العدد 1277 - الأحد 05 مارس 2006م الموافق 04 صفر 1427هـ

إيران... ومحمد علي (1)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل تنجح إيران في سياسة الصمود والتصدي التي تقودها الدولة في مواجهة الضغوط الأميركية - الأوروبية لمنعها من تحقيق استقلالها الاقتصادي أم تتكرر تجربة محمد علي باشا التي قادها في مصر في القرن التاسع عشر وانتهت إلى مواجهة قضت عليها؟

كل الاحتمالات واردة نظراً لتشابه التجربتين في سياقهما العام واختلافهما في المضمون الخاص. إلا أن التشابه والاختلاف لا يعني عدم الاستفادة من تجارب الماضي. فالماضي مضى ولكن الدروس والعبر يمكن الاستفادة منها لاختبار موازين القوى وفهم ذاك العداء العنصري (الثقافي - الديني) العميق الذي يضرب حذروه في التاريخ والجغرافيا.

الجغرافيا من الثوابت التي لم تتغير قوانينها السياسية منذ القرن التاسع عشر على رغم تطور وسائل المواصلات والطيران والنقل منذ ذاك الوقت. فمصر دولة قريبة جغرافياً من ضفاف أوروبا وتقع على البحرين المتوسط والأحمر وتسيطر على منافذ التجارة ومخارجها. وإيران كذلك فهي ليست بعيدة عن ضفاف أوروبا وهي تقع في منطقة استراتيجية تتحكم بطرق التجارة التي تربط آسيا بأوروبا وتسيطر على دائرة واسعة تمتد من باكستان وأفغانستان شرقاً وصولاً إلى العراق وتركيا غرباً. مضافاً إليها وقوعها على منطقة غنية بالنفط من شمالها (بحر قزوين) إلى جنوبها (منطقة الخليج).

الجغرافيا إذاً تشكل نقطة ثابتة في الاستراتيجية الدولية لم تتغير سياسياً كثيراً عن تلك القوانين التي تحكمت بمصر في عهد محمد علي.

إلى الجغرافيا هناك التاريخ والدين والثقافة والكثافة السكانية وكلها عناصر قوة لكل دولة تريد النهوض وتأسيس استقلالها السياسي والاقتصادي بعيداً عن هيمنة الغرب. فهذه العناصر تعتبر أيضاً من الثوابت الاستراتيجية على رغم ادعاء الغرب (الأميركي - الأوروبي) انه تغير واقلع عن سياسة الاستعمار والتدمير والتخريب. فهذه تعتبر من أساليب الخداع. فالتغيير حصل في تكتيكات القتال والشعارات بينما واقع الحال يؤكد أن تلك الدول الكبرى لم تقلع عن سياسات الاكراه والاذلال ومنع أية دولة عربية أو مسلمة من تشكيل قوة مستقلة تعطيها مساحة سياسية للرفض أو الممناعة.

قراءة تجربة محمد علي باشا في مصر مفيدة لأخذ العبر والدروس ومقارنتها بتلك السياسات التي تعتمدها الولايات المتحدة (وتحديداً في ظل إدارتها الحالية) في التعامل مع الدول العربية والمسلمة من باكستان إلى تركيا ومن العراق إلى مصر والسودان وسورية. فالكل في النهاية يخضعون للقانون نفسه من دون تمييز بين عربي وعجمي أو بين سني وشيعي. فالكل يقع ضمن دائرة جيوبوليتكية (جغرافية سياسية) تعتبرها الولايات المتحدة (والاتحاد الأوروبي أيضاً) من المناطق الخطرة التي لا يسمح لدولها بالنمو والنهوض والتقدم مهما كانت الذرائع والاعتبارات الاخلاقية والإنسانية.

وهذا ما فعله الغرب (دول أوروبا آنذاك) بتجربة محمد علي في مصر في القرن التاسع عشر وكرره بالتعاون مع أميركا و«إسرائيل» ضد تجربة جمال عبدالناصر في مصر في ستينات القرن الماضي. وأيضاً يمكن أن تفهم الكثير من الاسرار والالغاز والالتباسات التي احاطت بتجربة العراق الحديث وصولاً إلى تحطيمه وتقويض دولته وتفكيك شبكاته الأهلية إلى كانتونات (وحدات) طائفية ومذهبية كما هو حاصل الآن.

قراءة تجربة محمد علي في مصر تفيد جداً وخصوصاً تلك الزمر من ادعياء «التغريب» والمخدوعين بـ «الامركة». فالاطلاع على تجارب مبكرة في التحديث والتطوير قضت عليها أوروبا ودمرتها حرباً وحصاراً قبل أن تتحول إلى نماذج تحتذى في الشرق مسألة مفيدة للانتباه من المزالق.

محمد علي مثلاً نجح في تأسيس دولة عصرية وقوية خلال فترة حكمه مصر التي بدأت في العام 1805 وانتهت برحيله في العام 1849. فهذا الوالي البسيط قرر خوض التجربة والمغامرة ونجح بداية مستفيداً من ضعف السلطنة العثمانية وحاجة الأخيرة إلى مصر. وبسبب هذا الوضع الخاص أخذ محمد علي في الاستفادة من عناصر التقدم التي حققتها أوروبا آنذاك. ومن خلال استيعابة لعوامل النهوض وضع الأسس التقنية والعلمية والتربوية والزراعية والتنموية والصناعية لبناء إدارات معاصرة (مجلس حكومي) وجيش قوي وأسطول بحري ومدارس متطورة في الطب والمختبرات وغيرها من مؤسسات متصلة بكل متطلبات النهضة (مصارف، مستشفيات، ترع ، قناطر، مطابع) التي تحتاجها مصر لتكون دولة معاصرة على سوية واحدة مع أوروبا.

نجح محمد علي في تجربته وتحولت مصر في عصره إلى الدولة الأولى في آسيا وبدأت تتشكل منها تلك الصور الزاهية التي اشرقت على المحيطين البعيد والقريب. فمن بعيد أخذت اليابان بتقليدها وأرسلت بعثات لاستلهام التجربة والتعلم منها بهدف إقامة ما يشبهها. ومن قريب تخوفت السلطنة منها الأمر الذي نبه الدول الأوروبية إلى مخاطرها فبدأت تبحث عن وسائل وذرائع للايقاع بالتجربة من طريق الفتنة أو من خلال تأليب القوى على بعضها وتوريطها في مشكلات تسمح للدول الأوروبية بالتدخل وتوجيه ضرباتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية لاسقاطها. وهذا ما حصل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1277 - الأحد 05 مارس 2006م الموافق 04 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً