوعزيزي» الذي أشعل قلوب الأمة قبل أن يشعل جسده الطاهر... لغة أحدثت الدهشة وأشعلت الحرائق في وجدان الشعوب.

لقد كانت نارك أيها الأعز عود الثقاب الذي أوقد أشجار الغابة العربية اليابسة... حتى أمست هذه الغابة أجمل بنارك، حيث تحوّل كل غصن من أغصانها إلى شمعدان ينير دروب الأحرار.

لقد كانت الدروس التي قدمتها الشعوب العربية قبلك متنوعة، فقد عرف الليبيون الدرس الاستشهادي عندما كانوا يعقلون أرجلهم ويقيدونها بالحبال بزعامة شيخ المجاهدين عمر المختار في مواجهة الفاشية الإيطالية، وقدم أهل الجنوب اللبناني الدرس عندما حوّلوا أجسادهم إلى قنابل متفجرة منذ أن بدأت الدرس الاستشهادية «سناء محيدلي» ذات الثمانية عشر ربيعاً حين تحول جسدها العفيف (1985م) إلى شظايا طير أبابيل تفحّمت إثر تلك العملية جثث الصهاينة فأضحت جثثهم جيفاً استنكفت الغربان عن نهشها، وقد أوصت هذه البطلة قبل عرسها الاستشهادي بأن يطلق عليها اسم «عروس الجنوب» وكذا الشهيدة الأميركية «راشيل كوري» أصغر ناشطة سلام والتي واجهت منفردة البلدوزرات الصهيونية في غزة لتتألق زهرة تسحقها دبابة في عالم الخالدين!

أشقاؤنا في تونس يقولون لمن يهاجر هجرة غير شرعية إلى أوروبا «يحرق»، أي يحرق الحدود أو يحرق الإجراءات أو يحرق الواقع الخنوع. لاشك أن الشرارة التي انطلقت من تونس الحرة ليتلوها طوفان الجماهير الغاضبة في مصر وليبيا والبحرين واليمن، جاءت من خلف الغيوم وكشفت لنا عن فجر جديد يصنعه الأحرار لقد جاء أولئك الأبطال يحطمون أساطير نهاية التاريخ، جاءوا في صورة «الفيسبوك» لينعشوا فينا أملاً كبيراً كدنا نفقده عندما نرى أن أصغر جندي يهين أكبر مفكر على المنافذ الحدودية! وليعيدوا لنا الحياة التي فقدناها في مآسي الظلم والسكون وحياة المسغبة.

تحية إلى جمرك المتوهج الذي أسس لحركة سلمية للأمة تصنع المستقبل فتولدت لنا الحياة من رحم الموت. لم تؤذِ أحداً عندما أحرقتَ جسدك القادم من تونس الخضراء بل كنتَ غاندي العرب وعليه فهمت الشعوب العربية الدرس وأحالته واقعاً عندما أقبلت تلك الجموع المحتشدة تقدم الورود إلى العساكر في ميدان التحرير فجعلت نهر النيل يزأر ... لم تسفك الدماء فاختصرتَ بفعلك لغة العصر وأعدتَ صياغة تجربة غاندي حين يقول «لا أعرف خطيئة أعظم من اضطهاد بريء باسم الله»، وكذا الزعيم الأسود مارتن لوثر كينغ عندما حلم بالمساواة ومات من أجلها (I have Dream).

تعددتْ دروسك ومازالت تقدم حلولاً للزعماء العرب تقرأ لهم تجربة لجان المصالحة الوطنية في جنوب إفريقيا والانتقال السلمي بدون دماء وسلاماً سلاماً قولاً من رب رحيم.

لله درُّك يا بوعزيزي أي لغة نار تلك التي تعلمناها منك؟ أي لغة نار تلك التي حركت الألوف وعلمتهم أبجدية العزة؟

أيها الشهيد: أحشاؤك وعظامك أشعلت النور في سماء العالم العربي المظلم الساكن حتى العفن! استفتحتَ الشهادة لتجلس على عروش قلوبنا إلى الأبد بعد أن أضأتَ بتلك النيران التي أكلتْ جسدك الطاهر طريق الجنة يا أشجى من مشى على السحاب، يا من حرّر البلاد والعباد، أيها المغسول بدموعنا العذراء، أيها المكفن بصبر الأنبياء.

حروفنا اليتيمة لا تقدم لك العرفان والشكر ولكنها تجهر بالعشق السرمدي، فأنت الدمعة في المقل والتأوه في حبر القلم، فاسمك كلمات تترنم زاهية بين الأنامل، يا أجمل حرية يتنفسها الشعب، يا عطر الحروف وفرحة ضياء ينبلج قبل الفجر يعلن شروق شمس الكرامة العربية، أنت من علَّم الجيل الصاعد كيف يخرج بصدور عارية أمام قوات مقاومة الشعب التي تحمي المنصة الرسمية يخرجون حفاة عراة جوعى يقتلعون الصنم من عرشه وينزعون مرارة السنين العجاف.

يا أطفال الحجارة في غزة، يا أبطال القاهرة والإسكندرية، يا بواسل طرابلس، يا فرسان صنعاء، كنتم ولاتزالون أباة الضيم والطغيان، فداكم كل عربي عانى ويعاني مراقبة ومضايقة رجال الأمن من متسافلي الدرجات، فدتكم المقل والعيون فدتكم الأرواح، أتعلمون أن العرب محاصرون باليقظة ومتيّمون بحب دروبكم حتى رفع الجميع رمز محمد بوعزيزي ورسم صورة أبي ذر الذي لم يخرج من الدنيا إلا بعباءته وحنجرته الحرة، فعندما أحرقتَ جسدك تألقتْ بروحك الأمة مجروحة المشاعر والكرامة والتي كانت تحيا بلا وطن وكأنها نبي الله صالح وسط قوم ثمود، لقد أخرجتَها من مرحلة الكسوف لتعيش عصراً عظيماً في التاريخ العربي ولسان الحال يعاتب من قرأ احتراق الجسد ولم يقرأ اشتعال القلوب فنارك أروع من ألف شمس فليس فيها خسوف ولا كسوف بل هي كتلة نور يستضيء بها كل أحرار العالم

إقرأ أيضا لـ "منصور القطري"

العدد 3103 - السبت 05 مارس 2011م الموافق 30 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:59 ص

      ؟

      من الغرابة أنك ذكرت كل الدول التي فيها الثورات في مقالك إلا ثورة البحرين .. فهل نضع عليك علامة استفهام ؟

اقرأ ايضاً