العدد 3193 - السبت 04 يونيو 2011م الموافق 03 رجب 1432هـ

خطاب جديد لمرحلة جديدة

يوسف زين العابدين زينل comments [at] alwasatnews.com

-

منذ أن انزلق البلد نحو الهاوية والتصادم العنيف الذي نتجت عنه أحداث مفجعة ومؤسفة أثرت بشكل مباشر على واقع السلم الأهلي وعلى الأمن والاستقرار في المملكة وفي الجوار الإقليمي، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل تعدى ذلك إلى تمزيق النسيج الاجتماعي الوطني الذي أنتج وأبرز الوجه القبيح للطائفية بكل صورها وتجلياتها وأشكالها الفظة - العنيفة، معلنة بذلك انتكاسة شديدة للإنجازات الوطنية التي تحققت في السنوات العشر الأخيرة في ظل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك. وفي الوقت الذي احتضن المشروع الإصلاحي جملة من المشاريع السياسية - الوطنية التي كنا نعمل معاً على تعزيزها وتطويرها جاءت الأحداث الأخيرة وفي غمضة عين لتفرض عليها التراجع والتقهقر أمام دعوات الطأفنة والتشرذم وجر البلد إلى مواجهات طائفية بدلاً عن تقوية النسيج الوطني وتكاتف الجهود لبناء الوطن وتنمية اقتصاده ومعالجة المعوقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت تعترض سبيل التطور الديمقراطي للبلد.

وإذا كانت المعارضة السياسية برمتها قد ارتكبت أخطاء فادحة بسبب القراءات الملتبسة للوضع، فإنه لابد من الاعتراف بوجود تفاوت في مواقف تلك القوى تجاه الشعارات التي رفعت والممارسات التي سجلت على الأرض نحو التصعيد الممنهج لقوى التطرف، وعدم تمكن قوى الاعتدال من الوقوف في وجه التيار المتطرف الجارف الذي تمكن من جر الآخرين وجر البلد إلى حافة الهاوية.

والآن ومع انتهاء فترة حالة السلامة الوطنية وعودة الهدوء النسبي إلى البلد وعودة الاستقرار بعد استتباب الأمن فإننا جميعاً مطالبون ببذل كل جهد ممكن ومن كل الأطراف لمعالجة النتائج التي ترتبت على الأحداث، وإصلاح الأضرار التي لحقت بالبلاد والعباد بعد أن تأخذ العدالة مجراها ضمن الأطر القانونية السليمة، بعد توفير كل الضمانات الدستورية والقانونية لحق الدفاع عن كل متهم.

إن ما هو مطلوب وبإلحاح هو إعادة الثقة والاعتبار للمشروع الإصلاحي وتعزيزه بعد أن تعرض لهجمات الحاقدين ولمحاولات البعض لإفراغه من الداخل وإضعافه والنيل منه. إن ما حدث في مملكتنا الحبيبة لم يكن بالأمر الهين ولا يمكن تجاوز تبعاته ونتائجه البغيضة بالتمني، فما بنيناه في سنوات تم هدمه في غمضة جفن، فظهرت إرهاصات وبرزت تعقيدات طالت جميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حتى طالت كل زاوية وكل ركن في حياتنا اليومية، وبدا المشهد قاتماً وسوداوياً في كثير من جوانبه مما أدى إلى نكوص وإلى إحباط على مستوى الجمعيات السياسية وعلى المستوى الشخصي وصل إلى حد «الكفر» بالعمل السياسي والمشاركة السياسية وفقدان الأمل بوجود أفق للمساهمة والمشاركة في المشروع الإصلاحي والنهوض به ودفعه للأمام، في ظل منغصات عديدة وهجوم إعلامي شرس وضع الجميع في سلة واحدة وفي جانب واحد - جانب الأعداء بدلاً من تحييد الجزء الأكبر من هؤلاء.

إنه لا غنى لنا عن الإصلاح السياسي وحشد الجماهير للمشاركة الإيجابية لبناء الوطن، إلا أن المجتمع في ظل الوضع الحالي ممزق الأوصال، ولا يمكن الاكتفاء «بترقيع» النسيج الاجتماعي الممزق في ظل تواصل الحشد الطائفي على المستويات كافة ومن جميع الأطراف. إنها مسئوليتنا جميعاً العمل الجاد والدؤوب والحقيقي لإعادة اللحمة إلى وحدتنا الوطنية، فلا يكفي إطلاق الشعارات وتبني مسميات الوحدة الوطنية واللاطائفية وإطلاق الدعوات الفارغة من المضمون. إننا بدلاً عن ذلك بحاجة إلى برامج حقيقية على الأرض وإلى ترجمة الشعارات والدعوات إلى عمل خلاق يعيد اللحمة إلى نسيجنا الاجتماعي ويبني جسور الثقة بين الأطراف ويعيد إلى جماهيرنا الأمل بأن الأيام والتي لم نعشها بعد - آتية لا محال - من خلال المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، وبالمقابل يجب أن نضع حداً وإلى الأبد في التشكيك بنظامنا السياسي القائم - هذا النظام الذي ارتضته الجماهير في عام 1970 وصوت عليه بنعم من خلال الميثاق الوطني 98.4 في المئة من الشعب البحريني في عام 2001. لذلك فإن جل الشعب البحريني لا يريد سوى الإصلاح في ظل النظام السياسي القائم، و بمشاركة شعبية واسعة لا يمكن استقطابها إلا بإعادة الثقة إليها وبناء الجسور وخلق المناخات الإيجابية والتربة الصالحة للتوافق على الأولويات الوطنية وعلى رأسها لم الشمل تحت راية وطننا الخفاقة وبيرق شعبنا الأصيل.

إن العودة إلى الميثاق والتمسك بمبادئه السامية واحترام بنود الدستور وتنفيذ القوانين وتطبيقها على الجميع دون استثناء وتأكيد دور القضاء النزيه المستقل كلها محاور أساسية لتعزيز دور دولة القانون والمؤسسات المبنية على أسس الحكم الرشيد الديمقراطي.

وفي الوقت الذي نؤكد فيه على أهمية صون الأمن والاستقرار لوطننا ولشعبنا وإعادة الهيبة إلى أجهزة الدولة الأمنية ومؤسساتها، فإن الأمر لن يستقيم إلا بعد فتح نافذة لطرح حلول سياسية لبعض الملفات السياسية - الأمنية والقتصادية - الاجتماعية. وهذا لن يتأتى إلى من خلال الحوار الجاد والبناء بمبادلات جريئة تعيد للمشروع الإصلاحي بهاءه. كذلك فإن العمل على إعادة التوازن إلى السلم الأهلي المختل والمتصدع بسبب الأحداث الأخيرة وذلك من خلال تخفيف الاحتقان الطائفي وإعادة النظر في بعض الإجراءات الأمنية أو تقليصها حسب المستلزمات الميدانية الملحة.

إن المرحلة القادمة بحاجة إلى خطاب جديد، خطاب هادئ يهدف إلى تعزيز الثوابت الوطنية وتأكيد حقوق المواطنة واحترام حقوق الإنسان. وهنا يأتي دور الإعلام الداخلي والخارجي الذي عليه أن يعيد النظر في استراتيجيته وخططه وبرامجه وتبنيه منهجاً جديداً يبتعد به عن الشحن الطائفي إلى فضاءات وآفاق وطنية أرحب وأوسع

إقرأ أيضا لـ "يوسف زين العابدين زينل"

العدد 3193 - السبت 04 يونيو 2011م الموافق 03 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً