العدد 1313 - الإثنين 10 أبريل 2006م الموافق 11 ربيع الاول 1427هـ

سقط «اليسار»ههه عمداً

بين أدبيات موسكو «الرثة»... ويسار التحالفات الجديدة:

الوسط - محرر الملف السياسي 

10 أبريل 2006

فليكن العام 1991 سنة النحس على اليسار، إذ أصبح تفكك الاتحاد السوفياتي عام التشرذم، ومراجعة التاريخ، ومحاكمة ماركس، ومن هنا تحديداً تحولت الأحزاب اليسارية الشيوعية إلى ما يشبه سلسلة «الأمراض المعدية»، والتي لا تقبل عليها الفئات الشعبية فضلاً عن دعوات المكافحة من قبل القوى السياسية، خصوصاً الإسلامية منها، وهذا يقترن بارتباط وثيق في أن «الدين الإسلامي» يمر بأحسن احواله اجتماعياً!

كان المد الرأسمالي لا يميز ما تحته، جرف الجميع في البدء، إلا أن التيارات الإسلامية استطاعت الولوج إلى العملية الديمقراطية في العالم الجديد، واستطاعت الحصول على تموضع سياسي من نوع ما، وهذه «حركة حماس» وجماعات «الإخوان المسلمين» تتمثل كأدلة على قدرة الإسلاميين على البقاء داخل «لعبة السلطة»، وصنع القرار السياسي، فيما بقي اليسار، ولايزال خارج اللعبة أو يتلقط الأدوار عن خجل.

حديثاً، النموذج الأوروبي الحديث، ذلك المشروع «الاشتراكي» استطاع أن يصنع أنموذجاً بديلاً ولو بشكل نسبي لأمجاد موسكو الغابرة. لذلك، كانت ومازالت دراسة تجارب الحركات اليسارية في الغرب من أهم الموضوعات السياسية في اليسار السياسي الجديد المنطلق نحو مشاركة مفاهيمية واعدة وتقدمية بالمعنى الصحيح.

إلا انه لابد الا نقع في المحضور، فنعتقد أن «قوى الضغط السياسية» أو ما يسمى بالسلطة السادسة هي امتداد تطوري لليسار السياسي فقط، هي نظم سياسية أبعد من اليسار، وأكثر قدرة وتحكماً في الغرب الجديد أو المابعد صناعي. نمت مجموعات الضغط السياسية واستطاعت أخيراً المشاركة في تشكيل الحكومة الألمانية، إلا أنها بقيت في سياقها الاستراتيجي «مجموعات ضغط» لا مجموعات تنازع على السلطة كما هو الشكل التاريخي للنظم الحزبية في المفاهيم السياسية.

اليسار في البحرين

يقول عبدالرحمن النعيمي «كانت صلة اليسار البحريني (التقليدي والجديد) قوية بالحركة اليسارية العربية والاممية، وانعكس ضعف اليسار العربي على اليسار البحريني ضمن الاوضاع الصعبة التي كان يعيشها، ما اوجد حالاً من البلبلة في صفوفه، وبروز الكثير من الاجتهادات الفكرية أو مغادرة المواقع الايديولوجية القديمة إلى مواقع ديمقراطية أو ليبرالية...».

اليسار البحريني ترهقه الاختلافات والتشرذمات، نرى جمعية العمل الديمقراطي قد نشطت خلال السنوات الأربع الماضية ضمن التحالف الرباعي المقاطع للانتخابات، وكان للملف الدستوري الأولوية في أجندتها السياسية. أما جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي والتي انشقت في خضم التأسيس لجمعية سياسية تجمع قوى اليسار كافة فقد اتخذت خيار المشاركة في الانتخابات، يقول عبدالنبي العكري واصفاً مرحلة التأسيس لجمعية المنبر «لكن المفاجأة جاءت في خضم التحضير لإعلان الجمعية وذلك بقيام جبهة التحرير ومناصريها بعقد اجتماع تأسيسي (لجمعية المنبر التقدمي الديمقراطي)، وأضحى واضحاً افتراق الجبهتين مرة أخرى إذ استقرت الجبهة الشعبية وبعض المناصرين والبعثيين والمستقلين في (جمعية العمل) واستقرت جبهة التحرير في (المنبر التقدمي)».

ويضيف العكري «اتخذت جمعية المنبر التقدمي موقفا برغماتياً تجاه القضايا الخلافية، فعلى رغم تحفظاتها على دستور 2002 والقوانين المترتبة عليه فإنها أكدت أولوية العملية السياسية على الاعتبارات الحقوقية التي تتمسك بها الجمعيات الأربع ولذلك قررت مبكراً خوض الانتخابات البرلمانية».

استطاعت الكتلة البرلمانية من المنبر أن تحقق مكانة جيدة نسبياً، واتضح أنها اتخذت خيار المعارضة داخل البرلمان، وكانت تبرر فشل ممثليها داخل البرلمان بأن «التصويت» كان دائماً ما يقف عثرة أمامهم، في إشارة واضحة إلى أن خيار المقاطعة لباقي قوى المعارضة كان خياراً غير ذي جدوى.

أما الكوادر السياسية في جمعية العمل فقد كانت تعمل على «تصغير» دور جمعية المنبر وكادت بعض الحوادث أن تنتهي بصراعات مباشرة بين الغريمين. أما اليوم فإن الذي قد يكون عاملاً في انتهاء هذه العدائية المستترة أن أيا من الجمعيتين لن يستطيعا التحصل على أي مقعد داخل المجلس المنتخب في دورته القادمة أواخر هذا العام.

فعلى رغم التحالف الاستراتيجي بين جمعية العمل الديمقراطي وجمعية الوفاق الوطني الإسلامية، فإن الكثير من المراقبين لا يعتقدون أن الوفاق ستضحي بواحد من مقاعدها لصالح العمل. الحال اليوم، تقتضي أن يدعم اليسار على شتى تفرعاته مرشحي الوفاق داخل البرلمان المنتخب في قضايا الصراع مع السلطة التنفيذية فيما لا يتعارض مع الأجندة السياسية لأي من الجمعيتين، كما أنهما ستحاولان التركيز على تفعيل الملف الدستوري، والذي ستكون الوفاق مشغولة عنه بصراعات الكتل السياسية داخل المجلس. وسيكون الدور السياسي القادم لجمعية المنبر تحديداً محرجاً للغاية.

خيارات المرحلة

يتحدث المهتمون باليسار - على أن «اليسار» منطقة فضفاضة يعترف بها البعض ويقترب منها آخرون وينكرها البعض الآخر - عن أنه يحتاج إلى تحول/ تغيير/ تجديد/ تطوير/ تعديل داخلي حتى تستطيع هذه القوى الرجوع للساحة واستعادة أمجاد السبعينات الآفلة. ولابد له من الاعتماد على تصوير الديمقراطية كقيمة حقيقية لتطوير تجربة اليسار السياسية، هذا إذا ما أرادت ان تكون قوى اليسار في صورة أحزاب سياسية تشترك في صناعة الفعل السياسي بشكل مباشر، أو ببساطة فإن عليها الاكتفاء بأن تلبس أوشحة «قوى الضغط» في المفاهيم السياسية الحديثة.

يحتاج اليسار أن يعي أن «الديمقراطية» بأدواتها الحديثة قادرة على أن تمثل وتعكس المصالح الاقتصادية والسياسية لأوسع الشرائح الاجتماعية. وأن هذه القوى بحاجة لأشكال جديدة من التنظيم الحزبي الداخلي، وأن النظم الحزبية التقليدية والمسميات التاريخية المشتقة من ادبيات موسكو أصبحت تاريخاً رثاً لا يمكن البقاء عليه!

اليوم، التحالفات السياسية تبدو أكثر واقعية من تشكيل الأحزاب. وبشرط أن يبقي كل طرف من الاطراف على وجهه المستقل، واليسار عليه ان يستكمل تحالفاته السياسية مع باقي القوى التي تمتلك الجماهيرية التي يفتقدها هو، والتي يحتاجها في تمرير أحلامه، وأولولياته السياسية.

وإذا ما أردنا أن نعرف لما نحن أمام هذا الزخم من «النقد الذاتي» الذي يخرج من رموز اليسار نفسه، لابد أن نتنبه لهذه القطيعة بين المراكز اليسارية العالمية للفكر اليساري وبين النخب السياسية العربية والمحلية، والتي مازالت تتدارس نص بيان «الحزب الشيوعي»!

في هذه المراكز ثمة حراك معرفي وثقافي يتسم بالإنتاجية التي حققت نجاحات ملحوظة، وثمة حال من الانصهار مع المنتوج السياسي الكوني، بعيداً عن هوس الايديولوجيات المؤسسة، وفي الجهة الأخرى هنا فيما بيننا حال من السبات التي آن لها أن تنتهي.

اليسار هنا... يمين، أو هو أوراق مبعثرة، عصية على أن يلملمها أحد

العدد 1313 - الإثنين 10 أبريل 2006م الموافق 11 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً