مازلت أتعجب حقيقة من العقليات السائدة التي تحاول بين الفينة والأخرى ترويج خزعبلات يرفضها العقل، في الوقت الذي تحاول الكثير من المؤسسات سواء الدينية أو السياسية تأصيل ثقافة وجود المرأة كشريك إلى جانب الرجل في جميع جوانب الحياة ما دامت محافظة على حشمتها والتزامها الديني وحيائها وعفتها وفق الضوابط الشرعية والأحكام الإسلامية، فما الضير من أن تزاحم المرأة الرجل وتحاول أن تأخذ حقها السياسي طالما أن الشرع يجيز لها ذلك وطالما أن التشريعات تسمح لها بذلك طالما تمتلك رصيداً لا بأس به من الكفاءات؟

أحد أصحاب الأعمدة يحاول أن يسوق أفكاره من خلال المساحة المعطاة له، ومن حقنا أيضاً أن نوضح وجهة نظرنا بشأن ما يكتب عن القطاع النسائي، ولاسيما أن هناك الكثير من الأخوات وربما الزميلات طلبن مني أن أحاول التعقيب على ما كتبه، أحاول أن أتفهم الأهداف التي يحاول تحقيقها من جراء كتابة مثل تلك الموضوعات من دون جدوى، باختصار شديد ما الجرم الذي ارتكبته المرأة أو سترتكبه، وما الخطيئة التي اقترفتها المؤسسة التي تهتم حالياً ببرنامج التمكين السياسي للمرأة إذا ما أخذت على عاتقها مهمة إعداد كوادر نسائية مؤهلة لخوض غمار الانتخابات؟ في الوقت الذي تحملت النقد اللاذع عندما أخفقت في هذا الجانب في يوم من الأيام، أحاول أن أجيب عن تلك الأسئلة إلى جانب أسئلة كثيرة تزاحمني، ولعلي أرسل بعض الإشارات إلى هؤلاء ولكل من يحمل من الأفكار نفسها البائسة بل التوجهات نفسها، أقول لهم ماذا ينقص المرأة لكي لا تكون على درجة من الوعي والكفاءة؟ حتى تعجز عن ممارسة العمل السياسي؟ وماذا يميز الرجل عن المرأة حتى يؤهل لخوض التجربة بنجاح واقتدار؟ ولماذا ننظر إلى المرأة نظرة منقوصة وغير واعية بشأن العمل السياسي من دون سواه من الجوانب الأخرى؟ وكيف جاءت هذه الخلفية أصلاً؟ الجواب: إننا خلقنا هكذا ونظرتنا إلى المرأة تكونت بهذا الشكل. سؤال يفرض نفسه: الا يراد لهذه النظرة أن تتغير وتتطور بشكل يتناسب مع نمو وتطور قدرات المرأة؟ ألم نكن نحن في يوم من الأيام أعطينا الرجل كل الفرص من دون استثناء ولم يبق للمرأة أي شيء، هل هذا يعني أن تبقى المرأة للأبد مكتوفة الأيدي كتب عليها أن تبقى تتفرج على تحرك الرجل وتراقب أداءه وتصفق له إذا فشل أو نجح، ليس من حقها أبداً أن يعطيها المجتمع فرصتها لتجرب حظها هي الأخرى بعدها يصدر حكمه عليها، أم أن الأحكام تأتي هكذا جزافا؟

اتفق تماماً على أن هناك وعياً مجتمعياً وأن الوعي الموجود وصل إلى درجة أن فئات المجتمع بمقدورها تمييز الغث من السمين، ولكن ما أرجوه أن لا يكون ذلك فقط قاصراً على المرأة دون الرجل فكما أن هناك غثاً وسميناً لدى القطاع النسائي كذلك ينطبق الأمر ذاته على الرجل، وبالتالي لنكن عادلين في الحكم ولتكن المعايير واحدة، والحقيقة أن ليس هناك هاجس البتة في محاولة إيصال امرأة غير كفوءة أو غير قادرة على ممارسة العمل السياسي، وبالتالي لا أعتقد بأنه من الواجب الدفع بوجوه نسائية لا تمتلك أدنى مستويات التعاطي مع الساحة السياسية فليس الهدف إيصال امرأة بقدر ما الهدف إيصال المرأة القادرة التي تمتلك كفاءة معينة ومحدّدة تعينها على التفاعل مع الملفات السياسية وتكون قادرة على صناعة القرارات السياسية بل قادرة على نقل هموم الناس وآلامهم وأوجاعهم إلى أروقة المجلس والعمل على معالجتها، فوصول المرأة ليس غاية بل هو وسيلة بحد ذاته، كما أن المرأة لا تقبل أبدا أن يكون وجودها ديكورياً.

وسياسة الاستجداء والتوسل والاستعطاف غير مقبولة لدى أكثر فئات المجتمع ونأمل أن لا نكون بحاجة إليها نساء ورجالاً، ولكن ربما تكون أحد الوسائل التي يلجأ إليها المرشح لضمان الحصول على الأصوات وبالتالي ضمان الفوز بالمقعد، وأعتقد أن المرحلة الحالية ربما يتطلب الأمر أن تستخدم بصورة أكبر ريثما يعتاد المجتمع على حضور المرأة في مواقع صنع القرار السياسي، ولكن لا يعني هذا أن الرجل لا يضطر إلى اللجوء إلى مثل تلك الأساليب على رغم أن المرأة إلى الآن لا تعد منافساً قوياً له (شر لابد منه)، ونأمل أن يأتي اليوم الذي تكون فيه المرأة منافساً قوياً للرجل حينها ستختل الموازين والقوى بدرجة غير معهودة، وعلينا أن يتسع صدرنا إذا ما تحدثا عن موضوع التمكين السياسي للمرأة، وألا نشعر بالضجر أو الضيق من خلال لافتات تدعو إلى الالتفات إلى النصف الآخر أو الشريك الذي ينتظر دوره، ووصول المرأة إلى المجالس المنتخبة ليس بغرض إيهام الأخرين بأننا مجتمع ناضج سياسياً فالأمر ليس مشروعاً إعلامياً بقدر ما يكون لها دلالات واضحة وعميقة على أنها مجتمعات متقدمة تعطي كل ذي حق حقه، حينها الثوابت لن تتغير ولن تشوه إذا ما أخذت المرأة حقها، ولكنها ستتأصل بل ان الثوابت تكون لا معنى لها أصلاً وفارغة إذا ما بنيت بشكل ينمو فيها الرجل على حساب المرأة، ومن المتوقع أن تأخذ المجتمعات طريقها إلى الانحدار إذا ما استمر تهميش المرأة، ولا ننسى أن نضج المجتمع من نضج المرأة وكلما نضج المجتمع بصورة أكبر ألقى بظلاله على المرأة، فلسنا أساساً في خوف من الدخول في دوامة لا مخرج لها بل اننا واقعاً في دوامة وعلينا الخروج منها من خلال العمل على التمكين السياسي للمرأة، وبالتالي لا معنى يذكر حيال التعامل مع المرأة على أنها عملة نقدية تستخدم كأداة للوصول إلى استحقاقات هي أيضاً من حقها أن يكون لها نصيب منها، وعلى المجتمع أن يحدد موقفه جيداً من المرأة. فاما أن تكون شريكاً له وتشاطره في الحقوق والواجبات واما أن تبقى معيناً مهمتها تقديم العون والمساندة لاخيها الرجل، فهل المطلوب من المرأة أن تخرج من بيتها يوم الانتخابات لتدلي بصوتها للرجل وتظل هكذا من دون تمثيل لصوتها وتبقى ملفاتها وقضاياها معطلة إلى أجل غير مسمى؟ أم أن يكون لها صوت وتمثيل يتناسب مع وجودها؟ فعلى الرجل أن يقف وقفة وفاء للمرأة التي وقفت إلى جانبه كثيراً بشجاعة، ولنفسح المجال أمام المرأة لكي تمارس حقها كناخبة تارة ومرشحة تارة أخرى تعمل على وضع برامجها وتحقق دورها المجتمعي أمام الناس من دون ضجيج أو عويل، ولنعمل ألف حساب إلى اليوم الذي تنتفض فيه المرأة.