العدد 3251 - الإثنين 01 أغسطس 2011م الموافق 01 رمضان 1432هـ

يكفينا فرجة

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

تتنقل بعينيك من ليبيا إلى اليمن إلى سورية، تتابع على قنوات التلفاز أخبار مصراتة وتعز وحمص، وتمضي الأيام والليالي ولا تكاد ترى بينها اختلافاً: قصف وعصف، حناجر تهتف باسم الحرية وأسلحة وجدت أخيراً طريقها إلى الاستعمال ولكن للأسف بين الأشقاء وفي البلد الواحد. وهكذا تتجه الأحداث من سيئ إلى أسوأ. فالدماء العربية الطاهرة تسفك بأيادٍ عربية والهوّة تتسع بين أطراف الصراع داخل القطر الواحد.

لكن العجيب في ذا وذاك بل والمحيّر هو هذا العجز: عجز أبناء الوطن الواحد عن توفير الظروف والأرضية المناسبة للحوار قصد تحقيق المطالب المشروعة والممكنة وبالتالي إيقاف أنهار الدماء المسفوكة ونحن على أبواب شهر رمضان العظيم. نعم سورية التي أنجبت ولاتزال نخبة من المفكرين الذين كثيراً ما أتحفوا الفكر العربي بأفكار ونظريات، ليبيا التي طويلاً ما أمدت العالم العربي والإسلامي بعلماء الدين، اليمن رمز الحضارة والتاريخ العظيم... يقف جميعهم على أطلال الخراب وأخبار الموتى والشهداء.

سمِّهم ما شئت ضحايا... موتى... شهداء... وسط هذا الخراب المستمر ينكفئ النظام العربي الرسمي ويكاد يغيب بالكلية ويكتفي بالفرجة باستثناء المبادرة الخليجية في اليمن وكأن هذه المعارك الطاحنة في ليبيا وهذا العنف المفرط في استخدام القوة لقمع المظاهرات في سورية، وهذا التصلب في المواقف في اليمن وما ينجرّ عن كل ذلك من نكبات ومحن، كأن كل ذلك يقع على كوكب آخر، أو كأن هذه الدماء التي تسيل ليست دماء عربية مسلمة فإلى متى تستمر الفرجة؟

صحيح أن الصراع بين الأشقاء في البلد الواحد هو صراع داخلي، أو كما يقال شأن داخلي وأسبابه داخلية، غير أن البلد الذي اعتراه المرض هو عضو من هذا الجسد العربي الكبير أفلا تتداعى له بقية الأعضاء بالإصلاح والتوفيق بين أطراف النزاع؟ وخصوصاً أن هذه الاضطرابات تهدّد من قريب أو بعيد دولاً عربية مجاورة أو حتى بعيدة، مهما كان شعبها يعيش في رغد من العيش والديمقراطية؟ بل إن الخوف كل الخوف أن يؤدي التدخل الأطلسي إلى فرض مزيد من الانقسام الجغراسياسي في بلادنا العربية لحل هذه النزاعات كتقسيم ليبيا مثلاً على غرار السودان وربما اليمن ولِمَ لا سورية؟

نعم، لم يعد هناك مستحيل في طريق فرض سيناريوهات تفضي إلى مزيد من تغلغل الكيان الصهيوني في فلسطين وما جاورها، أو فرض خريطة الشرق الأوسط الجديد التي صمّمها أبناء العم سام.

وفي هذا الخضم المتطاحن، لسائلٍ أن يسأل أين الجامعة العربية تلك التي شرعت لتدخل الأطلسي في ليبيا ومهّدت له الطريق ليحقق ما عجز عن تحقيقه طيلة عقود سابقة؟ فها هو يبسط نفوذه على مواقع من المتوسط في السواحل الليبية لم يكن ليصل إليها لولا هذه الأزمة ولولا التسرع في الاستنجاد بالحلف الأطلسي. ألم يكن من الأجدى بذل الجهد ثم الجهد لتلافي هذا التدخل؟ ألم يكن من الممكن تفعيل آليات العمل الدبلوماسي داخل منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية ومنظمة دول عدم الانحياز وغيرها من المنظمات والمؤتمرات التي تنضوي تحتها ليبيا وسورية واليمن؟

لكن ها هي كما عودتنا جامعة الدول العربية تستكين وتختفي وراء عجزها ولا تستطيع حتى إصدار بيانات العجز والتنديد والشجب المألوفة. هكذا إذن تكتفي معظم الدول العربية بالفرجة رغم علمها أكثر من غيرها بأمزجة العرب وعقلياتهم ما يسهل عليها إعادة مد جسور التواصل بين الفرقاء - الأشقاء وإعادة بناء الثقة وتوفير أرضية تفاهم تساعد على تحقيق بعض المطالب المشروعة دون تهديد وحدة الوطن وتقديمه هدية للمتربصين بنا من أعداء هذه الأمة.

إن هذا الصمت العربي يخفي وراءه أسئلة عديدة ومحيرة، فهل تنتظر العواصم العربية مرور هذه العاصفة حتى لا تتأثر أجواؤها ببعض الهزات أو الشظايا؟ ربما يحتاج الأشقاء في سورية واليمن وليبيا إلى مبادرة صادقة تساعد على إيقاف الصراع وتترك حيّزاً للعقل والحكمة قبل أن يستفحل الداء في كامل أوصال البلاد

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3251 - الإثنين 01 أغسطس 2011م الموافق 01 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 10:08 م

      الصراع بين الأشقاء

      الصراع بين الأشقاء مأساة العصر للأسف فمتى يتوقف ول أن دعوة البرلمان العربي للآنعقاد بهذا الشأن يمكن أن تحقق جديدا

    • زائر 2 | 9:57 م

      فرجة وبعد

      صدقت أخي الكاتب
      أرجو أن تكون فرجة فحسب وأن لا تكون فرجة وشماتة كما نسمع من بعض الأصوات

اقرأ ايضاً