في العام 1999 في تونس الخضراء، إذ كنت أمارس عملي الدبلوماسي، أقام الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب أحمد محمد السالم (وهو الآن وكيل وزارة الداخلية السعودية) عشاء لمحمود عباس (أبومازن) حضره سفراء مجلس التعاون، كان لقاء حميماً وصريحاً عن الشأن الفلسطيني، وأذكر ما قاله تماماً ان أجهزة الأمن الفلسطينية على رغم تعاونها التام مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، إذ تقوم بمنع الفلسطينيين من القيام بعمليات انتحارية ضد المدن الإسرائيلية، ونحن باعتبارنا فلسطينيين نتساءل: هل تريد «إسرائيل» حقاً السلام والتعايش مع الفلسطينيين وتحقيق تسوية معقولة ومقبولة وهي لاتزال بعيدة المنال؟
هذا اللقاء منذ 6 سنوات خلت تقريباً واليوم أتساءل: أين وصلت التسوية مع «إسرائيل» بعد انسحابها الأحادي من غزة في العام الماضي، وأبومازن الآن على رأس السلطة الفلسطينية بعد وفاة ياسر عرفات الغامضة وبعد أن حاصرته «إسرائيل» في مقره بعد تدميره في ديسمبر/ كانون الأول 2001؟
أبومازن يشكو مر الشكوى من جحود «إسرائيل» وتنكرها لكل عمل إيجابي من الجانب الفلسطيني وعدم مقابلته بالمثل وكأن بني إسرائيل حافظون للعهد والميثاق ولم ينكثوا به طوال عهودهم.
في اعتقادي أن أبومازن فلسطيني معتدل للغاية ويريد الوصول بالسفينة الفلسطينية وسط الأنواء والأمواج المتلاطمة والعاتية إلى بر الأمان والسلام المنشود الذي طال انتظاره. انه من «الحرس القديم» في منظمة التحرير الفلسطينية، ترى كيف سيتعامل مع «حماس» التي أفرزتها الانتخابات الفلسطينية وفوزها الكاسح في الانتخابات التشريعية؟ وحققت حماس ما تنادي به أميركا من الدول الغربية في دعوتها إلى سلوك الخيار الديمقراطي عبر صناديق الاقتراع، واليوم حماس تشكل الحكومة الفلسطينية وهي برغماتية وواقعية في توجهها وتعاملها مع جماهيرها الفلسطينية وبعيداً عن أجواء الحماسة والتصعيد، وعلى الدول العربية دعم حماس في الحكم بعد كل التنازلات الفلسطينية لـ «إسرائيل». وإن الجانب الفلسطيني الآن لا يملك أي أوراق للتفاوض أمام تعنت «إسرائيل» والمدعومة من أميركا والاتحاد الأوروبي. ولابد من التصدي للاملاءات الإسرائيلية المتواصلة. لاحظت تعمداً لتحجيم دور منظمة التحرير الفلسطينية من جانب فتح مع أنها تمثل كل شرائح الشعب الفلسطيني بما فيها حماس. ويتساءل المرء أين الصندوق القومي الفلسطيني. والسؤال هل سيكون أبومازن أوفر حظاً من الرئيس عرفات. وهذه أميركا تطبل وتنادي بالحرية والديمقراطية وقد لا تستقيم ومصالحها في المنطقة العربية والعالم الثالث. وأعتقد أن العرب يدركون الآن بعد صراع طويل مع «إسرائيل» امتد لستين عاماً أن «إسرائيل» وجدت لتبقى وأن أميركا تردد بصراحة ووضوح لا مواربة فيه أنها ستدافع عن حليفتها «إسرائيل» لو تعرض وجودها للخطر. وكل الحروب العربية مع «إسرائيل» وآخرها حرب أكتوبر 1973، تأكدت هذه الحقائق والقرائن. أميركا اليوم تهدد الحكومة الفلسطينية الجديدة بضرورة الاعتراف بـ «إسرائيل» والذي تم فعلياً بعد توقيع اتفاق أوسلو وسلوك مباحثات السلام الطويلة والمملة عبر خريطة الطريق التي ضاعت فعلاً في منتصف الطريق مع كل الاتفاقات الموقعة والمبادرات بما فيها مبادرة الملك فهد للسلام في قمة فاس العام 1981 ومبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأخيرة سنة 2000 في بيروت. لكن لنستعرض المشهد الفلسطيني بعناية واهتمام. ففي ديسمبر 1987 اندلعت الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 1988 يعلن المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر إقامة دولة فلسطينية ويعترف بقرار 242 والذي ينص على الاعتراف بـ «إسرائيل» واعتراف عرفات أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف في ديسمبر بحق «إسرائيل» في العيش بسلام وفي سبتمبر/ أيلول 1993 تم إبرام اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين و «إسرائيل» ويقضي بحكم ذاتي فلسطيني انتقالي مدته 5 أعوام وأعقبه في سبتمبر 1995 أن «إسرائيل» والفلسطينيين يوقعان اتفاقاً في واشنطن يقضي بتوسيع الحكم الذاتي في الضفة وانسحابات إسرائيلية منها. وفي يناير/ كانون الثاني 1997 وقع عرفات ونتنياهو اتفاقاً يقضي بانسحاب من 80 في المئة من مدينة الخليل بالضفة الغربية وفي العام 1998 تم توقيع اتفاق آخر بين الرجلين مكمل للأول وفي سبتمبر 1999 وقع عرفات وباراك اتفاقاً في شرم الشيخ وفي سبتمبر 2000 اندلعت الانتفاضة الثانية بعد زيارة شارون للمسجد الأقصى وفي يوليو/ تموز 2004 أكدت محكمة العدل الدولية أن السور الذي تبنيه «إسرائيل» غير شرعي ثم حدثت بعد ذلك قمة بين محمود عباس وشارون. وللدول العربية في موقف رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد تجاه إقامة «إسرائيل» وزرعها في الأراضي العربية عظة وعبرة وأسوة حسنة، وعلى رغم قرارات قمة الخرطوم رافق صدورها كسوف الشمس الكلي في الصحراء الليبية إلا أنني لاأزال متفائلاً بغد أجمل وأرحم من دنيا العرب الحافلة بالعجز والتراجع سياسياً واقتصادياً وحضارياً... وإن غداً لناظره قريب.
كاتب بحريني وسفير سابق
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1329 - الأربعاء 26 أبريل 2006م الموافق 27 ربيع الاول 1427هـ