العدد 1281 - الخميس 09 مارس 2006م الموافق 08 صفر 1427هـ

الحوار بشأن الأحكام الأسرية بدل الاستقواء بالخارج

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

في فترة سابقة، دعا المجلس الأعلى للمرأة المجلس الإسلامي العلمائي إلى الجلوس على طاولة الحوار لحلحلة ملف قانون الأحوال الشخصية، أو ما أطلقت عليه الحملة الأولى للمجلس «الأحكام الأسرية»، فرحب الأخير بالدعوة، وانتظر طويلاً ترتيباتها. غير أن المفاجأة كانت عبارة عن امتلاء شوارع البحرين بالكثير من اللافتات التي قيل بأن موازنتها وصلت إلى رقم مليوني، التي دعت لاستصدار قانون للأحكام الأسرية، وكان شعار الحملة (أسرة آمنة = وطن آمن).

وأثناء الحملة أيضاً، وبعد أخذ ورد، كرر المجلس دعوته للحوار، ومرة أخرى رحب المجلس العلمائي بالدعوة، غير أنه وبعد طول سكوت، فوجئ الشارع بحملة أخرى من أجل تقنين الأحكام الأسرية من دون حصول حوار بين الطرفين.

أخطر ما في الحملة الجديدة هو الاستقواء بعلماء من خارج الحدود في شأن محلي بحت، وفتح هذا الباب مسألة في منتهى الخطورة، فهي تعطي الطرف الآخر الحق نفسه باستجلاب علماء من الخارج، بعد التوثق من موقفهم، وهذا يوحي بأننا جميعاً، قصار لم نبلغ سن الرشد، ولا ندري كيف ندير شئوننا بأنفسنا بعيداً عن الخارج.

إننا لا نعاني خلافاً بشأن قضية الأحكام الأسرية فقط، فالكثير من الملفات لاتزال عالقة، كالملف الدستوري وملف التجنيس السياسي وملف البطالة ومشكلة مصادرة السواحل... وغيرها من الملفات التي قد تجد لها تجارب مماثلة في الدول الأخرى، فهل يصح لكل طرف أن يقوم بالأمر نفسه في مختلف الملفات، وذلك بتنظيم حملة ضد الحكومة أو ضد طرف آخر مخالف له عن طريق إرسال دعوات لشخصيات من تلك الدول لدعم موقفه ومطالباته؟

ماذا سيكون موقف السلطة لو تم عقد مؤتمر يستحضر تجربة جنوب إفريقيا في المصالحة الوطنية بعد انقضاء عصر التمييز العنصري، وبشخصيات من جنوب إفريقيا، ثم يتم الطلب من المدعوين دعم مطالب المصالحة التي ترفعها المعارضة و«لجنة ضحايا التعذيب والشهداء»، التي تتمثل في رد الاعتبار لضحايا التعذيب والشهداء الذين سقطوا في حقبة «قانون أمن الدولة» بالطريقة نفسها التي حدثت في جنوب إفريقيا أو المغرب مثلاً؟

ومع أن مسألة الخلاف الدستوري تخضع لتنظيرات قانونية تتعلق بالفقه الدستوري، ووجود الخبراء من الخارج يرفد المعارضة في هذه القضية في بعدها الفكري، فهي ليست مجرد قضية داخلية بكل الأبعاد كقضية الأحوال الشخصية، إلا أن الحكومة، وفي العام الماضي منعت مشاركة الكثير من الشخصيات الخليجية والعربية في المؤتمر الدستوري الثاني الذي تنظمه بعض الجمعيات السياسية المعارضة، بحجة أن هذا شان داخلي.

من هذا المنطلق، وبعد المسيرة التي نظمها العلماء في العام الماضي التي عبرت بشكل واضح عن رأي قطاع عريض من الشعب، فإن فرض أمر خطير كقانون الأحكام الأسرية عن طريق تنظيم حملات إعلامية، سيطعن في صدقية الديمقراطية التوافقية التي مازالت تحبو، هذا إن لم يكن نموها توقف منذ أمد.

من جهة أخرى، فإن مطالب العلماء ليست تعجيزية، وهي لا تتعدى إضافة مادة جامدة في الدستور، حالها حال المواد الجامدة الأخرى التي يمنع تعديلها، هذه المادة تقرر أن قانون الأحوال الشخصية وفق الشريعة الإسلامية، وملحق به بند يتعلق بالمذهب الجعفري، يرجع أي تعديل مستقبلي في القانون لموافقة المرجعية الشيعية العليا في النجف، لا أكثر.

ولأن الدستور لا يمنع التقنين خلاف الشريعة الإسلامية في الكثير من المجالات، إذ إن الكثير من القوانين الموجودة في القانون المدني خلاف الشريعة الإسلامية، فإن إضافة مادة بهذا الخصوص ليس أمراً معقداً، فهناك - مثلاً - مادة دستورية تحمي أحكام التوارث من التغيير المستقبلي، إذ تجعله وفق الشريعة الإسلامية، وهو البند «د» من المادة «5»، ونصه: «الميراث حق مكفول تحكمه الشريعة الإسلامية»، والمطلوب مادة على هذه الشاكلة، فلماذا لا يدور الحوار في هذا الاتجاه الايجابي؟

لا يصح بعد مسيرة العام الماضي الكبرى التي شارك فيها ودعا إليها كل العلماء الكبار، التعامي عن مطالب هذا القطاع من الناس، وخصوصاً بعد التوافق المجمع عليه من قبل العلماء الشيعة بمن فيهم القضاة وعلى رأسهم الشيخ حميد المبارك، بشأن هذه المطالب، ولا يصح النظر لتلك المسيرة وفق الدوائر الانتخابية التي تجعل من الألف مواطن في مناطق تساوي 33 ألف أو أكثر في مناطق أخرى.

كاتب بحرين

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1281 - الخميس 09 مارس 2006م الموافق 08 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً