العدد 3193 - السبت 04 يونيو 2011م الموافق 03 رجب 1432هـ

سورية واليمن... إلى أين؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سيطر الخبر السوري على الفضائيات صباح الجمعة حتى العصر، وسيطر الخبر اليمني على النشرات بعد المساء.

في البلدين (الجمهوريتين) هناك حركة احتجاج شعبية واسعة، ورغبةٌ واضحةٌ في التغيير السياسي، تصطدم بنظام قديم، يحاول المماطلة ومقاومة التغيير. وفي الحالتين يسقط الضحايا، وتسيل الدماء. وفي البلدين هناك حاجةٌ ماسّةٌ للتغيير لا يمكن تأجيلها أو دفعها بالمناورات أو المبادرات المبتورة والمتأخرة دائماً.

ظهر الجمعة، وبينما كان اليمنيون يشيّعون جنائز أكثر من خمسين قتيلاً من أبناء الشعب، سقط مثل ذلك العدد في إحدى المدن السورية، ليتم تشييعهم في وقت لاحق، وتتسع دائرة الأحزان والأحقاد. فكل قتيل يسقط في أي مدينة أو قرية عربية، في هذا الربيع العربي الدامي، له أقارب وأصدقاء وجيران، وأهل محلة وبلد، وله حرمة دم.

لم تكن هذه الاحتجاجات موضةً أو رغبةً في التقليد، وإنّما هي نتاج تاريخ طويل من القمع ومصادرة الحريات. كما تنبع مما وصله النظام العربي القديم من حالة تهتك وإفلاس، تجلّى في أبشع صوره في حرب غزة. كانت هذه الحرب إعلان موت سريري لهذا النظام الذي وقف يتفرّج على ذبح مليون ونصف مليون فلسطيني، انهمر عليهم الفوسفور الأبيض في عملية الرصاص المصهور.

هذا هو السرّ الدفين لكل هذا الغضب العربي العارم، وهذا هو سر الحركات الاحتجاجية الواسعة المطالبة بالتغيير. وعندما تنفجر حركات الاحتجاج في أكثر من نصف الدول العربية، وتصبح أكثر من خمس دول على صفيح ساخن، فلا يمكن اتهام هذه الملايين بالتبعية أو العمالة أو الرجعية أو التخريب، فالشعوب لا تخرّب بلدانها، والجماهير لا تفرّط بالأوطان.

إنها مرحلةٌ جديدةٌ من تاريخ المنطقة، بعد عودة الشعوب لتقول كلمتها فيما يجري لها وعليها. والأشواق العربية اليوم تحلّق حول قيم العدالة والكرامة ولم تعد مقتصرة على توفير الرغيف، حتى في تلك الجمهوريات.

دمشق شهدت أكبر المظاهرات في «جمعة الأطفال»، تكريماً للأطفال الذين قضوا في الأحداث، وتوالت أخبار القتل تباعاً. هناك فضائياتٌ شامتةٌ ولا ريب، وهناك عواصم غربية تريد تصفية الحسابات مع دمشق بسبب مواقفها السياسية في العقود الأخيرة بلاشك، لكن هذا لا يبرّر كل هذا القتل. فالدم واحدٌ في حرمته، وحقوق الإنسان لا تتجزأ. وحرية التعبير مطلبٌ لكل الشعوب، ولا يمكن لشعب في زمن الفيسبوك وثورة الاتصالات، أن يقبل بصحف مغلقة، تُدار كالنشرات الحزبية في الستينيات. ولن يفلح منع المراسلين الأجانب وقطع خدمات الإنترنت، مادامت التكنولوجيا سهّلت لكل مواطن أن يتحوّل إلى مراسل صحافي.

في اليمن، بدأت الأخبار الساخنة تتوارد بعد الظهر، مع تعرض القصر الرئاسي لهجوم غامض. كان الرئيس قد هدّد بتفجير حرب أهلية الأسبوع الماضي، وبدأ في منتصفه التحرّش برؤوس أكبر القبائل، ونسي أن نظامه قائمٌ على تحالفات قبلية، وليس على ديمقراطية أو شرعية دستورية كما كان يكرّر ليل نهار. لقد أخطأ كثيراً في حساباته، حين بدأ برشق غيره بالحجارة بينما كان قصره كله من زجاج!

الأخبار تكشفت السبت عن مقتل 11 شخصاً، و124 جريحاً في الهجوم على مسجد الرئيس علي صالح، ونقل خمسة من كبار المسئولين للعلاج خارج اليمن، في مقابل 18 قتيلاً و35 جريحاً في تدمير منزل غريمه حميد الأحمر.

إنها صفحاتٌ جديدةٌ من تاريخٍ دامٍ طويل. قديماً، حين جيء بأبي مسلم الخراساني مكبلاً، إلى الخليفة المنصور، أخذ يسترحمه طلباً للنجاة، فصاح به غاضباً: «لا أبقاني الله إن أبقيت عليك». وأمر بالنطع، وهو يزمجر ببيت الشعر المشهور:

سُقيت كأساً كنتَ تسقي بها... أمرّ في الحلقِ من العلقمِ

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3193 - السبت 04 يونيو 2011م الموافق 03 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً