العدد 1278 - الإثنين 06 مارس 2006م الموافق 05 صفر 1427هـ

العقل والثلاجة واللبن المسكوب

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

لاشيء يصنع المأساة للفقراء مثل التردد السياسي. لا تعلم اين تسير البوصلة والى أي شيء تشير، تماماً يصبح المجتمع كركاب طائرة مخطوفة من قبل طيار ربما يكون ماهراً لكنه لا يمتلك خريطة للطريق وبالتالي لا يمتلك استراتيجية. لهذا قد نحلم بأكياس القمح لكنا ليس بالضرورة نحصل عليها ونفاجأ انها - وبسبب غياب الاستراتيجية - تكدست في بيت هذا النائب البهلوان، اوذاك النائب (الحكواتي)!

مشكلتنا كعالم عربي ومنذ 50 عاماً هي أننا نعاني من ارتجال في المواقف وسوبر مانية عنتريات في الشعارات، وغياب للبرامج وضبابية في الأهداف. سميته سابقاً عملاً سياسياً قائماً على البركة (قد يصيب وقد يخيب) مثل الآتري.

شيئان يضيعان قناني العسل الشعبي وثمار العنب للفلاحين والفقراء :انتفاخ الطوباوية والاحلام وتكدس شحوم التأدلج السياسي على مفاصل العقل السياسي. في الأول يقول الكاتب محمد الاسعد: «عندما تبدأ في محاورة اي ايديولوجي عربي فعليك قبل كل شيء ان تثبت له وجود العالم لانه غير وارد ضمن معطياته». مثال على ذلك. بعض حركاتنا الإسلامية مازالت تفكر في عودة الخلافة العثمانية، وكذلك احتلال اسبانيا التي مازلنا نتباكى عليها ونذرف الدموع على اطلالها. والآن في الاسلام السياسي مازال من يحلم بتحويل الدول الغربية الى دول اسلامية أي الغاء الدول المدنية واستبدال نظامها بدول دينية، وبعض القوميين العرب مازال ينتظر عودة صدام إلى الحكم وصدام مازال يناقش في المحكمة على امل العودة إلى السلطة. هكذا وبكل بساطة وبلا مقدمات. كيف؟ الله العالم والمستعان! الشخص المؤدلج المتعصب ربما تكون متفائلا لو أقنعته بوجود العالم. ينام ليلا يحلم بأمور ثم يستيقظ صباحا ليفاجئ الامة بالخبطة السياسية الجهنمية الساحرة التي لم يصل اليها حتى بسمارك او ديغول او تشرشل.هتلر كان مؤدلجا. اتمنى من الشباب العربي شيئين: قراءة كتاب كفاحي لهتلر ومشاهدة الفيلم الجديد «داون فل» الانهيار. عندما رأيته اشفقت على نفسنا نحن العرب - كيف نقدس الابطال المنتفخين بلاوعي وكيف نسلم عقولنا ونضعها في ثلاجات التهريب؟ فهو يصور كيف كان هتلر غبيا ونرجسيا وقائداً «اعصابيا» يشكو من مرض زهايمر سياسي بل خرف سياسي. ذبح المانيا. ملايين قتلوا في الحرب وهو فقط ينظر في جحره ولا يريد ان يقتنع بأن العالم تقوده شبكة مصالح ومراكز قوى وتحالفات سياسية واقتصادية وثقافية. هذا القائد المخبول ارجع ألمانيا 70 خريفاً للوراء وما اكثرالمخبولين عندنا من الآلهات البشرية.

في النهاية الوصوليون هم من يربحون عندما يتكدس المؤدلجون - ايا تكن خلفيتهم الثقافية - في براميل السياسة بحثا عن جبنة وهمية بلاوعي. يقول الكاتب الاردني ياسر ابوهلالة في صحيفة «الحياة» 26/ 8/ 97: «وسواء كان المثقف متدينا أو علمانيا فهو يحقق غيابا لصالح السياسي. فصاحب الثقافة الإسلامية والتراثية يعيش زمان امجاد وفتوحات وعدالة لن تعود. وصاحب الثقافة العلمانية والغربية يعيش زمانا من التقدم والرفاهية والتحرر لن يأتي، فيما يستنزف السياسي اللحظة الراهنة بأنانية وانتهازية وشره،مختصرا. المجتمع في ذاته، ولذاته...». يقولون: القانون لايحمي المغفلين كذلك هي السياسة - التي يعبر عنها انيس منصور بفن السفالة الانيق - فهي مثل الكبريه. هناك من يرقص، وهناك من يلعب ورقا، وهناك من دوره مسح الاوساخ نهاية الليل، وقليل هم من يأمرون المحل بالمعروف السياسي الشعبي وينهون عن المنكر الانتهازي الشخصي. كأسلاميين بحاجة الى تعلم قواعد الحكم وخطاب الدبلوماسية والخروج من اوهام التاريخ وقراءة الواقع قراءة رقمية معرفية بعيداً عن الانشائيات والخطب الرنانة التي نقدمها على المنابر. الناس تريد منا انجازات واكياس خبز وشوية كرامة مع مشاريع اقتصادية وبرنامج سياسي واضح، أي خطة عمل. لا يريدون منا صراخا ولا انفعالا ولا انتفاخا في اوداج الرقبة أو... موسى الصدر هو عبارة عن انجازات على الأرض... مصانع ومبرات خيرية وكتب معرفية ومؤسسات اجتماعية. فضل الله هو عبارة عن مستشفى ومراكز صحية ومعاهد للصم والبكم ومطاعم ومبرات ومحطات بنزين وكتب معرفية. وماذا نحن؟ اسمحوا لى أنا أقيم المثقف بما يحمل من ترسانة معرفية وبما ينجز من مؤسسات تعليمية واقتصادية للناس وبما يمتلك من فكر انفتاحي عصري يتواكب مع العصر وخطاب انساني رحب. طبعاً ثقافة المثقف والداعية لها دور كبير في ادائه وخدمة المجتمع. هناك فارق كبير بين الشيخ محمد الغزالي والشيخ أبو الأعلى المودودي وهناك فرق بين سيد قطب في كتابه «معالم في الطريق» ومحمد اقبال في كتابه «تجديد التفكير الديني». اقرأ رأي ابن حزم في الموسيقى أو رأي الفيض الكاشاني في الغناء ورأي بعض المجتهدين في ذلك. الثقافة والبيئة لها مدخلية حتى في الفتوى.

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 1278 - الإثنين 06 مارس 2006م الموافق 05 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً