العدد 1255 - السبت 11 فبراير 2006م الموافق 12 محرم 1427هـ

الإسلام وترشيد المياه

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

إن نظرة الإسلام إلى الترشيد هي نظرة حضارية طويلة الأمد، وإن ترشيد الاستهلاك والمحافظة على الموارد الطبيعية بشكل عام في الدين الإسلامي هو مبدأ ثابت ومستقر ويطبق في جميع الظروف، وليس كردة فعل مؤقتة لأزمة نمر بها، وبعد انتهائها يمكننا العودة إلى العادات القديمة من إسراف وهدر «لا تسرف ولو كنت على نهر جار». وللإسلام نظرة متميزة تتمثل في الاعتدال والتوازن والوسطية في التعامل مع كل عنصر من عناصر البيئة بما فيها المياه، ونبذ الإسراف والاستنزاف والاستغلال غير المدروس. كما أن الإسلام يعطي الإنسان حق الانتفاع بالمياه، ولكنه لا يعطيه حقاً فردياً مطلقاً «الناس شركاء في ثلاث، الماء والكلأ والنار»، ولا يجوز انفراد فئة معينة بالانتفاع بالمياه واحتكارها وعدم توزيعها بعدالة في المجتمع، أو تلويثها بحيث تكون غير صالحة لغيره.

وقد جعل الله الإنسان خليفة في الأرض، وهذه الخلافة تعني انه وصي على الأرض والبيئة وليس مالكاً لها، يديرها كما أمره الله، ولا يتصرف فيها بأنانية كأنها له وحده دون بقية المخلوقات. فالإنسان مستخلف على إدارة البيئة واستثمار خيراتها وأمين عليها، وهذه الأمانة تفرض عليه أن يتصرف فيها تصرف المسئول الأمين، المُراعي لاحتياجات الآخرين، وان يتعامل معها برفق وأسلوب رشيد. ويجب أن يدرك الإنسان أن هذا الاستخلاف للبيئة مؤقت ومرتبط بمدة محددة، ما يعني أن الموارد التي نتمتع بها الآن ليست ملكاً لجيلنا فحسب، وإنما هي للأجيال القادمة أيضاً التي لها حق فيها ويجب أن تنتفع بها كما ننتفع بها نحن الآن.

لقد جعل الإسلام المحافظة على البيئة جزءاً لا يتجزأ من اكتمال إيمان الفرد المسلم، ما يدل على الاهتمام الكبير الذي يوليه هذا الدين بحماية الإنسان وبيئته وثرواتها من كل ما يؤدي إلى إفسادها وتلويثها وتدهورها. ومبدأ الترشيد هو أسلوب حياة عند المسلم وليس ظاهرة آنية مؤقتة. فالترشيد في الإسلام مبدأ ثابت ومستقر ويطبق في جميع الظروف والأحوال، سواء كانت هذه الظروف يسرة أم صعبة، والترشيد يجب ألا يفهم منه التقتير والبخل وقلة الإنفاق.

وإذا تمعنا في هذه المفاهيم والمبادئ الإسلامية وتوضيح العلاقات بين الإنسان والبيئة والموارد الطبيعية، فسنجد أنها هي نفسها التي وصل إليها، أو يحاول الوصول إليها جاهداً، الفكر العالمي الحديث في مجال حماية البيئة ويحاول ترسيخها في المجتمعات الإنسانية المختلفة بالعالم. فحري بنا، نحن المسلمين، النظر إلى هذه المفاهيم التي وضعها ديننا الحنيف وتبنيها والعمل بها سواء كسلوك من قبل مستهلك المياه أو كمبادئ إدارية وتشريعية لإدارة الموارد المائية في مملكتنا بدلاً من انتظارنا لاستيرادها من الخارج!

وللوصول إلى هذه الغاية السامية وإنشاء مجتمع واع بالمفاهيم والمبادئ الإسلامية المتعلقة بالبيئة ينبغي علينا إعطاء الدور الأكبر في إيصال هذه التعاليم الدينية المتعلقة بالبيئة لعلماء الدين الأفاضل، إذ إنهم أفضل من يستطيع إيصالها للجمهور، ولهم دور وتأثير كبيران على سلوك المجتمع والمعايير الاجتماعية السائدة. والقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يزخران بالكثير من المبادئ والتعاليم الإسلامية الحنيفة ذات العلاقة بالبيئة التي يمكنهم الرجوع لها، كما يمكن الرجوع إلى الكثير من المراجع التي تتعرض للتعامل مع البيئة من منظور إسلامي (مثل كتاب إسماعيل المدني: من أجل وعي بيئي خليجي). ويحبذ هنا التنسيق مع المسئولين في المملكة للتركيز في عدد من خطب الجمعة وخصوصاً خلال فترة الصيف على موضوعات ترشيد المياه والكهرباء في جميع مساجد المملكة لتساهم مع الجهود المبذولة من قبل الدولة في هذا المجال.

ومن المناسب أيضاً أن يسعى علماء الدين الموقرون إلى تدعيم ثقافتهم البيئية من خلال دعم ومساندة هذا التوجه والانضمام إلى الشبكات الاستراتيجية للبيئة والمياه ودفع عملية رفع الوعي البيئي في المملكة دفعة قوية سواء بمخاطبة المجتمع البحريني مباشرة أو بالتأكيد على المواضيع البيئية خلال اجتماعهم مع قادة وسياسيي المملكة.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1255 - السبت 11 فبراير 2006م الموافق 12 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً