العدد 1278 - الإثنين 06 مارس 2006م الموافق 05 صفر 1427هـ

الفقاعة في أسواق «الهوامير»

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

معظم الندوات التي عقدت في منطقة الخليج لدراسة مستقبل أسواق الأسهم فيها، انتهت بالكثير من التفاؤل، الأمر الذي يجعل من التوقعات التي تصدر عن «خبراء» توقعات «خيالية»، وليست توقعات مبنية على أسس صحيحة علمية ومحايدة. شبه الانهيار الذي أصاب أسواق الخليج حتى الآن كان جزئياً بسبب أقوال وتصريحات هؤلاء الخبراء، الذين تصدوا لفتح باب واسع من التفاؤل، آمن به كثيرون وصدقوه.

سيدة على الهواء في احدى محطات التلفاز، تحدثت مع خبير مالي، قالت له: إنك قلت من على منصة هذا البرنامج إن المؤشر سيصل إلى خمسة وعشرين ألف نقطة منذ أسبوع فقط، والآن تراجع إلى ما دون 18 ألف نقطة فما قولك؟لم يزد «الخبير» إلا أن ضرب في الغيب وقال: انتظري لفترة أخرى وسيرتفع المؤشر كما توقعت؟

هذا تقريباً ما ذهبت إليه ثلة من الخبراء في ديسمبر / كانون الأول الماضي، إذ التأمت هذه الخبرة المحلية والعالمية بدعوة من احدى المؤسسات المالية الكبيرة في الخليج، وأجمع المتحدثون «الخبراء» على أن أسواق الخليج المالية ستبقى على حالها إن لم تتقدّم أكثر خلال العام 2006 وحدث العكس وبسرعة.

قرأت فيما مضى نصاً يقول: إذا سمعت سائق سيارة الأجرة في بلد ما يتحدث عن سوق الأسهم، فعليك الحذر! ولقد تحدثت عن سوق الأسهم ودخلتها كل شرائح المجتمع في دول الخليج. ولعل القول السابق فطنة وحكمة نتيجة خبرة طويلة سابقة، لقد دخل سوق الأسهم في منطقة الخليج كل من استطاع، وحملت السيدات في بلداننا الكمبيوتر النقال من أجل متابعة المؤشر، وترك آخرون أعمالهم المنتجة حتى يستطيعوا أن يغرفوا من الخير الوفير القادم، وكأن الأشجار تنبت ما ليس فوق أغصانها.

سر بذلك السياسيون، إذ وجدوا من يفلسف لهم الأمر بالقول إن هناك طبقة اجتماعية وسطى وكثيفة تتكون، فلا خوف من الهذر السياسي، مادامت أسواق الأسهم منتعشة، كما ساهم الاقتصاديون في ذلك، ووجدوا ضالتهم في الأرقام، فقد زادت القيمة السوقية الإجمالية إلى سبعة أضعاف في أسواق الخليج بين السنوات الأربع بين العام 2001 والعام 2005، سبعة أضعاف، وهي أرقام لم تكن مسبوقة في أي اقتصاد منتج أكثر مما حققه الاقتصاد الصيني والهندي والروسي وحتى التايواني صاحب الصناعات المتوسعة!

ولم يسأل احد ما هي أسباب الزيادة في القيمة السوقية للأسهم بهذه الطفرة وبهذه النسبة؟ جاءت بعض الإجابات لتقول إنها زيادة في أسعار النفط، وهل أسعار النفط الحالية، أخذا بالتضخم هي فوق السعر الحقيقي أو أعلى مما كانت قبل عشر سنوات أو يزيد إن حسبنا نسب التضخم؟

لقد تحولت أسواق الأسهم إلى «مغامرة» غير محسوبة النتائج، الكل يعرف أن مثل هذا الارتفاع في الأسعار غير مبرر، وأصبح مصطلح «الهوامير» الذي أطلق في أجواء الكويت يتردد في الصحافة الخليجية، والهامور لمن لا يعرف هو المضارب الكبير، الذي يدخل عندما تنخفض الأسعار ويخرج بشريحة ربحية ضخمة قبيل الانخفاض، وحقيقة الأمر أن مجموع «الهوامير» هم من يحصد أموال المساكين طالبي الثروة السريعة.

لا يوجد نمو عال في الإنتاج للكثير من هذه الشركات، بعضها في الحقيقة لا أكثر من بضعة مكاتب لم تعمل حتى الآن في بعض دول الخليج، وبعضها لا يعرف غير الراسخون في العلم فيم تتعاطى، فالزيادة في القيمة السوقية هي أصلا ليست بسبب نمو الأرباح أكثر منها المضاربة بعد توافر السيولة التي انجرت إليها المؤسسات المصرفية ودخل في شباكها صغار المتمولين.

كل المحيط الاقتصادي والسياسي يقول إن العكس هو الذي يجب أن يحدث عقلا، فالمحيط الجغرافي تضربه عوامل التوتر الإقليمية من القوة النووية الإيرانية إلى الاضطراب الخشن في العراق إلى عدم الاستقرار شرق البحر الأبيض المتوسط، في المحيط الداخلي لم تحدث تطورات سياسية إصلاحية وقانونية كبيرة ومشاهدة، وليس هناك احتمال لجذب استثمارات دولية كبيرة، كما يحدث في كل من الهند والصين على سبيل المثال.

كل من يعرف شيئاً عن الاستثمار ولو بسيطاً، يعرف أن أسعار الأسهم في أسواق الخليج، في الغالب، وصلت إلى سوية عالية مقارنة بقيمتها الحقيقية، وأن معظم إدارات الشركات ونظم المحاسبة في بعضها بدائية كما أن الأرقام المتوافرة، لا تتيح تحليل البيانات بصورة صحيحة، إذ إن مصادر تلك البيانات غير دقيقة ولا تتمتع بالشفافية والرقابة في الكثير من الأسواق.

الحاجة الماسة إلى إصلاح عمل أسواق الأسهم في الخليج لم يلتفت إليها احد بعد، ومن فعل ذلك قام به على استحياء، كما حدث في الكويت بعد انهيار الأسعار فيما سمي قضية «المناخ» المشهورة التي مازال البعض بعد سنوات طويلة يعاني منها الأمرين. إنها أسواق تحتاج إلى الكثير من القوانين التنظيمية، قبل أن يسف المستثمرون الصغار التراب.

بيت القصيد أن النفط «منتج سياسي» وليس سلعة تتداول بحسب أسعار السوق، ويمكن بتدخل سياسي أن يصبح سعره غير السعر المعروض صعودا أو نزولا، وضرورة العمل على مستوى مجلس التعاون لضبط آليات أسواق الأسهم ومراقبة أدائها، هي عملية أصبحت ملحة بعد أن كانت مطلوبة.

من يتحدث عن «تصحيح» في أسواق الأسهم في الخليج ليفسر ظاهرة التراجع الحالية، يستعير مسكنات ومهدئات وقتية لتلافي الحديث عن الحقيقة، الحقيقة التي يجب أن تعرف أن هناك تضخماً في الأسعار ليس مبنيا على الإنتاج الحقيقي للشركات، بل هي أسعار مصطنعة. ولا توجد رقابة حقيقية على غسيل الأموال التي تتحدث عنها الكثير من الكتابات الدولية، كما لا توجد شفافية وضبط لأطر المضاربة، على طريقة اضرب واهرب، أو مرجعيات للتحكيم وإعلان الإفلاس، أو مراقبة دقيقة لأعمال الشركات، وخصوصاً تلك التي تستقطب بسبب أسمائها العدد الأكبر من المستثمرين.

لقد انساق عدد ضخم من المواطنين في الخليج وراء الإثراء المرسوم شكلا في الأفق، ووظفت أموال كثيرة فيها، منها ما هو تحويل أصول منتجة إلى سائلة، أو ديون من المؤسسات المالية المختلفة، بعد التراجع الحالي أصبح الأفراد والجماعات ينظرون إلى مدخراتهم وهي تتبخر، وتثقل ظهورهم بالهموم... كل ذلك يخلق شعورا بعدم اليقين، ويهرب الاطمئنان. الهم الأكبر هو النتائج الاجتماعية وربما السياسية على مثل هذا التدهور، وربما أول غيث الإنقاذ هو إعادة الثقة للأسواق، عن طريق النظر في التشريعات القائمة وسد ثغراتها المعروفة لأهل الذكر. والموضوع أهم من أن يترك «للخبراء» الماليين، الذين أمطرونا رؤى وردية حتى أشهر خلت بتفاؤلهم غير الحذر.

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1278 - الإثنين 06 مارس 2006م الموافق 05 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً