العدد 3236 - الأحد 17 يوليو 2011م الموافق 15 شعبان 1432هـ

ثمة من يقيم في العمى

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

تستهويك فكرة. ليس شرطاً أن تنحاز إليها. الانحياز إلى فكرة يبدأ بصيغتها؛ ولكن ليس شرطاً أن ينتهي بالقبول بها.

الصيغ لا تؤدي إلى قبول نهائي. إنها تتيح لك مساحة من إغواء؛ ولكن في الفكر والمعرفة ضمن منهج يحترم ويتمثل لا شيطان يدخل في شكل المنهج على أقل تقدير. الشيطان بمعنى الاستسلام في غياب وحضور للنزوة والفراغ.

الربيع العربي ليس فكرة، وعلى بعض المفكرين الذين عاشوا زمناً على ردح الإعلام الموجه أن يخجلوا ولو قليلاً من تلك التخريجات المخجلة وهجومهم الشرس وشتائمهم التي تدل على تدنّي اتزانهم حين يصفون شعوباً ذاقت أكثر من مرارة وخسف ومصادرة واغتصاب لحقوقها ووجودها بأنها خارج سياق الأخلاق والحس وأنها مدفوعة من جهات خارجية.

هذا منطق لا يخلو من صفاقة ولا يجرؤ عليه إلا متنطع وذليل لا علاقة له بفكر بعوضة!

مفكرو اللحظة وشعراء الثانية عشرة بعد منتصف الليل والمهتمون بحقوق الإنسان في الملاهي الرسمية وقبل نهاية الشهر لقبض «المعلوم» هؤلاء لهم أفكارهم التي تخدم مصادرهم المالية ومواردهم ولا تخدم بأي حال من الأحوال من انتهكت حقوقه وتم التعدي على كرامته وشرفه وإنسانيته. هؤلاء حملة أفكار مضادة للإنسان والحياة. أفكار مضادة للكرامة الإنسانية خصوصاً والكرامة لكل كائن ذي روح رطبة عموماً.

هؤلاء مهما أوتوا من معارف تتبخر في لهب الحقوق المضيعة ونارها. الحقوق التي غضوا الطرف عنها وهم في أرذل العمر؛ خوفاً على منافع ومكاسب لن يعمروا طويلاً ليستمتعوا بها؛ عدا الاستمتاع بردود أفعال طروحاتهم الخرقاء والفارغة الدالّّة على خرف وهجر في «الخريف الأخير من العمر» كما هو خريف أنظمة ينافحون عن أساليبها في التعبير عن قمعها وسحلها للربيع الذي يجتاح الجغرافية العربية بعد جدب في صحراء الممارسة والتسلط والقمع ووأد كل صوت حر واحتواء الباحثين عن الخدمات باعتبارها امتيازاً فيما هي أقل من الحق بدرجات.

تتبخر المعارف حين تجير لصالح تخبط المؤسسات يتقاضى منها أصحاب تلك «المعارف» أجورهم. تتبخر في وعي الأمة والزمن والتاريخ وتصبح لعنة من لعنات المستقبل المدخرة حين تبرر التجاوز وتجيز التعدي وتزيّن الانتهاك وتنظّر للقمع وتقعّد للسحل بعدها لا تصبح معارف بل نصوصاً تلعب على التنويعات في سيرك المصالح والخيار لمن بيده تنفيذ الوصفة وجعل مثل تلك الحقوق شبحاً ووهماً على كثيرين التخلص منه للمصلحة والصحة العامة!

ثمة من يقيم في العمى بمعرفته وثمة من يقيم في المعرفة بالعمى الظاهري. وبين الاثنين يكمن الفارق بين عمى الداخل وعمى الخارج. عمى له رؤيته. ورؤية في الصميم من العمى!

تخرج من نفسك باتجاه خارج تستطلعه. تستطلع حركته لترفد تلك النفس بحيويتها. تدخل إلى نفسك لتعمق معرفتك اكتشافاً. تدخل الخارج في ذلك العمق. كأنك تبحث عنك في الداخل عبر خارج لا يتحكم في هوائه أحد؛ عدا التحكم في بشره وخيارات أولئك البشر.

حتى الأشياء لا تتمنى الإقامة في جمودها ولو قدّر لها أن تختار ستختار حيوية وانفلاتاً يربك محيطها والعالم الممتد ما بعد ذلك المحيط.

ويراد للبشر في محيطنا أن يسهروا على خريفهم الذي لا يحتاج إلى سهر. أن يسهروا على ذوبانهم الكلي في النفي. نفي إرادتهم وخيارهم في أن يراكموا إنسانيتهم بمزيد من فعل الاحتجاج الحر على خلل الحياة وخلل الممارسة

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3236 - الأحد 17 يوليو 2011م الموافق 15 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً