العدد 3167 - الإثنين 09 مايو 2011م الموافق 06 جمادى الآخرة 1432هـ

«مذكرات توفيق صايغ بخط يده»

مذكرات الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل، توفيق صايغ (1923 - 1971) وهو يستعد لإصدار مجلة «حوار» (7 نيسان - 31 تموز 1962) يكشف عنها كتاب يضم 53 صفحة بخط أحمر وكلمات صغيرة جداً، منمنمات بخط بسيط شاعري بالكاد يقرأ من أرشيف الشاعر. تدور المذكرات في معظمها حول المجلة التي تبناها صايغ ورأس تحريرها وما دار بشأنها.

ارتأى محمود شريح نشر المذكرات المؤرخة في بيروت ولندن وباريس في جغرافيا أدبية واجتماعية وسياسية تقود الى استطرادات موحية عن تلك الفترة والعلاقات التي قامت بين الجسم الثقافي والصداقات والمواجهات والصراع بين التقليد والتجديد والحداثة.

هي أشبه باليوميات وأوراق مختلفة قبل أن ينتقل صايغ الى منزل أهله وفيما بعد منزل أخته ماري في عين المريسة.

يركز صايغ في مراسلاته على استقلالية مكتب بيروت ومشروع المجلة ويصر على تسميتها باسم مجلة «حوار» في حين كان جون هانط يفضل أن يكون عنوان المجلة «أضواء»، ويتناول أموراً من قبل إدارة المجلة وإطلاع الشاعر يوسف الخال على الجهود لإصدار حوار في حين كان الشاعر أدونيس متخفياً إثر محاولة القوميين الانقلاب على النظام وفيما كان الشاعر محمد الماغوط قد أوقف أيضاً.

أزمة «حوار» تتوالى فصولاً منذ سبتمبر/أيلول 1962 مع مهاجمة مجلة «الصياد» لها وفق مزاعم ارتباطها بالمنظمة العالمية لحرية الثقافة في باريس.

وتتكثف الحملات عليها لاحقاً من قبل «أخبار الأدب» مع رجاء النقاش ومن «النداء» و»الآداب» و»صوت العروبة» و»الأنوار» واشتدت الأزمة في العام 1965 بعد رفض يوسف الخال جائزة «حوار».

هذه التواريخ ارتبطت بمدلولات سياسية مع تسلم اليسار المصري مقاليد السلطة وازدياد معاداة الغرب في الستينيات ولاسيما حين انضمت «روز اليوسف» الى مطلقي الحملات على «حوار»؛ ما اضطر صايغ للدفاع عن نفسه، الى أن أصدر نائب رئيس الوزراء للثقافة والإرشاد القومي والسياحة في مصر، عبدالقادر حاتم قراراً بمنع «حوار» من دخول مصر، ودخلت القضية في الإطار السياسي أكثر بين فريق مع «حوار» وفريق آخر ضد «حوار» وفريق ثالث متحفظ مثل الشاعر عبدالمعطي حجازي.

ولكن أقوى الحملات هي التي سجلت في العام 1967 في «الحوادث» و»الآداب». وأمام هذه الحملات لم يجد توفيق صايغ بداً من إقفال المجلة.

في المذكرات توصيف حيّ ودقيق للجو الثقافي خلال ربيع وصيف 1962 في ما يشبه وثيقة عن مرحلة بكاملها تقدم نفسها بخط دقيق لا يحتاج الى تقديم أو شرح طويل، وبحبر أحمر وبجرأة ووضوح غير معهودين كثيراً في الأدب العربي الحديث ولدى اعلامه.

الإصدار عن «دار نلسن» للنشر وهو ليس التعاون الأول لمحمود شريح معها، وسبق وأصدر رسائل متبادلة بين صايغ والروائي السوداني الراحل، الطيب صالح (1929 - 2009)، وشريح مقيم على أرشيف الشاعر الفلسطيني ويقدم صورة كاملة في إصداره الجديد عن أزمة «حوار».

توفيق صايغ شاعرٌ طليعي ومجدد، وقد كان له أثر كبير في تطوّر الشعر العربي الحديث، وقد عمل أستاذاً محاضراً في النقد والشعر في جامعات بريطانيا وأميركا. وكان أصدر في بيروت مجلة «حوار» وترأس تحريرها. وقد تولت «شركة رياض الريس للكتب والنشر» اصدار جميع اعماله الادبية والشعرية في «المجموعة الكاملة».

هذه المذكرات تتعلق بجانب من فكر صايغ واتجاهاته الفكرية وذائقته الشعرية وأسلوبه المتميز وبأغراضه ولغته وأدواته؛ وصولاً الى نظامه الفكري ومرجعياته وموجهاته والأهم التجربة المدنية والعلاقات العامة وتأثيرها في الإيقاع الثقافي العام ولاسيما في بيروت مختبراً للثقافة والأفكار العربية.

في المذكرات جوانب لفترة خفية ونافذة عن ملاحظات نقدية جانبية مهمة لتجربة أسماء شعرية كبيرة ونظرات أهل البيت الشعري الماكرة الى بعضهم البعض. ولكن لا تقترب الى صيغة نهائية، مجرد ملاحظات عابثة في الإيقاع العام.

وفي المذكرات جانب فضولي سيعجب القارئ في إماطته الكثير من الأوهام عن الأوزان الثقافية وتحديداً الفرق الشعرية المكرسة من زاوية نقدية سيجد فيها الكثيرون معرفة وأشياء ما تطربهم وما قد يغني عن معرفة قائمة على تبجيل المكرس والثابت. المعروف أن مجايلي توفيق صايغ هم من كبار الشعراء، يوسف الخال وبدر شاكر السياب وأدونيس وأنسي الحاج وجبرا ابراهيم جبرا ومحمد الماغوط وشوقي أبي شقرا وفؤاد رفقة، ويبدو صايغ مختلفاً، صاحب لغة خاصة، وأعماله لها إيقاعها الخاص كما جنوحه الى إحداث فوضى تركيبة ما تحمل مذكراته بعضاً من دلالاتها.

مذكراته تتميز بالدقة الشديدة والاقتصاد، ولكنها تحمل غزارة وتنوعا وعمق المعنى والانضباط والبساطة المشوبة بالظرف.

مذكرات يقدم لها محمود شريح وتحتاج الى جهد في القراءة وصدر رحب في التعليق عليها، وهو جهد لا بد من مديح محمود شريح عليه، لأن الأمور يجب أن تعرض لهذا الاتجاه أو ذاك وبكثير من الجرأة والدقة والموضوعية وهي التي يقف القارئ عليها وترتبط بأشياء مجهولة ومختلفة. كما أنها محاولة جادة لإعادة توفيق صايغ لأخذ موقعه من المناخ الثقافي العام، في واجهة الأحداث التي مرت، كما في مواجهة حركة قصيدة النثر العربية، الى عمله الأكاديمي العام وأضواء جديدة على علاقاته وصداقاته وفي مقدمها صداقته مع رياض نجيب الريس والوجه الصحيح لكثير من العلاقات تقترب المذكرات منها وتفتح باباً لمقاربات أدبية مهمة

العدد 3167 - الإثنين 09 مايو 2011م الموافق 06 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً