العدد 3246 - الأربعاء 27 يوليو 2011م الموافق 26 شعبان 1432هـ

لا تخبو الفتنة إلا حين يرتقي العقل

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

التهجم على مكون مهم من مكونات المجتمع البحريني علناً في إحدى جلسات حوار التوافق الوطني، لا يمثل حالة غريبة أو جديدة تدعو للاستغراب والدهشة، فهناك من يستخدم الدين كي يرمي بأفظع العبارات وأسوأ الأوصاف ويلصقها بأحد مكونات هذا المجتمع من دون حسيب أو رقيب أو خشية من عقاب، ولا حتى أدنى احترام لقدسية المحراب الذي يقف فيه.

هذا التصرف يتكرر منذ سنوات وهو ليس وليد اللحظة، وبعد الأحداث الأخيرة التي مرت بها البحرين، بات سمة وأسطوانة تتكرر لدى أكثر من خطيب جمعة، في أسلوب يعبر عن عقلية قائمة على منهجية بث الكراهية والعداء بين الخلق، من خلال تصيد العثرات وربطها بالسياسة ومن ثم إسقاط مفاهيم العمالة والتخوين، وصولاً للمطالبة بالإقصاء والتهميش وتصدير البشر للخارج.

في يوم الثلثاء 29 يوليو/ تموز 2008، التقى عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عدداً من رجال الدين السنة والشيعة، ووجه جلالته إليهم كلمة دعا فيها إلى «أهمية أن يكون الخطاب الديني المنطلق من المنابر، داعياً ومراعياً للوحدة الوطنية والمحبة والتآخي، وأن يكونوا رواداً في تطوير حوار نموذجي بحريني بين المسلمين جميعاً، لما تمتاز به البلاد عبر تاريخها من تسامح وانفتاح»، مناشداً الجميع الحفاظ على هذا النموذج المشع، والعمل على تنميته والارتقاء به.

وطرح جلالته في اللقاء مشروع تأسيس مرصد وطني يجمع وحدتهم، يتم الاتفاق بشأنه لترشيد الخطاب الديني، يكون مصدراً خيراً للتوجيه والإرشاد يعكس ما تمثله البحرين والإسلام من سماحة وانفتاح وشمول.

مضت 3 سنوات على التوجيهات الملكية التي جاءت في فترة كانت خلالها البحرين بحاجة إلى تكاتف جميع أبنائها لتجاوز التداعيات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط من دون التأثر بما يجري هنا وهناك، في الوقت الذي لايزال فيه البعض موغلاً في مشروعه الرامي إلى شرخ الوحدة الوطنية، ونقل الصراعات السياسية بين الكتل البرلمانية إلى دور العبادة، وتفريق المواطنين على أساس عقائدي نابع من فكر ضيق ورؤية تبعث على الأسى والتندر.

هؤلاء لا يجدي معهم مرصد يضبط شطحاتهم وزلات لسانهم غير المحسوبة، ولا يكفي إنذارهم وتحذيرهم - وهو ما لم يحصل حتى الآن - بل هم بحاجة إلى إعادة صياغة مفاهيمهم وفق معاجم التآزر، والتكافل الاجتماعي، والانسجام الإنساني القائم على فكر وفعل ومنطق المرء، لا دينه ومذهب وطائفته وديانته.

التنوع الديني والعرقي والإثني في البحرين من المسلمات المحسومة في هذا البلد، والتي لا يمكن تغييرها أو تحويرها أو محاولة نسفها، لأنها مشيئة الخالق التي قدر لها أن تدب في هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة من هذا العالم، والكل يدرك أن لا سبيل للركب أن يتحرك من دون توافق من فيه وانسجامهم مع بعضهم بعضاً، استناداً إلى قاعدة المواطنة والتفاني من أجل تقديم ما يساهم في دفع البلد نحو التقدم والازدهار والنهوض الاقتصادي والعمراني.

فإذا كان الحكم والشعب مؤمنين بهذه الحقيقة، فلماذا نسمح لأن يكون بيننا من يفرزنا وفقاً لنواياه وتوجهه السياسي والفكري؟ فإذا كان حاقداً أو كارهاً لفئة، فما ذنب الشعب في أن يدفع ثمن ذلك في أمنه الاجتماعي واستقراره، فينشغل الناس في معارك داخلية تحصد الأخضر واليابس، ولا تعود بالخير على أي أحد إلا لمن أراد أن يتصدر ويصعد على ظهور الآخرين من أجل تحقيق مصالح شخصية عبر تسخير كل أدوات الفتنة والتحريض والتجزيء، انطلاقاً من منابر الجمعة أو صفحات الصحف؟

ما أكثر المتلبسين بعباءة الدين الذين يظهرون عكس ما يبطنون، وما أكثر أعداء الأمة الذين يترقبون ضعفها وضياع أهلها لينقضوا على خيراتها فيتركوها أرضاً بوراً بعد أن كانت خضراء تسر الناظرين، غير أن رهاننا على العقلاء الذين نعول عليهم لحماية الوطن من دعاة الفتنة والتحريض على الكراهية، ونترقب منهم أن يتبؤوا مواقعهم في قيادة المجتمع نحو الخير والاجتماع على كلمة سواء، وعدم الانسياق وراء دعوات المندسين ومن لا يريدون لهذا البلد أن يجتمع أهله ويلتئم شملهم

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3246 - الأربعاء 27 يوليو 2011م الموافق 26 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:37 ص

      الفتن كالجراثيم لا تتواج إلا في بيئتها

      الفتن توجد حيث توجد البيئة الصالحة لنموها
      والعوامل المؤثرة هي عدم الوعي والثقافة والإحاطة بمجريات الأمور وما يدبر للأمة فأحيانا يقبل المجمتع
      بأن يكون مطيّة لأجندة أناس آخرين يستغلونه لكي
      يحققوا أهدافهم
      كما أن هناك عوامل مثل إيجاد بعض بؤر التوتر مثل التمييز والإقصاء ومحاولة التهميش مثل هذه الأمور
      تكون بيئة صالحة لتفريخ الفتن أضف إلى ذلك بعض
      الأفكار الغريبة التي لا تتقبل الرأي الآخر بل ولا ترضى
      له حتى الحياة
      وعوامل أخرى الحمد لله موجودة لدينا

    • مواطن مستضعف | 2:33 ص

      OBJECTION

      تخبو الفتنة عندما يتطهّر القلب من الحقد.

اقرأ ايضاً