العدد 3221 - السبت 02 يوليو 2011م الموافق 30 رجب 1432هـ

الحوار كحل في لبنان

هاني فحص comments [at] alwasatnews.com

عضو في المجلس الشيعي الإسلامي الأعلى في بيروت

أنهى اتفاق الطائف سنة 1989 الحرب الأهلية اللبنانية وتجوهر بالنص على العيش المشترك. ومنذ حينها نقول سراً وجهراً، ونكتب ونخطب ونراكم حوارات كانت تطمح الى التأسيس لمرحلة لبنانية جديدة. فاعتبرنا ضمن مؤسساتنا الحوار والأمثال كثيرة: كالفريق العربي للحوار والمؤتمر الدائم للحوار اللبناني واللقاء اللبناني للحوار. وأن الحوار من شأنه أن يكمل ما أنجزه الطائف من إعلان قانوني وتطبيقي لنهاية الحرب، بالتأسيس المشترك للسلام الأهلي.

واعتبرنا كذلك أن التنازل المتبادل والصلح بمعناه الحقوقي هو الذي يحفظ النصاب الأعظم من حقوق الجميع، وأن أي منعطف في تاريخ بناء وتجديد أي كيان أو دول، لا يمكن إنجازه على يد حزب واحد أو فئة واحدة أو أهل دين أو مذهب واحد، بل لابد من كتلة تاريخية يلتقي في فضائها الوطني الرحب، أفراد وفئات متعددة المناشئ والمشارب والخبرات والتجارب والحساسيات، تجتمع على مشروع واحد مفتوح على التغيير، منفتح على النقد، يزداد حيوية بالتعدد ويحفظ التعدد بالحفاظ على المستوى اللازم من الوحدة، ويعزز الوحدة بائتلاف المختلف.

فعقدنا نحن رجال الدين من مختلف الطوائف اللبنانية والأساتذة الجامعيون ورجال سياسة منذ العام 1990 عدداً كبيراً من المؤتمرات الفكرية حول الحوار وأهميته وأنتجنا ميثاقاً حول العيش المشترك والاحترام المتبادل وأهمية الحضور المسيحي في المشرق. لعلنا بالحوار مقدمة للعيش المشترك، نستطيع أن نرسّخ ونعمّم القناعة بالدولة المدنية التي تحفظ الدين والمدينة، من خلال قناعة راسخة بأن الدولة الحقيقية والجامعة هي دولة الأفراد لأنهم مواطنون يصلون الى الدولة ويقيمون مؤسساتها بالاختيار الفردي الحر من دون حاجة إلى القناة الطائفية، مع الاحترام الشديد للطوائف كمتحدات اجتماعية.

وكنا كمتحاورين قد أنجزنا على المستوى الفردي ما يدعونا إلى الفخر ويشعرنا بالأمن والأمان الداخلي. لقد انتزعنا من نفوسنا كل الأدران والدهنيات السامة التي تنتج البغض الطائفي والشقاق الديني والشتات الوطني، وعشنا ومازلنا حالة من الفرح الداخلي بالخلاص، ما نستحق الغبطة به أو الغيرة أو الحسد عليه ممن لم يعرفوا هذه النعمة. وكنا في كل ذلك نراهن على أن الأساس والضمان هو إعادة بناء الدولة التي تكرس العيش المشترك.

فأنا وأمثالي ليس لنا شغل إلا التشجيع على الحوار. فنتحاور بيننا وننقل ثقافة الحوار إلى الشباب. نعمل مع الشباب من خلال المخيمات الشبابية التي نظمناها في مؤسسة الفريق العربي للحوار وأدرنا حواراتها حول العلاقات بين مختلف الأديان لتفكيك الصور النمطية عن الآخر بهدف منع إنشاء حروب أهلية جديدة وتحقيق مصالحة بين مختلف الجماعات الدينية التي تشن الحرب باسمها وتكون الحرب على حسابها.

نجمع شباباً، بنين وبنات، من كل المناطق اللبنانية يمضون عدة أسابيع مع بعضهم البعض. فمن خلال نشاطات ترفيهية ومن خلال نقاشات في مواضيع مختلفة مثل العلاقة بين مختلف الأديان وعلاقة الدين بالدولة... يتعرف الشباب إلى بعضهم البعض، ويتطلعون معاًً إلى المستقبل الذي لا يمكن بناؤه مع جهل الآخر.

فلا سبيل إلى حفظ ذاتنا وأهلنا وأحفادنا وأدياننا، وكل شيء ذي قيمة في هذه الحياة، إلا بالحوار الذي هو برنامجنا إن لم نستطع أن ننجز برنامجاً آخر من خلاله، وصمودنا عليه هو شفاء لنا ووقاية من الوباء المذهبي الذي يفتك بالأديان والأوطان والمواطنين، كل المواطنين. وإذا كان الاختلاف قد نزل إلى مستوى الخلاف وأصبح الصراع والاقتتال أمراً محتملاً بشيء من القوة، فإن الحوار يصبح أوجب ويصبح علامة شرف وطني لمن يصرّ عليه، لأنه لا مجال لتحقيق ذاتنا الفردية والجماعية، إنسانياً ووطنياً إلا بالحوار. وقد يعيش الواحد منا من دون عيش مشترك، ولكنها عيشة ناقصة وبائسة وعقيمة، لأن الآخر شرط الوجود وشرط الحياة وشرط المعرفة وشرط الدنيا والآخرة.

سنبقى زملائي وأنا في خدمة صحة الوطن والمواطن، أطباء ومضمدين وممرضات ساهرات على لبنان حتى تسود العافية. وكلما انتشر الوباء أكثر أحسسنا أننا مطالبون بجهد أكبر

إقرأ أيضا لـ "هاني فحص"

العدد 3221 - السبت 02 يوليو 2011م الموافق 30 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً