العدد 938 - الخميس 31 مارس 2005م الموافق 20 صفر 1426هـ

لبنان... من التقرير إلى التحقيق إلى فخ التدويل

فكتور شلهوب comments [at] alwasatnews.com

دخلت الأزمة اللبنانية في منعطف خطير، مرشح لنقل البلد ومعه سورية إلى حال من المواجهة مع الأمم المتحدة. والأخطر أن إدارة الرئيس بوش تدفع الأمور بهذا الاتجاه، بغية ركوب قاطرة التدويل واستخدامها مطية لترجمة أجندتها وتصفية حساباتها المعروفة. الأنكى، ان المستهدفين بهذه الأجندة، على رغم معرفتها بها، عملوا كل ما بوسعهم لتسهيل الأمر على واشنطن؛ وذلك من خلال الإصرار على تكرار الخطأ بل الخطايا؛ وعلى التشبث بالمكابرة والمراوغة وركوب الرأس، وكأنهم جاءوا بالدب إلى الكرم، أو فتحوا له البوابة وهو المتربص والمرابط عندها منذ فترة. وها هو سترفيلد يشرف الآن ميدانيا، من بيروت، على مقدمات هذا المجيء الموعود إلى الكرم الذي تتطلع إليه إدارة بوش وتحرضها "إسرائيل" عليه بكل قوة. إن تقرير تقصي الحقائق في جريمة اغتيال رفيق الحرير، الذي تسلمه كوفي عنان، فتح الباب واسعا أمام وضع هذا الملف بيد لجنة تحقيق دولية. مجلس الأمن، من المقرر أن يجتمع بعد أيام قليلة، للنظر في التقرير. المرجح، إن لم يكن المؤكد، أن يقرر تكليف لجنة للقيام بالمهمة. الأمين العام عنان أبدى، في مطالعته إلى المجلس، تأييده لهذه الخطوة. وهناك مطالبات لبنانية وعربية - ولو مداورة - ناهيك بالضغوط الأميركية والدولية، تدفع في هذا الاتجاه. وحتى لبنان الرسمي أعلن الخميس الماضي، بلسان الرئيس لحود، عدم اعتراضه على تكليف لجنة دولية؛ بعد أن كان قد رفض في البداية هذه الفكرة، من باب أنها تشكل مسا بالسيادة اللبنانية. وفي هذا التراجع دليل آخر على أن تدويل التحقيق صار مسألة تحصيل حاصل. هنا تبرز أسئلة كثيرة: هل تحصل إشكالات بشأن مدى التعاون؟ هل يتواصل التصعيد الأمني بحيث تتعرقل مهمة اللجنة؟ هل تمتد صلاحيات التحقيق إلى دمشق على أساس أن تقرير تقصي الحقائق أشار إلى مسئولية سورية في تأزيم وشحن الجو السياسي في لبنان؟ الردود السورية الأولى أوضحت أن التعاون وارد ولكن بحدود ما يتعلق بسورية. لكن كيفما كانت الحال في هذا الخصوص فإنه ليس من المتوقع أن تخلص إلى أقل مما جاء في تقرير التقصي، وخصوصا إذا تم تعيين فيتزجيرالد نفسه رئيسا لهذه اللجنة، وحتى من دونه، فهذا التحقيق هو بالنهاية سياسي، على الأقل محكوم بخلفية سياسية، لا يقوى على الإفلات منها. وبصرف النظر عن جوانبه الجرمية القانونية، الهادفة إلى كشف الجهة المسئولة عن الجريمة - ومطلوب كشفها بأية وسيلة - فإن ما سينتهي إليه لابد، بسبب هذه الخلفية، وأن يجري توظيفه من أجل توليف المدخل للتدويل. واستطرادا لاستخدام هذا الأخير كذريعة للتدخل الأميركي على الأقل هو كذلك، بقدر ما يتعلق الأمر بإدارة بوش، وربما بفرنسا، إذا اقتضى الأمر. تماما كما جرى إخراج السيناريو العراقي: لجنة تحقيق - هناك كانت لجنة تفتيش عن الأسلحة - تتلوها تعقيدات وتعجيزات، تمهد لاستصدار قرار ملزم، بموجب البند الرابع من ميثاق الأمم المتحدة، ضد المستهدف. أو كما جرى في الحال العراقية، استصدار قرار ملتبس يحتمل أكثر من تفسير وتأويل - مثل القرار 1441 - يعقبه تصعيد وخلق أجواء استفزازية هدفها استدراج الآخر - سورية والسلطة اللبنانية - إلى اتخاذ خطوات وردود يعتقدها دفاعية؛ يجري توظيفها ضده بزعم أنها تشكل تمردا على الإرادة الدولية، وبالارتكاز عليها يجري التبرير لاستحضار قوات دولية، بحجة توفير الحماية للطرف المهدد - وهو في هذه الحال الطرف اللبناني المناوئ للحكم ومن وراءه - ومثل هذا السيناريو متداول الآن في بيروت وغيرها. وهو ينطلق من الاعتقاد بأن الخيار الأمني بات سيد الساحة في لبنان وحتى إشعار آخر. يعني ذلك أن البلد سائر باتجاه المزيد من التفجير؛ وذلك من باب المراهنة على توسيع دائرة العنف، بحيث تختلط الأوراق والأولويات ويصار إلى إعادة النظر في عملية الاصطفاف والتحالفات. عندئذ، بحسب هذه الحسابات، يختلط الطائفي بالسياسي ويطرح مصير البلد على بساط البحث. ولا يتردد البعض في استحضار خيار "التقسيم" على أساس "فيدرالي" أو "كونفيدرالي" ويذهب الحديث إلى هذا الحد المخيف، الذي اعتقد اللبنانيون أنه راح وانقضى إلى غير رجعة مع نهاية الحرب الأهلية، بموازاة التحذيرات المكررة من احتمال حصول فراغ دستوري؛ يضع البلاد في مهب الريح. وما يجعل من هذه الاحتمالات والكوابيس بضاعة رائجة، هو الشعور بأن الوضع بات فريسة للمجهول. فليس في الساحة من يعرف ما يحمله نهار غد. الكل ضحية القلق والخوف. الخيط لم يعد بيد اللبنانيين، ولا حتى قسم منه، اللعبة طلعت إلى خارج الحدود، الداخل صار متلق فقط؛ لا يملك المبادرة، وكل الأطراف سواسية بذلك. جميعهم وقع في المطب، باتوا أسرى ما يتقرر عنهم؛ أو باسمهم، أو ما يفرض عليهم، الاستقواء بالآخر، جعل مصير الطرفين مرهونا بالقوي البراني، وفي ذلك وصفة شبه انتحارية، إذا لم تحصل صحوة استداركية، غير اعتيادية، وخصوصا إذا ما كانت هذه القوى البرانية، المتصارعة على لبنان وفوق أرضه، قد نسفت الجسور وراءها وقطعت طريق العودة. عندئذ يتحول البلد إلى رهينة عرضة للتمزق، أو في أحسن الأحوال للدخول في غرفة العناية الفائقة؛ إلى حين. مصلحته لن يكون لها مكان في حسابات المتصارعين، والخشية أن مثل هذه الصحوة باتت مستبعدة أكثر وأكثر - على فرض أن احتمالاتها كانت قائمة - بعد تقرير التقصي وما حمله. وقد تتلاشى بعدما تصبح القضية بيد لجنة تحقيق دولية وما قد يطلع به تقريرها من قنابل مدمرة، وخصوصا أن الهجمة الأميركية تبدو مندفعة بكل زخمها لاستكمال نصب فخ التدويل؛ وأن الطرف المقابل مندفع هو الآخر، بكل عناد؛ للوقوع فيه. * كاتب لبناني

العدد 938 - الخميس 31 مارس 2005م الموافق 20 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً