العدد 938 - الخميس 31 مارس 2005م الموافق 20 صفر 1426هـ

ألسنا عبادا أمثالكم؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تختلط عليك المشاعر وأنت تحضر جلسة رسمية للجنة من المتطوعين في أحد المجالات التي لم تكن تخطر لك على بال. مجموعة من الأفراد الناشطين العاملين في الحقل الاجتماعي، من أعمار ومستويات علمية مختلفة. إداريون، طبيبة متخصصة، مترجم شاب ومترجمة شابة من طالبات الجامعة، يشكلون جمعية لرعاية الصم والبكم. تستمع إلى نقاشاتهم، لغة هادئة تدور حول محور واحد: خدمة فئة محرومة من نعمة النطق والسمع، تعيش على الهامش، ويتورط المجتمع بممارسة أشكال من الظلم والتعسف والإهمال بسبب نقص الوعي والإحساس الإنساني. الأم نفسها تصبح متهمة في نظر الكثيرات، فقط لأنها أنجبت طفلا لا يسمع وبالتالي سيكبر وهو لم يتعلم النطق كالآخرين. ولأن الجهل في الفكر يجر إلى الجهل في الممارسة والسلوك، نرى بعض النساء يذهبن إلى تفكير عجيب غريب، بتردادهن آية قرآنية والاستشهاد بها في غير موقعها: "ولو كان فيهم خيرا لأسمعهم..."، فهذه الفئة التي ولدت بعاهة أو عجز تسبب في عطل حاسة من الحواس، فئة "لا خير فيها" في تصور أولئك الساذجات! فهل تتوقعون أن يلقى هؤلاء معاملة إنسانية ماداموا "لاخير فيهم على الإطلاق"؟ وللمرء أن يتخيل كم من المرارات والمعاناة تعصر قلوب الأمهات، وهن يرين أطفالهن عاجزين من جهة، ومن جهة أخرى يتلقين نظرات من بعض الأعين المنحرفة تحمل عبارت الاتهام بذنب لم يرتكبنه، وأمر لا يد لهن فيه. إذا جلست مع أعضاء اللجنة، ستسمع من كل منهم قصة مختلفة، كيف بدأ اهتمامه بهذه الفئة المنسية، وكيف اكتشف عالما جديدا يختلف في بعض ملامحه عن عالمنا نحن المتمتعين بالألسنة والآذان. وكلما اصغيت سمعت المزيد عن هذه العوالم المغلقة، فتتعرف على جوانب مضيئة نفتقدها في حياتنا نحن الأصحاء. مجتمع الصم والبكم مجتمع منضبط في التوقيت، يأتون إلى المحاضرة أو الفعالية الاجتماعية حسب الموعد المضروب، ليأخذوا مكانهم بين زملائهم. إذا أعطيت لهم أعمال حرصوا على إنجازها، دائبين على العمل كالنحل النشيط. والصم يعشقون التفاصيل، ربما لأنهم يفتقرون إلى الذاكرة التي تتكون لدى كل منا بالتدريج، والتي يعود كثير منها إلى ما سمعناه بآذاننا من معلومات وقصص وحكايات وأمثال وكلمات. فإذا بدأت لهم بسرد قصة فاحرص على أن تزودهم بالتفاصيل. هذه الفئة، تتميز بالمحافظة على النظام والالتزام بالنظافة، ويبادر أفرادها إلى التعاون فيما بينهم، وربما معنا أيضا لو فتحنا لهم صدورنا ليندمجوا في حياتنا كأفراد طبيعيين مثلنا، ما عدا عجزهم عن السمع والنطق. في رسالة معبرة كتبت بلسانهم، خاطبونا نحن الناطقين السامعين: "نحن من لا يتقبلهم الناس الأصحاء عموما... في حياتنا نعاني من مشكلات وردود فعل وتفرقة بيننا وبين زملائنا في العمل. أحدنا تقدم لخطبة فتاة أراد أن يرتبط بها ويتزوجها على سنة الله ورسوله، فأهانته عائلتها وطردته، ونحن نسأل: لماذا هذه التفرقة؟ ألسنا عباد الله أمثالكم"؟ انتهت الرسالة... فهل يسمع أصحاب الألسنة والعقول والآذان؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 938 - الخميس 31 مارس 2005م الموافق 20 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً