العدد 3247 - الخميس 28 يوليو 2011م الموافق 27 شعبان 1432هـ

وماذا لو كنتَ عربياً؟!

سوسن البرغوتي comments [at] alwasatnews.com

.

من يتابع مجريات الحوادث يجد أن الأوضاع في الوطن العربي تزداد سوءاً، إذ لم تعد السيادة واستقلال الوطن عنوان الحراك الشعبي وقوى معارضة سياسية وطنية، بقدر ما يجري من تأجيج الفتن الطائفية وصراع الأيديولوجيات السياسية، بينما نجد الشعب العربي يصفق لهذا الطرف أو ذاك، وكأننا غرباء عما يُحاك، ويستهدف بيتنا العربي من المحيط إلى الخليج، والخطط الاستعمارية، التي لم تعرقل سيرها إلا المقاومة الشريفة، التي أنجزت ومازالت تعمل وتعد العدة، وهذا لعمري عظيم، فالمواجهة بالميدان، ليست بتلك السهولة. والمقاومة لم تنجُ من عواصف كل مرادها اجتثاث الوعي العربي وكيّه من خلال افتعال معارك جانبية، وأخرى داخلية، تقوّض وتسلب الإنسان العربي من شيم الصمود والرفض للمشروع الاستعماري (الكبير)، وخلط الأمور وقلب الحقائق، والعبث الاعلامي الممنهج لغاية لم تعد خافية، بل أصبحت مفضوحة مكشوفة النوايا والمقاصد، فتغيبُ أسس ومفاهيم، ويصبح أبناء الوطن الواحد شتامين...

ينبذ كلٌ رؤية الآخر ويتمسّك بأيديولوجية معينة وكأنها قدر على الجميع إعلان الولاء والطاعة لها، وهي مفصّلة على فكر ومصلحة الحزب أو الحركة، والأنكى من ذلك الإصرار على فرضها على الجميع، بكرنفال أشبه بحفلة أقنعة (الوطنية والثوابت)، وأخرى تلبس رداء الاستقلالية أو الحياد، والكل في عين العدو وطائراته ودباباته وآلته الإعلامية الضخمة، سواء!

ولو كنتَ عربياً، لنفضت عنك مصطلح الحيادية المخادع، ولما أدرتَ وجهك، وأنت ترى قطراً عربياً وراء آخر يُدمر ويعيث غربان وأفاعٍ مسمومة بأمنه الخراب وتفكيكه إلى كيانات هزيلة، لا تقوى على حماية نفسها من الجار، الذي كان منذ وقت قريب، أقرب من حبل الوريد، وموضع الروح في الجسد الواحد.

وعندما تشعر، أنك تراقب، وأنك تستقرئ الحوادث، وكأنك تعيش في كوكب آخر، تصبح هذه الاستقلالية، مجرد قناع، يواري ضعفك، ويكبر الصراع في داخلك، ويزيد الشكوك حتى في ذاتك وذويك، وصاحبك وبنيك، وتعجز عن إنقاذ ما تبّقى لك ولأمتك وأرضك من كرامة ومقدسات مكانية، وحرمات فكرية.

ولو كنتَ عربياً، لعلمتَ أن المعركة مفتوحة، وأن الحرب ليست المواجهة والاشتباك، فحسب، إنما تعدتها إلى وسائل عصرية واستخباراتية وإعلامية، تجعلك تصدق الباطل، وتكذّب الحق، وكلٌ إلى ما ذهب إليه، بذرائع شتى وحجج واهية، وبيدك تقتل روح المقاومة وصمودها، لينفض الجميع عنها، وتبدو كأنها مارقة في تاريخ تحرير الشعوب!

فزاعة جديدة أطلت برأسها في الحوادث الأخيرة في بلادنا، لتزيد المشاعر تأجيجاً واحتقاناً، وتخوين كلّ من يرفض المشروع الاستعماري، بأنه يقف بصف النظام القمعي الاستبدادي، في الوقت الذي نشهد أن ليبيا غرقت في مستنقع (الناتو)الجيش الدولي، المعد مسبقاً للتدخل السريع، ورفع عصا (القانون الدولي) في وجه الشعب بأسره، وجماعات مسلحة، انحرفت عن مبادئ وأهداف الثورة، تعبث بمستقبل الوطن، ولم تعد – سلمية - أبداً، لتُشرع بواباته وتُفتح على الغرب المتحضر والديمقراطي، الذي استباح ويستبيح بلادنا وأعراضنا وثرواتنا. فهل يستوي من يسعى لإنقاذ الوطن من الحريق الذي يزداد اشتعالاً مع مَن يسعى لتدميره وتفكيكه؟

لو كنتَ عربياً لقاتلت من أجل حرية كل شبر من وطنك، ولما قبلت بأنصاف الحلول والسلام مع الغزاة، ولما دعمتَ قرارات دولية خبيثة، صُنعت لضعاف النفوس خصيصاً، ليعتمدوها مذهباً لهم ويقعوا في فخ بنودها، ومبادرات من هنا وهناك، من أجل «دولة» قبل التحرير الناجز، والخضوع لـ «يهودية الدولة» سراً أو علناً... لا فرق، فمن سهل عليه التنازل عن 80 في المئة من أرضه، سيتنازل عن حق ما بقي من شعبه ومقدساته.

ولولا هذا الفكر، لما تجرأ أصحاب المشروع الاستعماري وأتباعه، التطاول على سيادة وأمن سورية، والتلويح بذات عصا الهيمنة، وقبلها العراق الذبيح والمدمر، تفتك به الفتن من كل حدب وصوب، ولبنان ومقاومته مستهدفة والسودان تم تقسيمه – مبدئياً- إلى دولتين، وفي اليمن حرب أهلية انفصالية وأخرى صراع على الخلافة، وليبيا احتلت من قبل الجيش الدولي (الناتو)، الذي يبتزّ الطرفين المتعادلين بالتسلح، ومصر تواجه مخططات ليست أقل خطورة من التقسيم والفتن بجميع أنواعها... والحبل على الجرار.

ولو وصلنا فعلا إلى القدر المطلوب من الوعي السياسي وإدراك المشروع الاستعماري والتوسعي، وجوهر الصراع، لنزعنا عقدة «الدولة» والقانون الدولي وخلافه، وعدنا إلى الأسس وقواعد التحرير، ولنبذنا عملاء المحتل من صفوفنا، ولما صافحناهم وصفحنا عن المفرطين بحقوق الشعب والناهبين والسارقين لأمواله، وهو مشرد بأصقاع العالم.

لو كنتَ عربياً، يجب أن تقبل لبلدك ما تقبله للآخر، وبالتالي ترفض وتحارب التسوية واتفاقات الذل والمهانة مع عدو جاء يحتل أرضك، وينال من كرامتك... يقتل ويفتك بوطنك، ويزيد أعداد الأرامل واليتامى، وأسرى كل ذنبهم وجريمتهم، أنهم دافعوا ككل خلق الله عن وطنهم، وشهداء ارتقوا للعلا، من أجل قضية مقدسة، لا مجزأة ولا مقسمة إلى عربية و(عبرية)، وكأنك تدعم أضاليلهم، بأنهم من سلالة انقرضت، تحكي لهجة عربية بادت، ولم تؤسس دولة أو مملكة في فلسطين. وغرفت من نبع المعرفة، ولما ساهمت في تشويه وتزوير التاريخ، ومسخ الجغرافيا، مثولاً لرغباتهم ومعلومات توراتية مزورة.

ولعلمت أن العروبة والاسلام صنوان، ومن ينتمي لأفضل خلق الله، لا يشتم العربي ولا يكفّره، ويقاتل عدو الله وعدوه، أينما كان... ولعلمت أن الأعراب – المنافقين- أشد كفراً، والعهر السياسي، ليس إلا وجه من وجوه الكفر بالوطن واستباحته والنيل من أمنه للحاق بركب القوى الاستعمارية وشعارها الكاذب (الديمقراطية)... ديمقراطية ممزوجة بالدم ومغمسة بالعبودية، ليست حرية، إنما هي موظفة كغيرها من الشعارات، لمزيد من تعرية جذورنا، وللنيل من عقولنا، لنصبح مسوخاً لا بشراً، ينشدون العزة والكرامة الحقة.

فأين نحن من الحوار والشورى، وحقوق المواطنة وواجباتها، بصرف النظر عن الدين والطائفة – لا إكراه في الدين-؟، والإنسان خليفة الله في الأرض، فهل هذه هي الأمانة التي كُلفت بها؟...

ولو كنتَ عربياً، لاحتكمت إلى الخطوط الحمراء، في محاربة الغزاة بأي وسيلة، وواجهت القمع والفساد والاستبداد، متسلحاً بضوابط وكوابح، عمادها القانون الشرعي، الأخلاقي – الضمير- الذي لا يقبل التزوير والتضليل، والدستوري، القابل للتعديل والتطوير وليس منزلاً من عند الله، وهو من صنع البشر، ليناسب المصلحة العليا للوطن (الأرض، الشعب والدولة)، ولا انفصال بين توازن القوانين الثلاثة ومصلحة الوطن داخلياً وخارجياً. وما يمليه عليك ضميرك، أن تقف في خندق واحد مع كل أبناء شعبك العربي، لا أن تحابي وتفضل فئة، تملي عليك أهواء وأجواء ومناخات أكثرها مشبوه ومضلل.

عفواً يا عرب، فنحن لا نحسن الدفاع عن قضايانا التحريرية، وبالتالي نفشل بالدفاع عما تبقى من حقوقنا المدنية كما يجب. فالقضية ليست ربحاً أو خسارة، ولكن هناك من يخون الأوطان بوقاحة، ودون أن يدري يقع في مصيدة الاسترزاق أو المنصب أحياناً، وأحيانا أخرى لأن سفنه تشتهي عكس رياح طيب الأوطان وعطرها واستقلالها، وكأن هناك من يشده الحنين إلى التبعية لأمم أخرى لا تسعى إلا لمصالحها القومية، وتقوى شكوتها على أكتاف قضايانا ووطننا... فكن حراً لا كراً، وعادلاً لا مفرقاً ومؤججاً للأحقاد، ولا زارعاً للشوك، فلا تجني إلا الخزي وسوء المنقلب.

خلاصة القول ما قاله الراحل الفنان التشكيلي وليد قارصلي:

اعذروني...

في عقولكم شيء قد قلب

وفي أرواحكم قتلوا البذارا

أجسادكم صارت مطارا

كل من فيكم، مغترب

والمجد العريق أضحى دثاراً

لمَ نمت... ألم نرَ من توارى؟

ألم يكونا حزيران الملتهب

والتائهون في القفر حيارى؟

والذئب ينهش منا جهارا؟

عفواً...

أنتم لا تفعلون ما يجب

أنتم لا تخافون كما يجب

أنتم لا تموتون كما يجب

إقرأ أيضا لـ "سوسن البرغوتي"

العدد 3247 - الخميس 28 يوليو 2011م الموافق 27 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً