العدد 1364 - الأربعاء 31 مايو 2006م الموافق 03 جمادى الأولى 1427هـ

خيانة الديمقراطية...

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

أشم رائحة الخيانة... خيانة الديمقراطية، بل ألمسها وأراها رأى العين، تبدو واضحة، وهو أمر مزعج بكل المقاييس، لأننا بدأنا الطريق نحو الديمقراطية نريد أن نمضي قدماً للأمام من دون أي تراجع...

وقد كان الشوق إلى الديمقراطية، والانعتاق من قيود النظم الاستبدادية الفاسدة، والانطلاق نحو الحرية والإصلاح والحكم الرشيد، هو الحلم الذي راودنا جميعا، طوال السنوات الماضية، وخصوصاً مع مطلع الألفية الثالثة، ومع نجاح مجتمعات كثيرة في العالم، في التحول اللافت من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، من دون دفع ثمن باهظ... فانه بعد هذه السنوات تحول الحلم، إلى ما يشبه الوهم، وها نحن نراوح مكاننا، نتقدم خطوة ونتراجع خطوات، نسمع حديثاً سياسياً وإعلامياً صاخباً، عن الإصلاح الديمقراطي، فنصدقه نسانده، لكننا حين نراجع الحسابات، لا نكاد نجد تقدماً عملياً أو نلحظ إنجازاً واضحاً، ينقلنا فعلاً، وليس بالقول، إلى مكانة أفضل، مقارنة بدول أخرى أقل شأناً، مع كامل تقديرنا لبعض الخطوات الإصلاحية الجزئية، التي جرت أخيراً...

ولذلك ندعي أن قضية الإصلاح الديمقراطي الأصيل، النابع من حاجتنا نحن، والمصنوع بأيدينا وأفكارنا، تتعرض لخيانة عظمى، لن تؤدي إلا إلى إصابة الحلم الديمقراطي في مقتل، على المدى القريب والبعيد على السواء، ونزعم أن هناك ثلاثة أطراف أساسية، تورطت في هذه الخيانة، هي على التوالي، نظم الحكم القائمة، والأحزاب السياسية والقوى الليبرالية التقليدية، ثم الولايات المتحدة الأميركية داعية التبشير بفرض الديمقراطية ونشرها، حتى ولو قسراً، لقد ساهمت الأطراف الثلاثة في عرقلة أو إبطاء التقدم الديمقراطي!

أولاً: حين نقرأ الواقع عبر العقد الأخير، لا نكاد نجد حكومة أو دولة، أو نظاماً حاكماً، في المنطقة العربية، قد حقق إنجازاً رئيسياً وجوهرياً، بالانتقال الفعلي، إلى نظام ديمقراطي حقيقي، ولكن هناك طبعاً خطوات هنا، ومتغيرات هناك تحققت، سميت إصلاحا ديمقراطياً، وجرى تسويقها داخلياً وخارجياً، على أنها حولت البلاد إلى واحة للديمقراطية...

ومع تقديرنا للإصلاحات الديمقراطية الجزئية، الجارية في بعض البلاد مثل مصر والمغرب ولبنان والكويت واليمن والأردن، إلا أن واقع الحال والقياس بالمعايير الدولية والمحلية المتعارف عليها، تقودنا إلى استنتاج أساسي، هو أن الإصلاح الجزئي المتردد، هدفه التسويف والمماطلة والتأجيل، وقطع الطريق على إنضاج الشوق الشعبي للديمقراطية، وإجهاض التحول الحقيقي نحو انطلاق الحريات الأساسية، وذلك بإعادة استغلال الواجهات الانتخابية، المزورة في معظم الأحيان، غطاء وحيداً وشعاراً أوحد للديمقراطية المزعومة.

وقد كانت كل الآمال مركزة على مصر، صاحبة الخبرة والمؤسسات السياسية والتجربة الديمقراطية القديمة، لكي تكون هي الرائدة الجديدة، في التحول الجوهري إلى الديمقراطية، اتساقاً مع ميراثها وخبرتها وإمكاناتها، وتناغما مع التحولات العالمية الكبرى في هذا المجال، إلا أن الواقع يدل على أن «البيروقراطية المصرية التاريخية» مازالت صاحبة اليد العليا، التي تعرقل التحول الديمقراطي المنشود، وهي التي تجهض بشراسة كل السياسات المعلنة لإطلاق الحريات الأساسية، وصولا لاستخدام القبضة الأمنية في تحقيق أهدافها...

وها هي النتائج واضحة، إذ التراجع والتباطؤ الواضح، وإذ التسويف والتأجيل والترحيل هي السياسة المعتمدة من القمة إلى القاع، وإذ ما يعلن اليوم، يلغى أو يؤجل غداً، وعلى سبيل المثال، فقد كان الأمل في بدء التحول الديمقراطي الحقيقي خلال العامين - ، لكننا لاحظنا أن سياسة خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف مازالت حاكمة متحكمة، فالإصلاحات الدستورية الموعودة، تأجلت إلى صيف العام وفقاً لما أعلن، بينما تم تمديد حال وقانون الطوارئ لعامين، انتظارا إلى صوغ وإقرار قانون الإرهاب، والانتخابات البرلمانية التي جرت، تعرضت للانتقاد والاتهام الموروث، بالتزوير والتزييف والطعن، في قانونيتها وشرعيتها، وقوانين مهمة مثل قانون استقلال السلطة القضائية، وقانون تحرير الصحافة وإسقاط العقوبات السالبة للحرية في قضايا الرأي والنشر، وقانون النقابات المهنية، مازالت مع غيرها تتعرض للمماطلة والمساومة والتسويف...

وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على أن الصراع بين دعاة الحرية الديمقراطية، من ناحية، والمستفيدين من بقاء واستمرار تحالف الفساد والاستبداد من ناحية أخرى لايزال لم يحسم بعد، بشكل جذري، لا في القمة ولا في القاع، بما يتيح الفرصة لتحالف الفساد والاستبداد، لاحتمالات الانتصار، في ظل الإمكانات المتاحة أمامه، عبر تحكمه في شرايين السلطة والاقتصاد ورسم السياسات وتنفيذها!

ثانياً: ومقابل ذلك، ولأسباب عدة، خانت القوى والأحزاب السياسية القائمة، حزباً شرعياً، قضية الديمقراطية وتقاعست عن التضحية من أجلها، وفشلت فشلاً ذريعاً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وخفت صوتها وقد كنا نعول عليه، وانكفأت التيارات والأحزاب القومية واليسارية على فشلها (نموذج حزب التجمع والحزب الناصري) وارتدت الأحزاب الليبرالية القديمة على نفسها، فمارست عادتها في الانشقاق والصراع على المناصب (نموذج ما جرى في حزب الوفد) وفشلت محاولات تشكيل جبهة تحالف واسع بين كل هذه الأحزاب لمواجهة متطلبات التحول الديمقراطي واستحقاقاته...

وبينما انصرف الحزب الوطني الحاكم، في لملمة أحواله، ومواجهة إخفاقه الدفين، في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (وقد حصل عمليا على في المئة فقط) وفي استعادة الشاردين والمفصولين، لتدعيم غالبيته البرلمانية، فإن الرابح الأساسي في لعبة الصراع، هي جماعة الإخوان المسلمين، غير المعترف بها قانونيا، التي فرضت نفسها سياسيا وواقعيا، بفوزها بثمانية وثمانين مقعداً في البرلمان في سابقة فريدة، أخافت جميع القوى السياسية، سواء التي ركبت الحكم من جديد، أو تلك التي تراجعت وانتكست، ومازالت تشكو الحكومة وتتهمها بأنها المسئول الوحيد في فشلها، وفي نجاح الإخوان...

وبقدر ما يتشكك كثيرون ومعهم كل الحق، في مدى إيمان الإخوان بالديمقراطية، واستمرارهم على نهجها وفكرها من الآن فصاعداً، بقدر ما استغلت الحكومة والبيروقراطية المتحالفة مع الفساد والاستبداد، نجاح الإخوان في البرلمان بهذا الشكل الصادم والمفاجئ، مبرراً جديداً، لتعويق الإصلاح وإجهاض حتى نواياه، والإصرار على المماطلة والتسويف، جنبا إلى جنب مع إظهار الأنياب والأظافر الأمنية، تواجه الجميع بإجرءات قمعية، بما في ذلك قمع حق التظاهر والتعبير عن الرأي، المكفول دستوريا للمواطنين، ضمن الحريات الأساسية المعروفة.

وبينما انتكست القوى والتيارات والسياسات، حتى النوايا والتعهدات، بانطلاق الإصلاح الديمقراطي الحقيقي، وليس الجزئي، ركب الإخوان الموجة، وصاروا المعادل الظاهر والمعارض الرئيسي للحكم، وإن ظل ذلك ظاهريا، فقد نجحت «قوى التغيير الجديدة» في دخول الساحة بقوة وفرض كلمتها على التحولات القائمة والقادمة، وتمثل ذلك في تحرك القضاة والصحافيين وعدد من المهنيين والحركيين والنشطاء الجدد، الذين طرحوا مطالبهم ورفعوا شعاراتهم، عبر مسالك وطرق مختلفة، بما في ذلك التظاهر المعرض للقمع والاعتقال.

وأظن أن علينا أن ننظر بجدية وواقعية جديدة لقوى التغيير الجديدة هذه، ليس فقط لأنها تمثل النخب، وربما المهن، ولكن لأنها تعبر عن طموح قوى إلى التحول الديمقراطي، ولأنها تتجاوز فشل الآخرين... وخيانتهم للديمقراطية، ولأنها تملك الجرأة في التحرك، والوضوح في الرؤية، والرغبة في التغيير المستقاة من شوق شعبي عام، للإصلاح الديمقراطي الحقيقي والشامل، وخصوصاً بعد أن تسببت الأزمة الاقتصادية الاجتماعية، بتجلياتها الواضحة، في اتساع الفقر وارتفاع البطالة، وانفجار الأسعار وضيق الرزق، فدهمت طبقات الشعب المختلفة، باستثناء تلك الشريحة الصغيرة الراكبة فوق قمة الهرم، تلاعب الجميع وتستغل الجميع، وتتحصن بالفساد والاستبداد الخائن بالضرورة للديمقراطية فكرا وأسلوبا...

ثالثاً: بقي الخائن الأكبر، الذي ضحى بالمبادئ والقيم والأفكار الليبرالية، ونعني الولايات المتحدة الأميركية وتوابعها في الغرب، ونظن أن الخيانة الأميركية للإصلاح الديمقراطي، واضحة وضوح الشمس، وأسبابها ونتائجها عدة، ترتبط بالفكر والاستراتيجية الأميركية الرئيسية...

فمنذ البداية، وقبل سنوات قلنا إن أميركا لا تريد لنا إصلاحاً ولا ديمقراطية، ولا تحولا ولا تغييرا، ولكن أميركا تستغل كل الظروف، وتستخدم كل الأدوات «بما في ذلك جيوش الحلفاء والأصدقاء بل والعملاء» لتحقيق أهدافها وحماية مصالحها الحيوية هي قبل غيرها، بصرف النظر عمن يحكم هنا أو هناك، دكتاتورا كان أو ديمقراطياً...

قضية الخيانة الأميركية للديمقراطية في بلدنا، معقدة متشعبة، تستدعي تفصيلاً أكبر وتدقيقا أكثر، ولذلك سنؤجل الحديث فيها إلى الأسبوع المقبل، بإذن الله...


خير الكلام:

يقول أبوالعلاء المعري:

ظنــــنــت أني وحــدي مخطــئ فـــإذا

أفعـــــال كل بنـــــي الدنيــا كأفعــالي

امين عام اتحاد الصحافيين العرب

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1364 - الأربعاء 31 مايو 2006م الموافق 03 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً