العدد 3246 - الأربعاء 27 يوليو 2011م الموافق 26 شعبان 1432هـ

موهبة إهانة الإنسان

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

في الدول المفعلة للديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني، المحترمة لحقوق الإنسان، المعمقة لحقوق المواطنة، تكتسب إرادتها وشرعيتها من إرادة شعوبها. ما بعد ذلك من تهريج وتسويق مكشوف أمام العالم لا معنى ولا قيمة له.

صحيح أنه تفصلنا عن تلك الدول النموذجية في الديمقراطية وحقوق الإنسان عقود طويلة من التجارب والوعي بأهمية تلك الحقوق على مستوى النظم لا الشعوب؛ ولكن في نهاية المطاف تظل الحقوق والآمال والتطلعات والأهداف واحدة. واحدة من حيث تكريس قيمة الإنسان ومركزية حضوره في أن ينعم بتلك القيمة ممارسة لا من خلال دوائر مختصة بالشعار يؤذي مشاعرها ويستفزها بعيداً عن المعاينة والتمثل. أن يمارس الإنسان دوره الطبيعي والطليعي في التأسيس لمجتمع متكافئ في الحقوق والواجبات من دون تمييز للونه وعرقه ودينه.

هنالك هم بشر، ونحن في جغرافيتنا العربية البائسة بشر أيضاً. لماذا يتم التعامل مع الإنسان هناك باعتباره محور العالم (العالم الخاص والعام)؟ ولماذا يتم التعامل مع الإنسان في الجغرافية العربية باعتباره فائضاً وأحد مقتضيات وضرورة وجود الدولة؛ بمعنى أثاثها وإكسسواراتها وموضوع سطوتها وعنوان وجودها أمام المؤسسات الدولية وهيمنتها وما يتبع تلك الهيمنة والسطوة من تفاصيل تعيد الإنسان في هذا الجزء من العالم إلى ما دون الحيوان وما قبل الأشياء بمراحل؟ لماذا تستنزف دولنا موازناتها من أجل الشكل والصورة والقمع في الوقت نفسه؟ فيما هي قادرة وبأقل كلفة من تلك الموازنات الضخمة أن تسهر وتحقق المضمون على الأرض؛ بمعنى ألا ينام المواطن على وعود إعلام رسمي يلقن حتى البسملة وباللازمة المملة: المواطن شريك مهم في القرار. فيما «لا شريك» للحكم في دولنا، ويراد لشعوب هذه الدول ألا تفطم عن الاتباع والرضوخ والسمع والطاعة وحتى السير وراء حكامها إلى المهالك.

ولن تستغرب دعوات تطل عليك من هنا وهناك بعد صفقات واتفاقات في ليل أليل ترتد عما نافحت عنه وناضلت من أجله في لحظة ضمير عابر. ترتد عن أساسيات قيام أمة محترمة لوجودها ولها اعتبارها بما تتحصن به من حقوق وما تؤديه من واجبات في موقف مزرٍ ومخجل ولا يمت إلى الأخلاق في هزيعها الأخير بصلة.

بعض النخب لم يكن بمنأى عن هذا «الكوكتيل» الغريب من التبريرات والدعم اللوجستي على مستوى التنظير والتخريجات في محاولة لتأبيد أحوال العرب من حيث تخلفهم واستلابهم وانتهابهم وتهميشهم والنظر إليهم باعتبارهم قطيعاً وأدوات وواجهات للنظم حين يتعامل العالم ومؤسساته معها.

دول بتلك المواصفات تتعامل مع شعوبها باعتبارها أرقاماً في السجلات السكانية ومكاتب النفوس ومنافذ الدعم الشهري لا يمكن لها إلا أن تكون على موعد مع الصواعق والقلاقل وخروج الناس على يأسهم إلى ما بعده: أن يكون الموت هو الخيار النموذجي في حياة لا حياة فيها! وشواهد تونس ومصر واليمن وليبيا وسورية، وإلا قليلاً في المغرب والأردن ودول في الطريق مرشحة لهبتها المصيرية التي تستعيد من خلالها آدميتها وقيمتها، تعلق أكثر من جرس إنذار لزلازل ماحقة وليس اضطرابات يعالجها الرصاص بوهم قدرته على الحل. تلك معالجات أثبتت فشلها منذ فجر التاريخ الإنساني وستظل فاشلة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

كل موازنات القمع والمعالجات الأمنية الخارجة على الشرائع والقوانين الدولية أرهقت موازنات الدول واستنزفت طاقاتها وأودت بخيرة شبابها فيما بإمكان ثلث تلك الموازنات المترهلة والضخمة أن يعالج ملفات مزمنة وقاهرة ومذلة للإنسان بتأبيد تعليقها، من حقه في العمل والتعليم والإسكان والصحة إلى أن يكون صانعاً ومحركاً للقرار ومؤثراً في توجهه. كل ذلك في حفظ لآدميته على أقل تقدير بضرورات وأساسيات يشترك فيها مع أي كائن بشري من النرويج إلى خت في رأس الخيمة.

لم تعد الحقائق تطبخ اليوم في أفران السلطات ولم تعد الإرادات تخرج من الدواوين. للشارع العربي اليوم أفرانه الخاصة وهي أفران بالمناسبة لم تتأت من رفاهية ورثها بل من عذابات وقمع مزمن لو قدر له أن يكون سلعة يمكن تعليبها في معامل ومن ثم تصديرها وطرحها في أسواق جمهوريات الموز شبه البائدة لباتت جغرافيتنا العربية في غنى عن حقول النفط ومناجم الذهب وكل معادن الأرض. لا أمة في الأرض وما بعدها من الكواكب قادرة على اجتراح إهانة الإنسان بالموهبة التي تصعق بها دولنا العالم كل العالم

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3246 - الأربعاء 27 يوليو 2011م الموافق 26 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:02 ص

      مايؤسف له هو عبودية أفراد لشعوبهم

      كلامك أخي في الصميم.لو عدلو الحكام لسادو الأمم ولكن حب الدنيا رأس كل خطيئة

    • مواطن مستضعف | 2:41 ص

      ليست موهبة يا عزيزي و إنما

      سادية ووحشية لا إنسانية.

    • زائر 2 | 1:39 ص

      لوكان من بيده القرار في اي مكان في العالم يؤمن بوجود الاخرة لم تجرأ على انتهاك حق نمله في كسب عيشها

      موضوع معبر وجميل وذو شجون ونقول من يقوم بذلك لايؤمن بوجود الاخرة والنشور والحساب فالدنيا هي جنته؟؟؟؟

    • زائر 1 | 1:05 ص

      المنظومة القيمية للعلاقة الانسانية

      الديانات السماوية السمحمة والمعتقدات التي نظمت علاقة التجمعات البشرية ولا حقا ما تبناه المجتمع الدولي من مبادئ وجرى تقنينه في دساتير وسياسات الدول ارتكزت على منظومة من القيم في تنظيم علاقاتها بالانسان والاحياء والاشياء وعلى الرغم من اننا نشير الى موروثنا الحضاري في انتاج المنظومة القيمة للعلاقة الانسانية الا اننا نضل الطريق عندما يتعلق الامر بمصالح الذات وتكون ثقافة اللامعقول في العلاقة المجتمعية سيدة قرارتنا ولن يتغير الحال الا اذا ادركنا ضرورة العودة الى قيم العلاقة التي بينها ديننا الحنيف.

اقرأ ايضاً