العدد 3236 - الأحد 17 يوليو 2011م الموافق 15 شعبان 1432هـ

الذكورة والأنوثة والأجناس الخمسة

تناولنا في الفصول السابقة التعليلات العلمية التي توضح أن الحالة المثلى للتكاثر في الإنسان هو وجود جنسين منفصلين غير متشابهين بل مكملين لبعضهما البعض، ولاحظنا أيضاً في الفصل السابق أن وجود جنسين منفصلين يمنع الصراعات القسرية التي سوف تحدث ويجعل من تلك الصراعات صراعات اختيارية بحسب الطباع المتفشية بين أفراد مجتمع ما وبحسب الفلسفة التي تحكم هذا المجتمع، بقي أن نعرف كيف سيتم توزيع الأدوار بين الذكر والأنثى والتي سترتبط بهما ولا يمكننا فعل ذلك قبل أن نحدد كيف نميز أي فرد ذكر وأي فرد أنثى لأنه من الضروري أن نحدد هل أدوار أو مهام الفرد هي التي تحدد جنس الفرد أم أن لكل جنس أدواراً تميزه؟

الحاجة لتعريف الذكر والأنثى

بات من الضروري أن نجد تعريفاً واضحاً للذكر والأنثى، قانونياً هناك ذكر وأنثى ولكن ثقافياً هناك أكثر من جنسين، وعلمياً هناك طيف من الأجناس المختلفة في النوع البشري وليس ذكراً وأنثى فقط، فما المقصود بالذكر والأنثى والذكورة والأنوثة؟ هذا السؤال أشبع من الناحية الفلسفية الكلامية وهي تعاريف ما عادت تصلح لهذا العصر الذي نعيشه، فقد ظهرت العديد من الحقائق والنظريات الحديثة التي تعتمد على أساس علمي قابل للقياس وليس على أساس نظري كلامي فلسفي، وبحسب هذه النظريات فقد تغير مفهوم الأنوثة والذكورة، وكلما اكتشفت حقيقة علمية جديدة تغيرت المفاهيم على أساسها، فهناك من اختزل مفهوم الذكورة والأنوثة في الجينات وهناك من خصها بالطباع، فهل هي نتيجة لوراثة جين معين أو هي طبع يُتَطبع به؟ أم هي خليط من عناصر مختلفة يصعب علينا أن نفككها؟

الذكر والأنثى والأجناس الوسطية

يصنف الفرد على أنه ذكر أو أنثى اعتماداً على الشكل الظاهري والوضع التشريحي الوظيفي الداخلي بالإضافة للخصائص والمميزات النفسية والتي تشمل الميول وهي التي تعرف في مجموعها بالطباع الذكورية أو الأنوثية. وهذا يعني أن هناك ثلاثة معايير أساسية يصنف الجنس حسبها وهي: الشكل الظاهري، والوضع التشريحي الوظيفي والطباع، وفي بعض الثقافات يضاف معيار آخر وهو الدور أو المهام التي يقوم بها الفرد وهي عادة ما ترتبط بالميول. وبحسب هذه المعايير لا يوجد عندنا فقط ذكر وأنثى بل يوجد خمسة أجناس مختلفة، على الأقل، من البشر فبالإضافة للذكر والأنثى هناك ثلاثة أجناس أخرى تعرف باسم الأجناس الوسطية أو البينية Intersexes.

الأجناس الخمسة

أول من ذكر وجود خمسة أجناس على الأقل هي Anne Fausto-Sterling وذلك في مقالاتها التي نشرتها في مجلة The Sciences في الأعوام 1993م و2000م، وقد أُثيرت هذه المواضيع بسبب العديد من المشكلات التي يتعرض لها الأجناس الوسطية وعدم وجود قانون يحدد أجناس وسطية بل هناك ذكر وأنثى فقط، والكاتبة تقصد بالأجناس الخمسة بحسب التصنيف الظاهري والتشريحي الوظيفي فقط وهم: الذكر، والأنثى، والخنثى، والخنثى الذكوري الكاذب، والخنثى الأنوثي الكاذب. فالذكر الطبيعي هو الذي يولد بأعضاء الذكورة الخارجية وكذلك الأعضاء الداخلية وكذلك الأنثى الطبيعية، أما الخنثى فيحمل أعضاء مذكرة وأعضاء مؤنثة، بالإضافة إلى ذلك هناك حالتان أخريان، في الحالة الأولى يولد الفرد وله أعضاء خارجية شبيهة بأعضاء الذكورة ولكنه من الناحية التشريحية أنثى فله رحم ومبيضان وكامل أعضاء الأنوثة، والحالة الأخرى عكسها وهي أن يولد الفرد بأعضاء خارجية شبيهة بأعضاء الإناث وهو في الواقع ذكر، وفي مثل هذه الحالات عندما يحدث إهمال من الطبيب الذي يفحص المولود ربما يعطى المولود جنس الذكر وهو أنثى أو العكس.

المحصلة إذاً أن هناك خمسة أجناس على الأقل بحسب المعايير السابقة، ولكن في حال أضيف إلى ذلك التصنيف الطباع أو الميول فهنا ندخل في تعقيدات أخرى وهي ظهور الأجناس المتغايرة Transsexuals.

الأجناس المتغايرة

المعيار الثالث في تصنيف الذكر والأنثى هو الهوية الجنسية وهو أحد المعايير الصعبة القياس، والهوية الجنسية هي نظرة الفرد لنفسه، فهناك فرد يُصنف على أنه ذكر بالمعايير السابقة الذكر لكنه يشعر أنه أنثى حتى في تصرفاته وطباعه أقرب للأنثى وربما تظهر عليه علامات ظاهرية أنثوية، وهو يرى نفسه أنثى حبست في جسد ذكر. وبالمثل هناك فرد يُصنف على أنه أنثى ولكنه ينظر لنفسه أنه ذكر. وهؤلاء المغايرون جنسياً يعانون من اعتلال في الهوية الجنسية ويجب أن تقيم حالاتهم لكي يتم تصنيفهم فهناك تدرج في هذه الحالات وهناك حالات تستلزم إجراء عملية إعادة تعيين الجنس؛ أي يحول الذكر إلى أنثى أو العكس، ويجب ألا يلتبس أمر هؤلاء مع أصحاب الشذوذ الجنسي أو المثليين فتلك ليس لها علاقة بالأجناس المتغايرة.

الذكورة والأنوثة والنظرة الجينية

عادة ما تكون هناك جينات تحدد الذكورة والأنوثة بصورة واضحة إلا أن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك وإلا لكان عندنا ذكر وأنثى فقط وما كان هناك كل هذا الطيف من الأجناس البينية والأجناس المتغايرة. في الستينيات من القرن الماضي قررت بعض الاتحادات الرياضية أن تصنف أفراد المجتمع إلى ذكر وأنثى بحسب التركيبة الكروموسومية وزعموا في حينها أن هذا التحديد له أساس علمي صلب وكان الغرض من هذا التعريف تقسيم البشر إلى جنسين ذكر وأنثى وهذا التقسيم سوف يترتب عليه مشاركة هؤلاء في الألعاب الرياضية كل حسب جنسه، وقد كان قبل ذلك يضطر المتسابق للفحص الظاهري أمام لجنة من الحكام، وكان الأساس العلمي لهذا التقسيم أن الذكر يختلف عن الأنثى في كروموسوماته الجنسية وهما كروموسومين اثنين يعرفان عند الذكر باسم «XY» وعند الأنثى باسم «XX»، هكذا تم اختزال تعريف الذكر والأنثى.

المرأة لا تختزل في جيناتها

لا يعتبر تعريف الأنثى على أساس تركيبها الكروموسومي تعريف علمي، ففي الواقع هناك إناث من حيث الشكل الظاهري أنثى وكذلك خصائصها الأنثوية تعتبر أنثى إلا أن تركيبها الجيني كالذكر تماماً أي «XY» وليس لديها رحم ولا مبيضان، ونسبة هؤلاء في العالم تقدر بأنثى واحدة في كل 60 ألف. «ماريا باتينو» هي إحدى الإناث الرياضيات غير المحظوظات كونها تمتلك تركيباً جينياً كالذكر فقد فازت في العام 1985 بسباق 60 متر حواجز ولكن ما أن أجرت التحليل الإجباري والذي عن طريقه يتم الاعتراف بها أنها أنثى فشلت فيه، وبذلك تم إهانتها وسحب اللقب منها ومنعها من المشاركة في الرياضات النسائية القادمة كونها ليست أنثى فهي تمتلك كروموسوم Y الذي يعطيها طاقة ذكرية تفوق بها كل الإناث. بالطبع هذا الكلام علمياً خطأ فالذكورة أيضاً ليست كروموسوم Y فهناك ذكور ظاهرهم ذكور وخصائصهم ذكورية لكن تركيبهم الجيني كالإناث أي «XX». وبحسب الاختبار السابق هؤلاء سيتمكنون من المشاركة مع النساء.

قامت ماريا برفع دعوى قضائية دفاعاً عن أنوثتها التي سلبت أمام أعين العالم، وبعد ثلاثة أعوام كسبت القضية وردت لها أنوثتها وكذلك لقبها الرياضي. وفي العام 1992م تم التخلي عن التحليل الكروموسومي لتحديد الجنس من قبل الاتحادات الرياضية وتم إعادة تعريف الأنثى بحسب ما هو محدد في القانون وعليه يجوز حتى لمن قام بعملية لتغيير جنسه من ذكر لأنثى أن يشارك في الرياضات النسائية، وهذا القانون الأخير تم تشريعه في العام 2004م من قبل اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية. المثير للاهتمام أن التحليل الإجباري للكشف عن التركيب الكروموسومي للمشاركات في المسابقات الرياضية النسائية أدى للكشف بأن هناك واحدة لكل 500 متسابقة تركيبها الكروموسومي «XY»

العدد 3236 - الأحد 17 يوليو 2011م الموافق 15 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً