العدد 1272 - الثلثاء 28 فبراير 2006م الموافق 29 محرم 1427هـ

الكذب والكلام الفارغ

هشام عبدالرحمن خليفة comments [at] alwasatnews.com

قرأت أخيراً كتاباً صغير الحجم كبير المغزى، ترك في نفسي انطباعاً أود أن أتشاركه مع القارئ. الكتاب هو

(On Bull) بقلم بروفسور الفلسفة بجامعة برنستون هنري فرانكفورت. يوضح فرانكفورت الفرق بين الكذب والكلام الفارغ. الكذب هو عندما يتفوه الشخص بأقوال غير صحيحة وهو يعلم بأنها غير صحيحة. أما الكلام الفارغ فهو عندما يتحدث الشخص وكأنه خبير بالحقائق بينما هو مجرد يتصنع لإبراز صداقة زائفة. وبعد إيضاح الكلام الفارغ بطريقة أكاديمية لا تخلو من المداعبة، يوضح فرانكفورت كيف أن الكلام الفارغ أسوأ من الكذب.

وضعت الكتاب جانباً، وتذكرت بعض الأمور التي جرت في السنة التي مضت، وضحكت بعض الشيء عندما تعرفت على مدى قدرة الكلام الفارغ في السيطرة على قلوب المستمعين، وجعلهم ينكبون رأساً على عقب؛ متسرعين في اتخاذ القرارات بعد الاستماع لبعض الكلام السلس والجميل من قبل مسوقي الاستثمارات، الساسة وحتى أقربائهم. فكما أن الكذب لا يقتصر على فئة واحدة من الناس، كذلك هو الأمر للكلام الفارغ. وفي زمننا هذا، ومع كثرة المعلومات وكثرة القرارات التي يجب أن نأخذها، يكثر الكلام الفارغ ويسود المجتمع في الكثير من الجوانب، خصوصاً أين تضع أموالك. وبينما تزداد المعلومات والقرارات، يبقى الوقت، كما هو، 24 ساعة في اليوم، ما يجعلنا في بعض الأحيان نتسرع على عمل ما من دون أن نراجع حقيقة الظروف والوقائع التي أدت إلى قرارنا.

صحيح أنه ليس مجرد الوقت، بل الطمع وحتى الظروف الصعبة كلها تؤدي إلى التسرع واتخاذ القرارات الخاطئة. لكن كل هذه الأشياء تعمل على جعلنا أكثر تقبلاً لما يقوله الآخرون، حتى ولو كان كلاماً فارغاً. من الشركات العائلية التي تتسرع لطرح العروض الأولية إلى المستثمر الذي يتسرع في وضع تحويشة حياته في مشروع ما، هنالك الكثير من الأمور التي تبدأ كفكرة رائعة وتنتهي بكارثة مضيعة للوقت والنقود. فكيف ترى نميز بين الكلام الفارغ وما هو حقاً يقال لمصلحتنا؟

الاستجواب. كمستثمرين أو مديري شركات يجب اتخاذ موقف المحلل الذي لا يبالي إن كان سؤاله ذكي أو غبياً. فيجب أن نتعرف على قدرة المتحدث في توضيح ما يقوله وإبراز الإثبات المطلوب لبرهنة الموقف الذي يحثنا عليه المتحدث. لنكن صريحين في فهمنا، ونستفيد من الخبرة المزعومة من قبل المتحدث. وبعد الاستجواب، علينا القيام بالواجب والتحقق من الأمور باستقلالية. وعبر هذا التحليل، تتكون لدينا فكرة عن مدى تضارب المصالح وأين تقع تلك المصالح في نهاية الأمر، ما يجعلنا أكثر حكمة في اتخاذ القرار.

العدد 1272 - الثلثاء 28 فبراير 2006م الموافق 29 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً