العدد 1364 - الأربعاء 31 مايو 2006م الموافق 03 جمادى الأولى 1427هـ

برادة: تبدأ الكتابة عندما يصبح التخيل أفقاً للحياة

متحدثاً في مركز الشيخ إبراهيم عن تجربته كروائي وناقد

قال الناقد والروائي المغربي محمد برادة إن الكتابة بجميع مفرداتها من رواية أو نقد أو غيرهما تكتسب هويتها حينما يبدأ الكاتب الكتابة في اطار الخيال. وأضاف: «تبدأ الكتابة عندما يصبح التخيل أفقا لتحديد علاقة الحياة مع الوجود فهو وسيلة لفهم العالم. صحيح أن الكتابة من خلال التعبير لا تغني عن الدخول الى المجتمع لكن امتياز الكتابة كوسيلة للتعالي يفرض علاقة أخرى مع الكتابة وهي علاقة تلقائية».

جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها برادة مساء الاثنين مايو/ أيار الماضي بمركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث والتي تحدث فيها عن تجربته في الكتابة: الحرية في مواجهة الانهيار.

وأوضح برادة: «ان الحديث عن تجربتي في مجال النقد والابداع لا يتقصد انتاج حقائق وانما هو بمثابة الحوار مع النفس بصوت مرتفع ومعكم من أجل اثارة أسئلة من خلال الولوج الى رحاب الأدب. فقد كنت ضمن مجموعة من الكتّاب الذين عاشوا ومارسوا الكتابة تحت شروط اجتماعية وثقافية متعددة في جو يخنق الأنفاس لكن الأدب حب لا شفاء منه وأنا هنا تحت رغبة مستعرة في استعادة تجربة تذكرني بتجربة تخلّق النص فهو نوع من النشوة يظل حنيني اليها حيا. ان رغبتنا في التعبير هي رغبة الاستمرار في الحياة على رغم محدودية الطاقة البشرية، فالتعبير هو التطلع الى أفق أرحب وهو ممارسة تساعدنا على فهم الذات. فالكتابة جزء من مغامرة الوجود وهي أحد شروط نشوء الوعي عندما يجابه اللايقين».


الإفلات من الواقع

وأضاف في السياق نفسه «ان تحولات المجتمع والقيم تظل مشدودة الى اللاوعي والى الجمع بين التاريخ الفردي والتاريخ العام وهذا التعاون العميق هو بمثابة تعارض السريرة مع العالم. وقد لا تكون الكتابة سوى محاورة لأفكار تعمق ذلك الشرخ الكبير بين التاريخ العام والتاريخ الشخصي. كأن الكتابة عن الذات هي عبارة عن فسحة للذات عندما تحاول أن تشيد عوالم مجاورة للتاريخ العام. وأحسب أن كتابتي للرواية هي لجوء للخيال في مواجهة العلاقة مع الآخرين. قد يكون هذا مجرد توهم لكن المسار الذي مررت به بين ثقافتين متباينتين دفعني إلى البحث عن متنفس. وأظن أن وهم التغيير هو ما وثق علاقتي بالكتابة. وكثيرا ما انجرفت مع وهم التغيير. ولعلي لا أبتعد عن الحقيقة عندما أقول إن يأسي من الفعل المباشر هو الذي دفعني إلى العمل على الكتابة. وان محاولتي في الكتابة هي محاولة الافلات من الواقع».


الفرادة والتطور

وعن أسلوبه في الجمع بين الفرادة والتطور قال برادة: «لقد خضت تجربة الكتابة لكي أخرج من اطار اقتباس الأشكال الى البحث عن شكل ملائم ومساءلة الذاكرة الخاصة وملاحقة ذواتي المتعددة مع الأخذ أيضا بالتخيل لأننا مهما ارتبطنا بأبعاد فإن الكتابة تقودنا الى مستوى أبعد من ضمان ضياع الهوية الشخصية. ان الاطلاع على الابداعات العالمية يدوّن في راسي الكثير من الأسئلة. وذلك ان الابداعات الفكرية هي مجال مشترك بين جميع الثقافات في محاولة الاقتراب من عدة أسئلة. فهناك اتجاهات يمكن أن تقاس من خلال أمور كثيرة لكن المشكلة تتعلق بالرواية التي تطلق الانفعالات خارج اطار الرواية من داخل نفس الثقافة. انطلاقا من ذلك أنا أميل الى التنوع بين الفرادة والتطور أي الى النصوص التي تهتم بالخصائص. ذلك أننا نعيش في مرحلة معينة تتقبل عدة طرق في التعبير سواء الاتجاه الواقعي أو غيره من التصنيفات لأن الكتابة تبدع نصاً مختلفاً عن الواقع لكن ذلك لا يمنع من امكان اعادة قراءة الواقع من حيث ما يحتويه من صدق».

وأضاف «فهل يمكن الأخد بمقولة من يزعم أن الكتابة من فراغ حتى لا مناص لنا من الاعتراف بأن الروائع قد قيلت ولنا حلم مخايل اننا سنضيف شيئاً يستعيد شيئا مما قيل. ومن ثم كان أن أتوسل بالكتابة لفهم ذاتي. عندما أرجع ذاكرتي الى الستينات ادرك المسافة الطويلة التي قطعناها خلال نصف قرن لذلك سرعان من أتبين أن الكتابة تحتاج الى استقلالية لانطلاق الذات. وأستطيع القول إن الكتابة فقدت أوهامها لأننا عندما بدأنا نفتح الأعين على الحياة المليئة بالصراع الأبدي بين الفرد وبين مؤسسات المجتمع. ومهما حاول الروائي أن يتنصل من الذاكرة ومن التاريخ فإن صورة الانسان المهزوم بسبب الهزائم المتكررة تظل ماثلة أمامه».


الروائي والناقد

وتحدث عن علاقته المتوترة بين الروائي والناقد وقال: «أنا مغربي قبل أن أحترف الكتابة، لكن عندما أكتب أحاول أن أخترق ذاتي، لكن من حق القارئ أن يبحث فيما أكتب عن بصمات انتمائي المغربي الاسلامي. وأنا من موقع العلاقة المزدوجة بين الكاتب والناقد أشعر دائما بتوتر قلّما يرسي على مكان آمن. ان كل هذه التأملات تبدو أقرب ما تكون الى تأكيد وعي فردي بتحقيق ذاتي المتخيلة وكأني أعوض عن عدم تحقيق ذاتي بالفعل المباشر. فالكاتب العربي اليوم يواجه تلك الأسئلة المقلقة: ما معنى أن أكتب ابداعاً باللغة العربية؟ كيف أوفق بين مجتمعات مهزومة وبين البحث عن أفق حداثي؟ فأنا عندما أفكر بطريقة تلقائية أشعر أني منبثق من عالم عربي منهزم، فالمقياس في السياسة هو العقل، فنحن نقيس التخلف على انتاج المعرفة»

العدد 1364 - الأربعاء 31 مايو 2006م الموافق 03 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً