العدد 3211 - الأربعاء 22 يونيو 2011م الموافق 20 رجب 1432هـ

ماذا لو كنتَ مريضاً بالفشل الكلوي؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أكثر من 151 عاماً قال الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور بأن «الطبيب يُشاهد كلّ الضعف البشري، والمحامي يُشاهد كلّ الشر البشري، ورجل الدين يرى كلّ الغباء البشري». وبين هذا الثالوث يبقى الضعف البشري أحد أهم سمات البشر التي يختلط فيها عدد غير قليل من التصرفات والسّلوك الفطري الذي يُعيد إلى الإنسان مصداق لفظة اسمه وأصل تكوينه في التراحم والتوادّ والمداراة ولِيْن الجانب وبقية النعوت الخيِّرة التي جُبِلَ عليها البشر.

ولأن هذا الفيلسوف الألماني قد عُرِفَ برؤيته التشاؤميّة؛ فربما لو عاد إلى حاضرنا اليوم وشاهَدَ رجلاً أجنبياً يتبرَّع بكليته لفتاة بحرينية وهو لا يعرفها، أو تبرّع عبدالله لزوجته مليحة لوَقفَ على كلّ الرحمة البشرية. ولو عاد أيضاً وشاهد عائلة المرحوم يوسف خليل المؤيد وقد تبرّعت بمبلغ مليون و800 ألف دينار لبناء وتوفير أجهزة مرضى الكلى بمستشفى السلمانية، أو عائلة المرحوم يوسف بن أحمد كانو وقد تبرّعت لإنشاء مركز أمراض وغسيل الكلى بالبسيتين والذي تبلَّغت كلفته الإجمالية ثلاثة ملايين دينار لشاهَد كلّ الإحسان البشري.

لكنه أيضاً لو عاد مرة أخرى سيَرَى أن وُفرة العِلم وتقدمه لم تمنع من أن يظلّ مريضٌ بالفشل الكلوي مدة ثلاث ساعات تحت العلاج، يُكرّرها ثلاث مرات في الأسبوع. ولو عاد أيضاً سيرى أن المال المسَال، والتبرّع المشكور من أصحابه الكرام كما في حالتَي المؤيد وكانو (وهم أصحاب الأيادي البيضاء المُحسِنة) لم يمنع (وبسبب التسويف والتأخير والبيروقراطية في وزاراتنا) أن ينتظر مريض بالفشل الكلوي ثلاث ساعات أخرى في الطابور حتى يُستَدعَى اسمه قبل أن يُدخَل لغسل كليته العاجزة عن العمل. نعم... سيرى ذلك الفيلسوف في الأولى والثانية كلّ المأساة البشرية، وتبقى الدائرة تدور من ضعف إلى شر إلى غباء إلى رحمة إلى بذل ثم مأساة.

هذا بالضبط ما يحدث لمرضى الفشل الكلوي (أعانهم الله على ما هم فيه من بلاء) في مستشفى السلمانية الطبي. وإذا ما علِمنا أن من بين المرضى أطفالاً وكهولاً يقطعون الفيافي ويتخطَّوْن الرقاب لكي يتخلَّصوا من وجع قاتل، فإن المأساة هنا تزداد. وإذا ما علمنا أن العديد من المرضى هم مصابون بالفشل الكلوي (يوجد في البحرين 250 مريضاً بالفشل الكلوي حتى فبراير 2009) فهذا يعني أن هذا العديد من العوائل يُعانون مِنْ هَمِّ الانتظار فضلاً عن أصل المرض الذي يأكل في أجساد ذويهم وأقاربهم ببطء.

في الثالث عشر من يوليو/ تموز من العام الماضي قرأت خبراً صادراً عن وزارة الصحة يقول بأن مركز عبدالرحمن كانو لأمراض وغسيل الكلى في البسيتين سيتم افتتاحه نهاية العام 2010م تزامناً مع احتفالات البحرين بالعيد الوطني المجيد، لكن الحال بقِيَ على ما هو عليه والأسباب رهينة الدَّاء البيروقراطي. وإذا كان الأمل معقوداً على هذا المركز الذي بَنتهُ الأيدي البيضاء لتخفيف الضغط على المرضى وعلى المراكز الأخرى فلماذا يُقضَى على هذا الأمل عند 80 مريضاً بالفشل الكلوي هم مَنْ سيستقبلهم المركز طبقاً لطاقته الاستيعابية المعلنة؟

ما ذنب مريض من المحرق كهلاً كان أم طفلاً أن يقطع أحد الجسور الثلاثة، ثم يُكابد الازدحام الخانق ويده على خاصرته من الألَم ولثلاث مرات في الأسبوع كلّ مرّة فيها تأكل من يومه ثماني ساعات في الوقت الذي لا يبعد فيه مركز عبدالرحمن كانو عن مضارب بيته سوى رَمْيَة حجَر؟! لو أن وزارة الصحة خصَّصت ومنذ إعلانها العام الماضي ثلاث ساعات للعمل اليومي في إنجاز هذا المركز لأتَمَّت أكثر من 660 ساعة عمل مستمرة، وهي كافية لجعل هذا الصرح الطبي لأن يعمل ويُخفّف من آلاف الناس.

أمر آخر نتمنى على الدولة الالتفات له، وهو إيلاء مسألة زراعة الكلى أهمية خاصة. فالبحرين ومنذ العام 1995 كانت تُجرَى فيها عمليات زرع للكلى، بدأ بها مشكورَيْن كلّ من البروفيسور جورج أبونا والاستشاري أحمد العريض، وخصوصاً أن عمليات زراعة الكلى مع كميّة الأدوية ذات السعر المرتفع لا يُكلِّف أكثر من خمسة آلاف دينار، في حين يستهلك غسيل الكلى 22 ألف دينار سنوياً وهو ما يجعل التفاضل بينهما راجحاً. لا نريد أن نرى دولاً فقيرة ومجاورة وقد تقدَّمت علينا في هذا المجال في الوقت الذي نمتلك فيه نحن الكوادر الطبية المتميّزة والأيادي البيضاء السَّخِيَّة التي لا تألوا جهداً في تقديم الدعم الخيري. فالعاديَّة تعطي للعالم حجمه، أما التفرد فيعطيه قيمته كما كان يقول الشاعر الأيرلندي أوسكار وايلد

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3211 - الأربعاء 22 يونيو 2011م الموافق 20 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً