العدد 1157 - السبت 05 نوفمبر 2005م الموافق 03 شوال 1426هـ

العاملون في العيد... جنود مجهولون يستحقون التقدير

قضوا أيام العيد بعيدا عن الأهل لتأدية الواجب

شعرت الممرضة الشابة بسعادة بالغة حينما وجهت المرأة الطاعنة في السن، التي تجلس على كرسي متحرك تدفعه الممرضة، الكلام لها قائلة: "عيدك مبارك يا بنتي. .. والله ما قصرتي رحم الله والديك.. الله يحفظك لشبابك ويجعلك من العايدين والسعيدين"، فهذه الكلمات، كما تقول الممرضة "أسماء" هي بركة العيد وتهنئة العيد وفرحة العيد حين تنطلق من قلب إنسان مريض يحتاج الى المساعدة... فهي وإن لم تجلس مع الزوج والأطفال والأهل في إجازة العيد، وجدت تلك المشاعر الجميلة تعبر عن صدق العاطفة ودعاء مخلص لله سبحانه وتعالى لأن يكتب لها الخير. كذلك جاسم، الذي فضل أن نسميه بـ "بويوسف"، فهو رجل أمن يعمل لدى وزارة شئون البلديات والزراعة في أحد المجمعات، فضل أن يقضي العيد وليالي العيد وفرحة العيد في عمله يساعد الناس والأطفال وكل زائر يدخل المجمع... "هنا العيد بالنسبة إلي... أليس العيد هو فرحة تنتشر بين الناس... لك أن تعيش الفرحة مع هؤلاء الناس الذين جاءوا قبل وبعد العيد لشراء ما يحتاجون اليه... المهم أن تشعر بالناس من حولك وتسمع كلماتهم الطيبة وتهانيهم وهذا كله خير وفضل من الله جل وعلا"... بهذه العبارة، أرادت هذه الفئة من العاملين في إجازة العيد. هم جنود مجهولون يرسمون البسمة على وجوه الناس... وفي هذا الاستطلاع، سنتجول بين العاملين في إجازة العيد للاستماع الى آرائهم.

ذكريات العيد ... لاتزال في الذاكرة!

يتلقى التهنئة منا في هذه الجولة اثنان من موظفي قوة دفاع البحرين فضلا عدم ذكر اسميهما والمسمى الوظيفي لهما أولهما "ح.ج" الذي مازال يتذكر كيف قضى العيد في عمله خلال السنوات الأربع الماضية واصفا ذلك بالخدمة الوطنية من جهة، وسعي وراء لقمة العيش من جهة أخرى، إذ قال: "لن أنكر أن العيد احتفالية، الكل يطمح إلى قضائها مع الأهل والأصدقاء إلا أني أرى التزامي بعملي وإحساسي بالمسئولية واجب تحتمه علي طبيعة عملي وموقف أؤكد به مدى حرصي كل الحرص على العطاء في عملي مهما كانت الظروف". وعبر عن وجهة نظره مبتسما "على أن العيد ليس يوما نلبس فيه الجديد صباحا ونلهو في المجمعات والملاهي ليلا، هو عبادة وصلة رحم يمكننا إحياؤها في أي وقت".

أجواء العمل في العيد عادية!

ولايزال شريط الذكريات يدور في ذهنه ليستحضر أجواء العيد في ثلاثة أيام العيد الأولى واصفا إياها بالعادية جدا على غرار مثيلاتها من أيام الدوام العادية ليؤكد بذلك على أن العمل والحياة الاجتماعية شيئان منفصلان لا يمكن الخلط بينهما، وتقدير وتفهم الأسرة والأهل لهذا المبدأ هو أول عتبة في تحفيز المواطن على العطاء في جميع الأوقات. وفي سياق الحديث عن الدوافع وراء عمل العاملين في العيد، يضيف "لا أساوم على عملي ولا أتذمر، وظروف الحياة وصعوبتها من أهم العوامل التي تدفع بالمواطن إلى العمل في أي مجال، فما بالك بالوقت فهو آخر شيء قد يفكر فيه المواطن في ظل الحاجة إلى زيادة الدخل الشهري، الأمر الذي يمنعني من أخذ إجازة في أيام العيد فهو مصدر رزق فتحه الله لي ومن الخطأ أن أقفله، أما فيما يخص إحيائي للعيد فغالبا ما أتصل بأهلي صباحا وأزورهم ليلا بعد انتهاء دوامي وأخرج مع أسرتي للاحتفال بالعيد". ومازال الحديث له، فيقول: "إن هناك فئة من العاملين في العيد تتذمر على رغم أن الغالبية منهم تقضي نهار العيد في النوم بعد أن سهرت طوال العيد فهو بذلك لم يحي العيد ولم يعمل أيضا". وأجاب حينما سألناه عن طبيعة العمل في العيد موضحا أن العمل يختلف من مؤسسة إلى أخرى، فبعض المؤسسات يتزايد نشاطها والعكس وارد في مؤسسات أخرى. ومن جانبه عبر زميله "غ. ح" وبكل صراحة، عن سعيه في كل سنة إلى العمل في أيام العيد والعطل الرسمية، إذ رآها فرصة مادية مجزية من شأنها أن تساعده في تحسين الموازنة ولاسيما في فترة شهر رمضان وما يليها من مناسبات كالعيد. واستحضر أيام العيد في ذهنه وسكت برهة ليواصل حديثه فيقول: "لو خيرت في قضاء أيام العيد في العمل في السنة المقبلة سأعمل، لا تطلعا إلى المردود المادي فحسب، وإنما حب لعملي من جهة، ورسالة ضمنية أبعثها لمسئولي أؤكد من خلالها حبي لعملي وشعوري بالتزامي تجاهه، بالإضافة إلى التعود على الوضع الذي دام أربع سنوات وأكثر من جهة أخرى".

الدافع... خطة العمل

بتوزيع الحلويات و العيدية السنوية يقضي مراقب الصيانة الميكانيكية بشركة "ألبا" سيدعباس العلوي أيامه في العمل مشيرا إلى سياسة الشركة التي تقتضي إحياء العيد في أجواء العمل من خلال توزيع بطاقات تهنئة ووجبات غداء وعشاء للموظفين العاملين في العيد لمدة 3 أيام متواصلة. وعلى غرار كل عام يحرص العلوي على التواجد في ميدان العمل مرجعا السبب في ذلك إلى أن التغيب في العيد يعرقل سير العمل ويكدس المهمات لما بعد إجازة العيد، الأمر الذي حري به تقسيم العمل في فترة العيد بين طاقم العمل والتنسيق في ما بينهم لتحديد يوم إجازة واحد لكل موظف. ومازالت جولتنا متواصلة في الشركة نفسها لنلتقي بالموظف "سيدحسين شرخات" الذي لا يرى ضررا من العمل أيام العيد إذا تطلبت الحاجة، فطبيعة العمل تختلف من قسم لآخر، الأمر الذي يحتم على البعض من الموظفين أن يعمل ساعات إضافية أيام العيد. وحين سألناه عن رد فعل أهله حيال انشغاله بالعمل أثناء أيام العيد أجاب: "على الأهل تقبل الفكرة مهما كانت، لسبب بسيط هو "لقمة العيش".

تضحية كبيرة

ظروف الحياة ترمي بثقلها على أسلوب حياة الإنسان فتضحيته بمناسبات مهمة كالعيد ما هو إلا وسيلة لبلوغ الحاجة وهي تحسين "المستوى المعيشي"، كان ذلك رأي الموظف بشركة "بابكو" سامي رشدان الذي رأى أنه يجب أن تكون العلاقة بين الموظف والمؤسسة علاقة ليست أحادية الاتجاه إنما تقوم على مبدأ الأخذ والعطاء فنظرة العامل إلى المردود المادي في هذه الأيام لا تعني استنقاصا من قدرها وعظمتها، كما أنها لا تعني حبا للعمل فقط، وإنما شر لابد منه إن جاز التعبير في ظل ظروف المعيشة القاسية. وفيما يخص أجواء العيد يعبر رشدان عن إحساسه بجو العيد في عمله بين زملائه واحتفالهم به بطريقتهم الخاصة بجلب الحلويات والمعايدة على بعضهم، فضلا عن بطاقات المعايدة التي يبعثها المديرون للعاملين في الشركة. في حين اقترح زميله محمد الحلاق زيادة مدة الإجازة في العيد ليتسنى للعاملين المعايدة مع أهلهم بعد أيام عمل شاقة، بالإضافة إلى زيادة المردود المادي في محاولة تعويضهم عن غيابهم عن أهلهم.

رد فعل الأهل هو المشكلة

بتوصية من أحد المديرين بشركة الاتصالات ""إم تي سي" كان حوارنا التالي مع من وصفه بمثال الموظف المحب لعمله في أي وقت ياسر علي الذي لا يرى أية مشكلة في تغير دوامه سواء في العيد أم في الأيام العادية، فيقول: "في السنة الماضية عملت يوم العيد صباحا وثاني وثالث العيد بعد الظهر، وسأعمل هذه السنة أيضا في العيد صباحا ولا أرى مشكلة في ذلك". إلا انه رأى المشكلة في رد فعل الأهل لاحقا بعد أن يتزوج، إذ سيكون مضطرا إلى تنسيق دوامه أيام المناسبات المهمة. هذا، ويعيش ياسر علي أجواء العيد في عمله مع زملائه فيحضرون غداء العيد ويرسلون بطاقات التهنئة إلى بعضهم بعضا برسائل الجوال. في هذه المساحة نتحدث إلى الممرضة بمجمع السلمانية الطبي إيمان عزيز الهاشمي، التي تثير بعدا آخر في هذا الاستطلاع ألا وهو العمل بدافع إنساني، فتشير إلى ضرورة وجودها أحيانا في العمل أيام العيد نتيجة ارتباطها بعلاج حالة من الحالات الطبية من جهة، ولنقص الطاقم الطبي من جهة أخرى في هذه الفترة. الطاقم الطبي هو الآخر يحيا أجواء العيد في غمرة العمل إلا أن إحساسه بالعيد يظل حبيس نفسيته وقلبه لتصطبغ تلك الأيام بجو عمل 100 في المئة بين أروقة المستشفى، هذا ما أنهت به الهاشمي حديثها.

ضفتا نهر

لكل موضوع رأي ورأي آخر، وموضوعنا أشبه بضفتي نهر، الموظف بالقطاع الخاص خليل المطوع يرى أن إحياء فعالية كالعيد لا تضع في كفة مقابل كفة أخرى، فديننا الحنيف، العادات والتقاليد، بالإضافة إلى فرحة الأهل، كلها أمور تكون نصب عينيه قبل أي دافع.

بقعة ضوء

في غمرة صعوبة الحياة ومتطلباتها والسعي إلى بناء مستقبل أفضل، فضلا عن الحوادث الراهنة، قد تغيب أو تختفي إن جاز التعبير بعض العادات والكثير من الطقوس فيكون السعي وراء لقمة العيش لدى البعض وسيلة لبلوغ غاية، والمؤكد أنها لدى الأكثرية "هاجس" يلهث وراءه كل من يعيش في مجتمع قاس.

العدد 1157 - السبت 05 نوفمبر 2005م الموافق 03 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً