العدد 2454 - الإثنين 25 مايو 2009م الموافق 30 جمادى الأولى 1430هـ

بناء الموارد البشرية في مشروعات الحكومة الإلكترونية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تكفي نظرة سريعة إلى برنامج فعاليات «منتدى البحرين للحكومة الإلكترونية 2009»، كي يدرك المرء غنى الحضور، حيث يشارك في منتدى هذا العام نخبة من ذوي العلاقة المباشرة بمشروعات الحكومة الإلكترونية في بلدانهم، وازدحام المحتوى، إذ تتحدث الأوراق، وهي كثيرة، عن تجارب حكومات إلكترونية متعددة تم تطبيقها في بلدان مختلفة. تكفي الإشارة هنا، للتدليل على ذلك، إلى الجلسة الخاصة التي سيشارك فيها «جمع من رؤساء برامج وهيئات الحكومة الإلكترونية في دول مجلس التعاون الخليجي، للتحاور فيما بينهم والتعرف على أفضل الممارسات والتجارب، وتبادل الخبرات في مجال الحكومة الإلكترونية». يغني كل ذلك ما سبق وأن أشار إليه الرئيس التنفيذي للحكومة الإلكترونية محمد القائد بأنه «سيتم خلال المنتدى استعراض أفضل التجارب الدولية في مجال برامج الحكومة الإلكترونية، وخصوصا الناجحة منها، التي تم تنفيذها على المستوى الإقليمي والدولي».

بالنسبة لنا نحن في البحرين، فبقدر ما يهمنا مثل هذه المبادرات التي يتمخض عنها الكثير من المشروعات ذات الإنعكاسات الإيجابية على القطاعين العام والخاص، هناك مسألة تستحق التوقف عندها، والتي هي الموارد البشرية المحلية التي يفترض أن تنخرط، وبعمق، في مشروعات الحكومات الإلكترونية التي بدأت تنتشر في المنطقة العربية، فالحكومات العربية كافة، وبدرجات متفاوتة، ضالعة في بناء منصات حكوماتها الإلكترونية.

والمقصود بذلك، أن يكون هناك، وبشكل مواز لبناء الحكومة الإلكترونية البحرينية، برنامج استراتيجي طويل المدى يتولى تأهيل الإطارات البشرية البحرينية كي تشكل طليعة جيش من ذوي الكفاءات والمهارات قادر على تزويد السوق العربي، وليس الخليجية فحسب، بمثل هذه المهارات. والحديث هنا عن مهارات بشرية عالية القدرات فائقة الكفاءة، من دون إهمال بناء الصف التمهيدي الأول منها، والذي تتخرج منه تلك المهارات.

هناك أسباب كثيرة تعزز ضرورة بناء مثل هذه الإطارات المهنية البحرينية يمكن حصر أهمها في النقاط الآتية:

1 - حاجة السوق المحلية: فمن الطبيعي أن تولد مشروعات الحكومة الإلكترونية البحرينية، وهي كثيرة وطموحة في آن، حاجة كبيرة لكوادر مؤهلة، ليس لبناء المنصات، وإنما لتشغيلها، وتحديثها، وتطويرها، ناهيك عن إبتكار، أو حتى استحداث خدمات جديدة ذات علاقات مباشرة وغير مباشرة بما تبنيه منصة الحكومة الإلكترونية البحرينية من علاقات، مع المواطن، أو الإدارات الحكومية على حد سواء. الهدف هنا هو تحقيق الاكتفاء الذاتي، قدر المستطاع، وتقليص الاعتماد على «استيراد» مثل هذه المهارات من دول أخرى أجنبية، والتي غالبا ما تكون مكلفة ونادرة.

2 - تلبية متطلبات الأسواق الإقليمية: فالموجة العارمة التي تجتاح الدول العربية لبناء حكومات إلكترونية، تنمي معها أسواقا ناشئة قابلة للتطور والاتساع، الأمر الذي يولد حاجة ماسة مباشرة لمهارات عربية قادرة على سد احتياجات هذه الأسواق. والحديث هنا لا يشمل تلك المهارات الابتدائية ذات الإمكانات المحدودة، دون التقليل من أهميتها وحاجة السوق المتنامية لها، بقدر ما يتناول الصفوف العليا من تلك المهارات، التي أصبحت شبه نادرة اليوم، حتى في أسواق ناضجة وتقدمة تقنية، مثل الأسواق الغربية، التي لاتزال «تعهد» لبعض أجزاء مشروعات حكوماتها الإلكترونية لشركات أجنبية، هندية كانت أم سنغافورية.

3 - التعاون مع الشركات العالمية: فمن الطبيعي، وهو ما نشهده اليوم على أرض الواقع، أن الكثير، إن لم يكن معظم المشروعات العربية، ترسم مخططاتها، وتنفذها شركات عالمية، ليست عربية على الإطلاق. هذا الاعتماد على المزود العالمي، من المتوقع أن يستمر، وفي ذلك الكثير من المنطق، ولفترات طويلة. لذلك فمن الطبيعي أيضا أن تستمر، بل وتتنامى، حاجة هذه الشركات العالمية إلى كوادر محلية، تفهم الحضارة المحلية، وتتقن اللغة العربية، وهما عنصران أساسيان، لا يمكن المساومة على أي منهما، عند الحديث عن بناء منصات حكومات إلكترونية في المنطقة العربية.

والسؤال هنا كيف بوسع البحرين أن توفر مثل هذه الإطارت المتقدمة، كي تلبي احتياجات هذه الأسواق المتنامية، مع الأخذ بعين الاعتبار محدودية قدرات البحرين سكانيا - من حيث العدد - واقتصاديا من حيث الدخل القومي؟

في البدء لابد من التأكيد هنا على أن الحديث يتناول تلك الشريحة العليا من المهارات، ذات الكفاءات العالية، وبالتالي فالمحدودية السكانية ليست واردة على الإطلاق، أما بالنسبة للموارد الاقتصادية، فتحقيق هذه المهمة لايتطلب رؤوس أموال فلكية، بقدر ما يحتاج إلى تخطيط جيد، وإدارة كفوءة، وتنفيذ فعال.

الأمر المشجع على هذا الطريق أن البحرين قد خطت خطوة على هذا الطريق، من خلال ثلاث إدارات لكل منها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بمشروع الحكومة الإلكترونية البحرينية: الأولى هي «مجلس المناقصات» الذي أنجز بنجاح، وفي فترة قياسية نسبيا منصة المناقصات الإلكترونية، وهي الأولى من نوعها في المنطقة العربية، وأصبح بتصرف المجلس مجموعة من الكوادر المحلية ممن توفرت لديهم خبرات غنية في تشغيل إدارات حكومية إلكترونيا. الثانية هي هيئة الحكومة الإلكترونية، والتي وقعت مجموعة من العقود، من بينها ذلك الذي وقعته قبل أشهر، مع شركة «سيسكو» لبناء «مركز للمعلومات»، يشمل فيما يشمل التأسيس لمركز بناء كوادر محلية تتمتع بمهارات لأداء المتميز في مجالات الحكومة الإلكترونية المختلفة. الثالثة، هي «تمكين»، الذي شارك في مشروع ضخم لتدريب الشركات البحرينية الصغيرة والمتوسطة الحجم على استخدام منصة المناقصات الإلكترونية، ومن يفتش في صفوف أولئك المتدربين، يمكنه التقاط بعض الكوادر المؤهلة للارتقاء والتحول إلى مهارات عالمية في هذا المجال. وفي نطاق الحديث عن «تمكين»، يمكننا أيضا الإشارة إلى انخراطه، كما جاء على لسان رئيسه التنفيذي عبدالإله القاسمي، في مشروع بناء سوق البحرين إلكترونية، والذي، في حال إنجازه، سيكون إحدى الدعامات الرئيسية لتخريج الكفاءات المحلية في مجال صناعة المنصات الإلكترونية ذات العلاقة بالحكومة الإلكترونية.

كل ذلك يؤكد أن البحرين قد وضعت قدمها على طريق المجتمع الإلكتروني، الأمر الذي يبرر دعوة الشروع في بناء الإطارات البشرية البحرينية ذات المهارات العالية، والنادرة في السوق المحلية والإقليمية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2454 - الإثنين 25 مايو 2009م الموافق 30 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً