العدد 1241 - السبت 28 يناير 2006م الموافق 28 ذي الحجة 1426هـ

انفلونزا الطائفية

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

وضعان قلقان ومتوتران يحيطان ببلدنا ويؤثران فيه وفي غيره من الأقطار العربية والإسلامية، كلا الوضعين فيهما شمة نتنة من الحرب والتوتر الطائفي. أقدم الوضعين وأسخنهما هو ما يجري من حوادث على مدار الساعة في الساحة العراقية المجاورة لنا، ويأتي في الرتبة الثانية الوضع المتوتر في لبنان بين مختلف مكونات المجتمع اللبناني بعد تاريخ 14 مارس/ آذار ،2004 وهو اليوم الذي اغتيل فيه رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري مع مجموعة من رفاقه ومعاونيه. لبنان هو بلد الإعلام العربي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من تأثير واضح وأكيد على الشعوب العربية والإسلامية، وبلد المقاومة للاحتلال الإسرائيلي السرطاني المرعب للعالمين العربي والإسلامي. ولأنه نقطة توتر دائم مع الاحتلال اتجهت القلوب إليه مجبرة لمتابعة ما يستجد من حوادث وانتصارات تؤكدها إرادة المحرومين. أما العراق فهو مدار الحادث اليومي المدوّي، والبلد الذي توجد فيه كل فضائيات العالم، ووكالاته الإخبارية، ولأنه الأقرب إلينا والأفجع في أخباره وحوادثه الدامية، فتأثيره على الجميع أمر قائم، ومن الحكمة أخذه على محمل الجد، لنستفيد العبر والدروس مما يجري على أرضه من جهة، ولنجنب بلادنا الأخطار والأخطاء وتكرر المأساة التي تعيشها أمتنا في العراق الجريح. ولعلي لا أثير جديداً إن زعمت أن الخطر الأشد إرعاباً وخوفاً لأمتنا العربية والإسلامية جراء ما يدور في العراق من مبارزة دنيئة هو انتشار سرطان العداء الطائفي وانتقال العدوى إلى الدول والمناطق التي يكوّن نسيجها الاجتماعي خليطاً من الأطياف الدينية أو المذهبية. هذا القلق الذي أراه قائماً ومنطقياً، يدفعني إلى التساؤل الدائم بيني وبين المقالات التي أقرأها أحياناً، وهي تشط بقلمها الشاحن للنفوس والمفسد للود، والفاقد للوطنية حتى بمستوى الحد الأدنى، وكأنها لا تعي أن همزها ولمزها مفسدة لا تقبلها تعاليم الدين الحنيف، ولا يرتضيها الكرام من عقلاء مجتمعنا الغيور. هذا القلق الدائم هو ما يدفعني إلى تلمس حماية وطننا وأهلنا ومجتمعنا بأمرين أتصورهما جزءًا من الحماية والاحتراز المستقبلي، أرجو أن أوفق في عرضهما على القارئ الكريم بشفافية ووضوح.

أولاً: المساهمة في الحل

ما أتمكن من قوله في هذا السياق، إنه لا يُشهد ولا يُرى جهد يبذل من الدول العربية والإسلامية ولا من دول الجوار العراقي يعنى بحل الإشكال الطائفي العراقي ويرقى لمستوى الأزمة التي يعيشها العراق ويكتوي بها شعبه الكريم. وأعتقد أن قولي «لا يُشهد» أكثر دقة من قولي: لا يوجد، والسبب هو أن ما يوجد هو في واقع الحال جهدُ الاستحياء والخجل، فالمواقف التي يبرزها الإعلام أحياناً لهذه الدولة أو تلك هي مواقف للاستهلاك الداخلي ومواراة للسوأة والتستر على واقع مرير وخطير. وإلاّ فكيف يمكن لعاقل أن يرى النار تستعر وتلتهم بستان جاره ثم لا ينبري مبادراً لمساعدته في إخمادها؟ أَوَليست هبة ريح واحدة كافية لأن تجتاز النار حدود البستان إلى البستان الآخر؟ أوليس في البستان الآخر من الشجر والورق ما هو جاف جداً وقابل للاشتعال بأقل الأشياء؟ ليس هذا على مستوى الدول فحسب، بل الأمر يتعداه إلى الجهد الأهلي المدني في مختلف الدول العربية والإسلامية، وفي اعتقادي أن التنادي الداخلي «الجماهيري والشعبي»، هو الأجدى والأنجع في حماية أنفسنا ومجتمعاتنا من أي خطر طائفي داهم. إن الوقفة الجادة والصريحة ضد الطائفية في العراق هي في حقيقة الأمر استباق مهم لخطر داهم ووشيك، أسأل الله القدير أن يجنبنا إياه، وأن يحمي بلادنا من تبعاته وويلاته. لقد عرف بلدنا (المملكة العربية السعودية) باعتباره بلد المبادرات والمصالحات، ومحلاً لإنتاج التوافق بين المختلفين في شتى الأقطار العربية والإسلامية، ولعل آخر المبادرات هي المبادرة السعودية تجاه الوضع اللبناني المنفعل، وتذليله لعقبات الصراع هناك، وسواء وفقت المبادرة أم لا، فهذا لا يقدح في كون السعودية بلد التوافقات والمبادرات، وهذا ما يجعلنا نتطلع إلى دور رئيسي في الوضع العراقي لمساعدته على النهوض والتعافي بشكل أسرع، وبمبادرات تتضح عليها لمساتنا كدولة مجاورة ومهتمة بالأوضاع الدائرة على حدودها.

ثانياً: إنتاج خطاب مضاد

خطاب آخر، يتجه للداخل ويخاطب عقله بهدوء وروية. خطاب يتبناه الواعون والخيرون من أبناء هذا المجتمع الأطياب، يكون في جوهره معاكساً للتوجيهات الإعلامية المسمومة وغير المسئولة، لأن الإعلام الموجه وللأسف الشديد يمارس دوراً بغيضاً وسلبياً في القضية الطائفية، وبعضه ينفخ في النار حباً في استعارها وانتشارها، محاولاً التأثير على الشعوب والمناطق المجاورة للعراق وجرها إلى الاقتتال الداخلي، كي يتمكن من يخدمهم هذا الإعلام من إكمال مخططاتهم في السيطرة والاستحواذ على خيرات أمتنا. إنني أتوجه لكم أيها الواعون والمثقفون والعلماء والعاملون لأن نكون نحن وإياكم جميعاً من يأخذ بأيدي الناس ويدلهم على الجادة بعيداً عن أمراض الإعلام ونواياه السيئة، فإذا كان من شأن العامة أن يتأثروا بما يدور حولهم فشأن الحكماء أن يتأملوا، وإذا كان طبع البسطاء أن يقلدوا ويتقمصوا، فلاشك أن طبع العقلاء أن يتفكروا، وإذا كانت الدماء تدفع للثأر والانتقام عند الجهلاء فإنها تقض مضاجع العلماء سعياً وراء إحياء النفوس وتكريمها وحفظها. ربما تلقى أصوات النشاز والكره والبغضاء من يتبناها ويبث سمومها العدائية بين أبناء المجتمع، لكن هذا لا يعفي السواد الأكبر من عقلاء البلاد وعلمائها ومثقفيها من القيام بدورهم الداخلي وإنتاج خطاب بديل، يعيد التوازن للإنسان، ويحد من انفلاته العاطفي والانفعالي، مؤكداً جوانب الإنسانية والحب والتعايش بين الإنسان وأخيه. إن القلق ليعتري كل مراقب للأوضاع وللساحات المتحركة من حولنا حين يشعر بأن خطاب الداخل ليس بمستوى التحدي والصراحة والوضوح مقابل الحوادث اليومية التي ينقلها لنا الإعلام على شاشات التلفاز بعد أن تُبهّر وتطهى بحسب مذاق «الشيف» الإعلامي ومهارته. * كاتب وعالم دين من المملكة العربية السعودي

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1241 - السبت 28 يناير 2006م الموافق 28 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً