العدد 3127 - الثلثاء 29 مارس 2011م الموافق 24 ربيع الثاني 1432هـ

قراءة جديدة لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق

حمزة عليان comments [at] alwasatnews.com

.

استراتيجية أوباما للأمن القومي تعكس فهماً جديداً للعلاقات الدولية، بخلاف ما كان سائداً في عهود ادارات بوش وكارتر...

أهم ما في هذه العقيدة أنها أدخلت عنصرين رئيسيين يتم الاحتكام اليهما بوضع قواعد الاشتباك والتمدد الخارجي، الأول هو ما يعرف «بالتجديد الاقتصادي» الذي سيكون محوراً حيوياً من محاور الأمن القومي، والثاني «خلق فرص لحل الاختلافات» من خلال تعزيز دعم المجتمع الدولي ومعرفة نوايا وطبيعة الأنظمة المغلقة، على أن يكون اللجوء الى القوة كخيار أخير، استنفدت قبله كل الوسائل والعقوبات.

ماذا يعني هذا الكلام، اذا ما أسقط على مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق؟

وما هي النتائج المتوقعة والسيناريوهات المحتملة للعلاقات الأميركية - الخليجية وعلى رأسها العلاقة الكويتية - الأميركية؟

وما هي أوجه العلاقات المستقبلة بين طهران وواشنطن في ضوء المرتكزات الجديدة لمفهوم الأمن القومي؟


العسكر والدبلوماسية

ينقل الصحافيان ايرنيستو لوندونو وكارين ديونغ في مقالة لهما في «الواشطن بوست» ومن داخل بغداد، أن الدبلوماسيين الأميركيين يعكفون على اعادة تعريف النفوذ الأميركي في بلد احتكر فيه القادة العسكريون قوة السلاح ومليارات الدولارات وسياسة التدخل المباشر لرسم ملامح السلطة الحاكمة هناك.

لقد حدد الدبلوماسيون والعسكريون نحو 1200 مشروع ومبادرة يستوجب على المسئولين العسكريين تسليمها الى العراق، وهي مشروعات تتصل بضبط الايقاع في التناوب على السلطة والحكم، الى مشروعات انمائية وعسكرية وخلافه.

تلك مؤشرات على أن العامل الحاسم في تحديد مسار العلاقات سيكون في الاطار المدني والسياسي وتبعاً للمصالح العليا للولايات المتحدة التي ترتبط مع العراق باتفاقية أمنية تم التوقيع عليها من الطرفين، وأقرت من قبل المؤسسات الدستورية في كلا البلدين.

هذه الاتفاقية تضع تاريخاً محدداً في 30 يونيو/ حزيران 2009 لانسحاب القوات الأميركية من الشوارع والمدن واكتمال الانسحاب من 31 ديسمبر/ كانون الأول 2011... وهي في المجمل ترسم ملامح شراكة اقتصادية وعلمية وعسكرية تشعر بغداد أنها بحاجة الى شريك اقتصادي قوي يدعم احتياجاتها الانمائية وفي نفس الوقت التعهد برفع العقوبات عنها وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

اذن العراق سيحكم وفقاً لهذه الاتفاقية التي بدأ العمل بها اعتباراً من 1/ 1/ 2009 وتستمر لغاية العام 2012 أي أن مدة سريانها ستكون ثلاث سنوات يجوز تعديلها بموافقة الطرفين.

قد تكون الاتفاقية غير مثالية، لكن البدائل المتاحة قد تكون أكثر سوءاً كما أوضح ذلك النائب الأول السابق لرئيس البرلمان العراقي الشيخ خالد العطية قبل الانتخابات النيابية التي جرت قبل أشهر ومازالت الحكومة المؤقتة تقوم بتصريف الأعمال ريثما يتم التفاهم على رئيس وزراء جديد!

في المدى المنظور، والحديث هنا عن السنوات الثلاث القادمة، إن المخاوف الناجمة عن هذا الانسحاب الأميركي مازالت مفاتيحه بيد الادارة الأميركية «الناعمة»، وإن بدا أن القوى السياسية والمجموعات الدينية تتوجس الواحدة فيها من الآخر، وتحاول أن تضمن مكاسبها من الحكم لاستعادة ما فقدته بعد تغيير أصول اللعبة وادارة السلطة من أطراف بقيت مهمشة على مدى عقود من الزمن.

المشكلة الأساسية التي ستحدد حالة النظام في العراق وقدرته على تأمين الاستقرار من عدمه أو اهتزازه، ترتبط بالتنافس الأميركي – الإيراني، ومدى قبول إدارة أوباما بهذا الدور القائم وحدوده، وهو دور بات جزءاً من منظومة مصالح وطموحات إيرانية تتخطى مساحتها الجغرافية لتتصل بالمجال الحيوي للمصالح الأميركية في منطقة الخليج وآسيا والصراع العربي – الإسرائيلي، أي بالتصادم الحاصل على أكثر من بقعة، سواء في أفغانستان أو في العراق أو في لبنان وفلسطين أو في الخليج العربي... حلقة العقوبات المطروحة في مجلس الأمن من قبل إدارة أوباما، تبقى إحدى دوائر المواجهة الساخنة والتي ستختبر فيها قدرة أميركا على تطبيق المفاهيم الجديدة للأمن القومي التي تفترض عمل طوق من الدول العظمى الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن كمرحلة أولى على إيران في سبيل منعها من حيازة قدرات نووية متقدمة.

وإذا ما نجحت بتحييد الصين وروسيا من استخدام الفيتو ونيل موافقتهما شرط أن تضمن الصين حماية مصالحها الاقتصادية وشركاتها في إيران فسيكون ذلك مدعاة للفوز «بالغنيمة».

الدبلوماسية الاقتصادية ستكون قوة ردع موازية للقوة العسكرية. وهذا يعني أن الحرب ربما تكون مؤجلة أو بالأحرى مستبعدة في ظل معطيات جديدة تبنتها الإدارة الأميركية وان كانت تسعى للبقاء والاحتفاظ بالقوة العسكرية الأولى في العالم.


تشابه بالارتباط

إزاء هذه الرؤية، ماذا في الأفق بالعلاقات الكويتية – الأميركية وبالتالي بالعلاقات الخليجية الأميركية؟

هناك هاجس أمني تعيشه بعض دول المنطقة نتيجة سياسات استفزازية تقوم بها إيران من وقت إلى آخر، وهناك عدم شعور بالطمأنينة من المشروع النووي الذي جرى النفخ فيه دون أن تكون هناك ضمانات حقيقية بعدم استخدامه لأغراض عسكرية.

عوامل الخوف والاضطراب وحالات عدم الثقة، كلها عوامل ساعدت في تسريع دول المنطقة إلى المزيد من التسلح في موازاة القبول بقواعد عسكرية أميركية تنتشر في كل دول الخليج، ويصل عدد أفرادها إلى نحو 50 ألف جندي أميركي موزعين على عدد من القواعد.

وفي هذه الأجواء عملت واشنطن على تعزيز التعاون العسكري والدفاعي مع دول الخليج تحديداً، وتثبيت منظومة دفاع صاروخي منها نصب رادار متقدم ومتنقل شبيه بالذي أرسلته إلى إسرائيل العام 2008 بهدف اعتراض أي هجوم إيراني محتمل.

على مستوى الكويت، فالواقع أن الارتباط العسكري مع أميركا، يشبه، في وجه منه، الارتباط الأميركي مع العراق، فكلاهما يحتكمان إلى اتفاقية عسكرية تنظم وتحدد شكل العلاقة. وهذا منشأه إيجاد نوع من الضمانات لكلا البلدين في تهيئة أجواء من الاستقرار السياسي والأمني على الأقل من الجانب العراقي، وفي الوقت نفسه يقدم تعهدات تحمي الكويت من أي مغامرة غير محسوبة قد تقع في المنطقة لاسيما أنها تصنف كحليف رئيسي من غير أعضاء حلف الناتو من أيام جورج بوش الابن.

القراءات الآنية تشير إلى أن المواجهة العسكرية تراجعت إلى الحدود الدنيا، لكن تبقى الاتفاقيات الأمنية الخليجية - الأميركية في صدارة الاهتمامات من قبل الأنظمة الحاكمة طالما رأت أن عوامل الاهتزاز والاضطرابات مازالت قائمة، عليه فإن تمديد تلك الاتفاقيات وتوسيع القواعد العسكرية سيبقيان من ثوابت حماية الإقليم الخليجي.

في كل الأحوال، سيناريو الانسحاب يطرح أسئلة على غرار: من يحمي الخليج في ظل هذا الغياب؟

وما هي المخاطر المحتملة من وراء هذا الانسحاب؟

وهل وجود القواعد العسكرية يعطي الشعور بالأمان أم أن هناك فواتير سياسية وأثمانا لابد وأن تدفع؟

هذا ما ستجيب عليه تطورات الأحداث القادمة

إقرأ أيضا لـ "حمزة عليان "

العدد 3127 - الثلثاء 29 مارس 2011م الموافق 24 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً