العدد 2451 - الجمعة 22 مايو 2009م الموافق 27 جمادى الأولى 1430هـ

تساؤلات سجينة تطلق سراحها احتفالات الوحدة اليمنية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«ونحن نحتفل بالعيد الوطني التاسع عشر للجمهورية اليمنية وإعادة تحقيق الوحدة المباركة يسعدني أن أزف إليكم أجمل التهاني والتبريكات بهذه المناسبة الوطنية الغالية التي يقترن بها ميلاد اليمن الجديد... يمن الوحدة والحرية والديمقراطية والتنمية والنهوض الحضاري الشامل... فالوحدة إنجازٌ تاريخي عملاق وثمرة عظيمة لنضالات شعبنا وتضحيات شهدائه الأبرار... وهي التجسيد الحقيقي لأهداف ومبادئ الثورة اليمنية الـ26 من سبتمبر (أيلول) والـ 14 من أكتوبر (تشرين الأول) وتطلعات جماهير شعبنا اليمني من أجل التحرر من عهود الإمامة والاستعمار والتشطير وصنع المستقبل الأفضل. فلقد عانى شعبنا في ظل التجزئة من الكوارث والصراعات الدموية سواء في ظل الصراع الشطري الشطري... أو في إطار كل شطر، وجاءت الوحدة المباركة لتسدل الستار على تلك المآسي وترسم واقع الحرية والديمقراطية والأمن والأمان، وأصبح المواطن يعيش حرا آمنا على حياته وعرضه وماله وأصبح اليمن بوحدته قويا ومستقرا ومزدهرا وعنصرا هاما للأمن والاستقرار والسلام في المنطقة».

تلك كانت مقدمة خطاب الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي ألقاه في احتفالات 19 عاما على إعلان الوحدة اليمنية.

في الوقت ذاته كانت عدن تواري الثرى أربعة ممن سقطوا برصاص قوات الأمن أثناء تفريقها تظاهرة «انفصالية» في مدينة عدن الجنوبية كانت تطالب بتقسيم البلاد، وطرد «المحتل الشمالي»، والتي زعم القيادي بالحزب الاشتراكي اليمني قاسم داوود علي «أن قوات الأمن اليمنية استخدمت وللمرة الأولى الرصاص الحي والقنابل الهيدروجينية واليدوية لتفريق المتظاهرين، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 30 آخرين»، في تصريح له بثته إحدى الفضائيات العربية.

على نحوٍ موازٍ، ظهر الزعيم اليمني علي سالم البيض كي يدعو في مؤتمر صحافي عقده في النمسا إلى «فك الارتباط بين جنوب وشمال اليمن»، مرجعا هذه الدعوة «إلى شعوره بالواجب تجاه الحراك الجنوبي السلمي»، معتبرا ذلك مسئولية ملقاة على عاتقه تدعوه للالتحاق بصفوف المناضلين الشباب للمشاركة في «مسيرة التحرير والاستقلال واستعادة دولة الجنوب».

في الوقت ذاته، يؤكد رئيس ملتقى التشاور الوطني الذي دعت إليه أحزاب المعارضة المنضوية في تحالف اللقاء «المشترك» الشيخ حميد بن عبدالله الأحمر مقاطعته لتلك الاحتفالات ويتمنى أن يحتفل «بعيد الوحدة سوية مع الرئيس السابق علي ناصر محمد، ونائب الرئيس الأسبق علي سالم البيض، ورئيس الوزراء الأسبق حيدر أبو بكر العطاس».

لو أراد فنان في السبعينيات من القرن الماضي أن يرسم صورة كاركاترية ساخرة/ متشائمة لليمن في مطلع القرن الواحد والعشرين، فلا يمكن لمخيلته، مهما بلغت من التجريد والقدرة على الاستقراء، أن تصل إلى رسم ما آلت إليه الأوضاع في اليمن اليوم، ولا يمكنها أن تتوقع خريطة تحالفات قريبة من هذه القائمة اليوم.

مَنْ كان يتصور شخصاَ مثل «البيض»، وهو الذي وضع حياته على كفه، وخاض النضال ضد الاستعمار أولا، وضد قوى الانفصال ثانيا، أن يتصدّر اليوم المنادين بالانفصال، بل يصل إلى درجة اتهام الوجود اليمني الشمالي بـ «الوجود الاحتلالي»؟

ما يجري في اليمن اليوم، دون الدخول في تفاصيل الحالة بما تحتضنه من قوى سياسية، وتحافات إقليمية وعالمية، تضع قوى المعارضة العربية أمام تحدٍّ كبير مصدره مراجعة الكثير من المسلمات السياسية التي آمن بها جيل مناضلي الستينيات من القرن الماضي. وأولى تلك المسلمات هي أن الاستعمار كان وراء تجزئة الأمة العربية، وأن كل أشكال التمزق التي عانينا منها، إنما يقف وراءها «الاستعمار أو القوى الخارجية التي تقف وراءه، أو القوى الداخلية المرتبطة معه».

ها قد رحل الاستعمار، إما بفضل نضالات عنيفة قادتها حركات التحرر الوطنية العربية، أو بفضل نضالات سلمية قادتها قوى سياسية محلية عربية، أو حتى في نطاق تغيير الاستعمار لأشكال تواجده في الساحة العالمية. المهم في الأمر أن الاستعمار، بمفهومه التقليدي رحل عن المنطقة العربية - باستثناء «إسرائيل» التي لها وضعها الخاص - في فترة أقصاها الثمانينيات من القرن الماضي. والسؤال هل بقيت الخريطة العربية، كما كان ذلك الجيل من المناضلين يقول «ضحية التقسيم الاستعماري» أم الأمور ازدادت ترديا، وشهدنا المزيد من الانقسامات السياسية على نطاق المنطقة العربية ككل، والتشظي السياسي على مستوى كل دولة. وبوسعنا أن نسوق أمثلة متهكمة شبيهة بتلك التي جاءت على لسان الفنان السوري دريد لحام في مسرحية «كاسك يا وطن».

هل حاول أي فرد من ذلك الجيل أن يطرح على نفسه تساؤلا من مستوى: ألم يقم الاستعمار، سواء إنطلاقا من مصالحه او إنصياعا لظروف فرضتها طبيعة المرحلة التي تمت فيها إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بُعيد الحرب الكونية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية، بتوسيع نطاق توحيد بعض الأقطار العربية بمساحة أكبر مما تتحملها الروابط القبلية، أو العلاقات الطائفية، أو التحالفات الإثنية. ويكمننا أن نسوق أمثلة على ذلك تأخذ شكل تساؤلات قد تصل إلى درجة الاستفزاز السياسي.

ما لذي يربط الشيعي في عكار اللبنانية، بالسني الكردي في الشمال العراقي؟

ما هي الوشائج القومية التي تجعل العلاقات متينة، كما قد يتوهمها البعض، بين الأمازيغي في جبال الأطلس والعربية ليست لغته الأم، مع ابن ظفار في أقصى الجنوب الغربي من سلطنة عمان الذي يتحدث هو الآخر لغة أخرى غير عربية وهي «الحِمْيَريّة»؟

تساؤلات سجينة ظلت مكتومة في صدور الكثير من مناضلي ذلك الجيل، الذين ربما كان البعض منهم أشد خجلا من الإفصاح عنها، لكن ما جرى بالأمس في اليمن جاء كي يطلقها باحثة عمن يملك جرأة ومنطق الإجابة عليها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2451 - الجمعة 22 مايو 2009م الموافق 27 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً