العدد 3125 - الأحد 27 مارس 2011م الموافق 22 ربيع الثاني 1432هـ

البحرين وثنائية الدين والمذهب

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بأيّ شكلٍ يُرادُ للبحرين أن تكون اليوم؟ باختصار، إنهم يُريدون لها أن تنتقل من غطاء الديانة إلى غطاء المذهب/ الطائفة وهنا الإشكال. اليوم يُريدون للإسلام أن يتقابل مع المذهب (التشيّع/ التسنّن) وشتَّان بين الأمرين. فالديانة تُشرّعها نصوص الكتاب. والمذهب يشرّعه البشر. الأولى أوسع والثانية أضيق. الأولى أكثر تسامحاً والثانية أكثر تعصباً. الأولى ترتبط بالفتح والثانية ترتبط بالقتال والحرب والدفاع عن الأنا والكيان الخاص.

الديانة (إن حسبناها إسلاماً) فقد كمُلت «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» أما المذهب/ الطائفة فهي تزداد اجتهاداً في نفسها وكأنها صارت بديلاً للديانة الأصل أو تسير بجانبها وكأنها صِنوٌ يتحدَّى الفضاء الذي جاءت منه. وهذا يعني أن الإنسان (عرّاب الطائفية) في تقابل مع النص المُقدس (وعاء الديانة)، بمعنى أنه صراع النسبي مع المطلق، والمحدود ضد اللامحدود، والجزء ضد الكل، والفرع ضد الأصل.

لكلٍّ منهما (الديانة والمذهب/ الطائفة) خطاب. خطاب الأولى هو نَشْر، وخطاب الثانية حَصْر. في النَّشْر يُمكن الاسترسال في الخطاب بشكل سَلِس لا تبدو فيه الحساسيات الدينية ظاهرة، ولا مجال للخصوصيات ولا للمحدود حتى. أما في الحَصْر فإن الخطاب يختلف، فهو عادة ما يكون خاصاً جداً، وفيه من الآراء والأفكار عن الأغيار والآخرين ما يُسبّب إفشاؤها اضطرابات في العلاقة معهم وسَلٌّ للسيوف من أغمادها ورَصّ للصفوف ضد الصفوف.

هذه إذا المشكلة المنهجية وهي بالأساس مقدمة المقال. اليوم ولأننا في أزمة مفتوحة اختلط فيها السياسي بالطائفي فالحال يفرض علينا أن نكون واقعيين وصُرحاء إلى الحَد الذي لا يجعل الأمور غامضة. جزء من أزمتنا هي مذهبية/ طائفية وللأسف يقودها آحاد من البحرينيين وليس مجموعهم. هدفهم هو توسيعها وتمديدها من الألسن إلى الأذرع. ومادامت هي كذلك فإن الواجب يفرض علينا أن نعيد الأمور إلى نصابها. ونِصاب الأمور هي العودة إلى الديانة بدل المذهب/ الطائفة، بمثل الدعوة السابقة بضرورة الانتماء إلى الأرض التي تنتج لنا لغتنا وهويتنا كمُكوِّن أصيل للتعايش.

وإذا ما قرَّرنا ذلك، فإن اللازم التالي في المعالجة الضرورية التي نحتاجها الآن وبشكل فوري هو انتهاج خطاب «النَّشْر» الواسع الأفق والمسترسل والبعيد عن الخصوصيات والعصبيات الضيّقة، بدل خطاب «الحَصْر» الذي يُغذِّي غرائز الطوائف ويُنمِّي فيها الانغلاق على نفسها، ويُشجعها على مُساكنة الشّك الدائم تجاه الأغيار، ويدفعها بشكل تحريضي إلى ردات فعل لا تنتهي، سواء بالقول أو بالفعل، وهو ما يُراكِم المشاكل ويستولدها يوماً بعد آخر.

بتفصيل أدق، يجب ألا تُعطى الأحداث التي تجري وسط هذه الأزمة العاصفة وصفاً يُقرّبها إلى العواطف الطائفية. فعندما يعتَدي أفراد مجهولون على مسجد شيعي/ مأتم لا يجب أن يُقال أن اعتداءً قد وقع على أحد المساجد/ المآتم الشيعية، يكفي أن يُقال إن اعتداءً وقع على مرفق ديني. وإذا ما تمّ الاعتداء على مسجد سُنِّي فلا يجب أن يُنعَت ذلك المسجد بصفة «سُنِّيتِه» ولا تحديد المنطقة التي يقع فيها خصوصاً إذا كان لها مدلول ديمغرافي مُعيّن، يكفي أن يُقال ما يُفتَرَض أن يُقال للأول ثم تتم المعالجة بعيداً عن عمليات التثوير الطائفي للعامة.

كذلك الحال بالنسبة للأفراد. فإذا ما تمّ الاعتداء على فرد ينتمي إلى هذه الطائفة أو تلك فإن اللازم هو إبعاد الأخبار عن توصيف الحادثة بشكل تفصيلي. فحين يُقال إن أفراداً اعتدوا على رجل (مواطن أو مُقيم) مع ذكر اسمه ومنطقته فإنه وفي الغالب تُعرَف هويته المذهبية (سواء من الاسم أو المنطقة) وهو ما يعني أن الخطاب «الحَصْرِي» هنا يلعب دوراً سيئاً في تأليب المشاعر على بعضها. وبالتالي فإن إبعاد الأخبار عن الوصف الدقيق هو أبسط حقوق ومتطلبات الحرب ضد الطائفية، أما إذا سلكنا العكس فهذا يعني أننا مُحرّضون.

هذه الدعوة هي للجميع، من تلفزيون البحرين إلى الصحافة الورقيّة إلى الإذاعة. بل حتى للأفراد أنفسهم الذين يتناقلون الأخبار فيما بينهم، عليهم أن يتجنَّبوا ذلك التقسيم والفرز. كذلك فإن على منتسبي الطوائف ألا ينتصروا لقضاياهم الطائفية بالمطلق، وينظروا إلى قضايا الآخرين على أنها شرٌّ مستطير واستهداف لهم وهذا ما لا يجوز أبداً، لأن ذلك يعني أنهم طائفيون مئة في المئة وبعيدون عن غطاء الديانة الأوسع، فالتراحم بين الناس واجب وأصل للتعايش، ومُداراتهم قد ورد فيها من المديح والحثّ النبوي الكثير.

في مثل هذه الأزمات فإن الجميع مُطالَب بأن يُقدّم تنازلات. أن يعضّ على الجراح. ليس بالضرورة أن يصرخ مادام في الصراخ ضرر عام. تجارب الشعوب أرتنا كيف أن الجماعات المتخاصمة قد تجاوزت خصامها بالتنازلات بين بعضها البعض. وأظهرت تلك التجارب أيضاً أن الجماعات التي مارست غلواء الظلم ضد الآخرين دفعت أثماناً باهضة عندما تبدّل ميزان القوى، ولم تسلم من ذلك سوى المجتمعات التي انتصرت للمجموع وليس للفئويات الضيقة

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3125 - الأحد 27 مارس 2011م الموافق 22 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 6:48 ص

      مملكة البحرين جرت من زجاج

      أتمنى أن يرحم الله البلاد من الفتن والاهواء فما زلنا على دين واحد والكل يقول أشهد أن لاإله الا الله محمد رسول ، فعليه أن يتوقف الجميع عن التقاذف بهذه الجرة حتى تسلم من التراشق
      شكرا لكل أهل البحرين سابقا وحاضراً . ومستقبلاً .

    • زائر 8 | 3:11 ص

      الفهم المعكوس للدين

      هناك فهم خاطي بل معكوس للدين وهو الفهم الذي يقوم على إقصاء آرارء الآخرين فإما أن تؤمن بما أأمن به وإلا فأنت كافر ولا تستحق العيش
      هذا الفكر خطير جدا ومن يتبنونه عقولهم مقفلة
      ولا تقبل النقاش والأخذ والرد

    • زائر 6 | 1:53 ص

      بديهيات

      أكيد الكثيرون لاحظ عبارة We Trust in God مكتوبه على الدولار الأمريكي، الا ان النظام القائم ديمقراطي وليس مبني على المذهب او الدين.

    • زائر 5 | 1:37 ص

      كلامك سليم يا استاذ 100% أؤيده ولكن يبقي لي سؤال جد محير

      لماذا لم يقم الطرف الاخر ولو لبضع من الشيء بتنازل بل من واجب حقوقي للعامة؟؟ أكم يا تري سندور الرحي لنقطع اوصالنا بمدعي تسامحنا بالتنازل تلو الاخر حتى هرمنا واصبحت الرجل تشدنا الى مثوانا دون بارقة امل لما تبقي من هالكم يوم من نشأتنا لنحس بإغماض اعيننا تحت الثري مطمئنين لمن يخلفنا

    • زائر 4 | 1:36 ص

      احبك ياوطنى

      اشكرك على هذا الطرح وأرجوا ان يوظف القلم هذة الايام فى اتجاة نبذ الطاتفية ولم الشمل فنحن شعب واحد ويطلق علينا بحرينيون ز

    • زائر 2 | 12:53 ص

      التنازلات

      الجميع مُطالَب بأن يُقدّم تنازلات. أن يعضّ على الجراح. ليس بالضرورة أن يصرخ مادام في الصراخ ضرر عام. تجارب الشعوب أرتنا كيف أن الجماعات المتخاصمة قد تجاوزت خصامها بالتنازلات بين بعضها البعض

اقرأ ايضاً