العدد 3118 - الأحد 20 مارس 2011م الموافق 15 ربيع الثاني 1432هـ

لِيَكُنْ حَاضِرُكُم أفضَل مِن تاريخِكُم أيها البحرينيون

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الدول صِنفان. دولٌ أصيلة يدعمها تاريخ وحضارة. وأخرى صَنَعَها دَفعُ الأحداث وقِسمة السياسة. وما بين الصِّنفَيْن يظهر بلدٌ كالبحرين (في الحالة الأولى) تتربّع على تاريخ مُفعم بالأحداث يمتد إلى آلاف السنين وتعاقبت عليه حضارات عِدَّة. هذا التاريخ هو بمثابة مخزون هائل من الشّرعية والإرث السياسي والتماسك الاجتماعي الذي يُداوي كل عِلل الحاضر. كما تظهر الولايات المتحدة الأميركية في البَيْن الآخر للصنفين (وفي الحالة الثانية) التي لا تتجاوز ذاكرتها عيد الشكر ووجروج واشنطن والأوراق الفيدرالية لـ هاملتون، ماديسون وجاي.

وما بين الصِّنفَيْن أيضاً يظهر موت الدول وانهيارها. فجمهورية البندقية عمَّرت لعشرة قرون قبل أن تنهار في العام 1797. ومملكة سردينيا التي أسسها الأراغون الكاتالان انهارت بعد خمسة قرون ثم امّحت من الوجود كسابقتها. ومملكة صقلية انهارت بعد عمر جاوز الثمانية قرون قبل أن تذوب مع نابولي. وهو ذات الأمر الذي ينطبق على ياديسان وكونفدراليّة الرّاين والكونفدرالية الجرمانية وممالك الكنيسة وشركيسيا التي لم يعد لها وجود بعد احتلالها من قِبَل الروس. هذه سليقة عامة في منطق الدول. وربما شاءت الأقدار أن تبقى البحرين بعنوانها ومعنونها علامة بارزة على مرّ التاريخ والعصور دون أن ينتابها التصحّر والاندثار.

هذا فيما خصّ المقدمة. أما فيما خصّ متن الموضوع فإن أزمتنا المُزدوجة (سياسية/ اجتماعية) والتي نعيشها منذ الرابع عشر من فبراير/ شباط الماضي تستوجب علينا أن نستحضر تاريخنا الذي كتبه الآباء والأجداد لنرى من خلاله أنفسنا ونعالج به واقعنا المُعَاش. فما يفصلنا عن العام 1953 هو بالضبط 58 عاماً.

نحن نتساءل الآن: ماذا جرى في ذلك التاريخ؟ وما هو الحدث الذي يهمنا منه اليوم؟ وإلى أيّ مدى يُمكن محاكاته وإعادة إحيائه بيننا في ظل هذه الظروف؟ الحقيقة هي أن أحداثاً كثيرة يُمكن إسقاطها من ذلك التاريخ على واقعنا اليوم، وبالخصوص موضوع المعالجات الاجتماعية للتناقض الايديولوجي والمذهبي وفي ذلك قصّة.

فبين العام 1953 – 1954 حَدَثت فتنة طائفية في البحرين بين السُّنَّة والشِّيعَة. أوّل مَنْ تَداعَى إلى صَدِّها هو الاجتماع الذي عُقِدَ في بيت عبدالعزيز الشملان بالتوازي مع اجتماعات النادي الأهلي ونادي البحرين. وعندما تم الاستغراق في آلية المعالجة والبطء الذي أصابها، قفَز شبابٌ من السُّنَّة بينهم عبدالرحمن عبدالغفار ويوسف السَّاعي وعبدالله الزين وعلي الوزَّان وعبدالرحمن الباكر وعبدالعزيز الشملان وأخذوا المبادرة دون الاعتماد على الأعيان التقليديين الذين كانوا لا يُحرّكون ساكناً إلاّ من خلال الموروث القديم للعلاقات الناظمة لهم وللأغيار.

كَابَد أولئك الشباب لإيقاف النزيف الطائفي. وخلال تلك الفترة حصلت أحداث أخرى راكَمت من الحدث الاجتماعي. أبرزها إضراب سائقي الباصات وسيارات الأجرة احتجاجاً على قرار الحكومة بفرض عقود التأمين على السيارات. انبرى عبدالرحمن الباكر لحلحلة الأزمة تلك عبر ترشيحه من المعارضة رئيساً لصندوق التعويضات وقبول المضربين به وبتسوياته المدعومة من المعارضة الوطنية. وعندما سَحَبَت الحكومة جواز سفره، تداعى الجميع للدفاع عنه سُنَّة وشيعة بالإضافة إلى الإمساك بالقضية السياسية الأصل. جرى اجتماع في مسجد الخميس، وفي قرية السنابس، ثم في مسجد مؤمن الشيعي، ثم في جامع العيد السُّنّي.

كانت الهيئة التنفيذية التي تمخَّضت عن كل ذلك الحِراك قد تناصفتها الطائفتَان الكريمَتَان، لكنها وفي نفس الوقت اعتمدت خطاباً سياسياً مُوحَّداً، برلماناً منتخباً، وضع قانون مدني وجنائي مُوحَّد. إنشاء محكمة استئناف تضمّ في عضويتها قضاة مُؤهلين. السماح بقيام نقابات عُمَّاليّة. لقد كان ذلك الخطاب بمثابة حركة مسبوكة أحرجت السلطة ومن خلفها الإنجليز. وكان غطاؤها أوسع من مصالح فئوية أو طائفية قصيرة الأمد.

لقد كان ذلك التحرّك قد أدَّى إلى عملية رَجْرَاجَة أفضت إلى تحوّل الموضوع من صراع طائفي إلى التحام وطني تكوَّنت فيه رؤية وطنية واحدة لا تنظر إلى الطوائف. وكان ذلك عنصر قوّة قد منحها قدرة على التعاطي مع الشأن السياسي بأفق أوسع وبنظام مصالح متماسك. ومع ذلك، وفي أتون ذلك الانجاز، لم تكن تلك الجبهة العريضة ببعيدة لتقفز على أصل التكوين الاجتماعي في البحرين، بل كانت تراعيه في كلّ تحركاتها، وهو ما منحها أيضاً قوة.

إلى هنا ومن خلال ذلك السرد والقراءة التاريخية حوله يظهر مشهد الخمسينيات وكيف أنه ذو قيمة سياسية أخلاقية واجتماعية نادرة. نحن اليوم وبعد مُضِي 58 عاماً وفي ظل تطوّر الأجيال والأفهام وثورة الاتصالات فإن الحال يجب أن يكون أطور من ذلك أو مساوياً له في أدنى الحدود. أما أن نكون في مرحلة أقل فهذا خلاف المنطق، بل وخلاف التطور النوعي للشعوب والأمم والذي عادة ما يكون تطورها ونموها الاجتماعي والسياسي تراكمياً وبشكل تصاعدي.

اليوم وخلال أزمتنا السياسية/ الاجتماعية العاتِية فإن المسئولية التي نتحملها جميعاً هي قراءة ذلك التاريخ جيداً. والأكثر من ذلك هو صناعة الإنجاز عبره. فإذا كان السُّنَّة قبل 58 عاماً بهذا المستوى من المسئولية والوعي تجاه حماية اللحمة الوطنية والحرص على وأد الطائفية والدفاع عن أخوتهم الشيعة فإنه ومن الهوان أن يكونوا اليوم في درجة أقل. وإذا كان الشِّيعَة قبل كل تلك السنين بذلك الحِسّ تجاه الحرص على تنقية المجتمع من مطبَّات الانزلاقات الطائفية، والدفاع عن أخوتهم السُّنَّة فإن من الضعف أن يكونوا اليوم أدنى من ذلك أيضاً.

لقد كان الكاتب والفيزيائي الألماني جورج كريستوف لشتينبرغ يقول «ليس من الصعب أن تختصر القول إذا ما كان لديك ما تقوله» وما أريد أن أقوله حقاً (ولن أيأس في الدعوة إليه أبداً) إن ما تنفثه السياسة علينا من سُموم يجب ألا نتلقاه عبر التفريط بلُحمتنا الوطنية. بل وفي كلّ مرة نرى فيه هبوب السياسة نضع قدماً أطور في علاقاتنا الاجتماعية ووقاية محيطنا من أيّ انزلاق طائفي

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3118 - الأحد 20 مارس 2011م الموافق 15 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 10:15 ص

      والله تاريخ حلو

      جرى اجتماع في مسجد الخميس، وفي قرية السنابس، ثم في مسجد مؤمن الشيعي، ثم في جامع العيد السُّنّي.

    • زائر 5 | 9:58 ص

      بنت البديع

      لاللطائفية التى تنخر فى جسمنا كفاية تاجيج ولامزايدات هذا الشعب لايتحمل كل هذة الارهاصات التى تعصف بالبلاد كلنا ابناء هذا الوطن بجميع اطيافة ومذاهبة نريد العقلاء من الطائفيتن للتداخل لحلحاة الازمة وكفاية مزيد من الدماء واللة يحفظ الجميع

    • زائر 4 | 6:59 ص

      لا للطائفية

      صح لسانك ,الموضوع يحتاج الى من من يحمل البيرق تحت شعار لا للطائفية واكيد سوف يرى من خلفة الكثيرين المؤيدين لة من سنة وشيعة

اقرأ ايضاً