العدد 1369 - الإثنين 05 يونيو 2006م الموافق 08 جمادى الأولى 1427هـ

هل نندهش بما فيه الكفاية في الكويت؟

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

بعد معركة طويلة خاضتها مجموعة من ناشطات نساء الكويت لأجل نيل حقوقهن السياسية، وبعد مقاومة من قوى اجتماعية نافذة ومعطلة بلغت أربعة عقود من الزمن، ها هي الانتخابات النيابية العامة على بعد ثلاثة أسابيع تقريباً من اليوم وتشارك فيها النساء لأول مرة.

حتى نصل إلى الحقيقة، وهي حقيقة اجتماعية، مفادها هل تخترق امرأة كويتية الحصار السياسي إلى قبة البرلمان أم تقف التقاليد حجر عثرة أمامها؟ علينا أن ننتظر قليلاً، عندها سنرى ما إذا كان الحديث عن الحق السياسي للمرأة منحصراً في حقها النسبي لممارسة الانتخاب فقط، أم هو حق مطلق للوصول إلى سدة البرلمان للمشاركة في الرقابة والتشريع، عندها سنرى هل فعل العامل الاجتماعي والثقافي هو الذي سيقرر، أم أن هناك وعياً سياسيا جديداً يتشكل!

حتى لا يندهش البعض، فإن المرجح ألا تصل أية امرأة إلى السدة البرلمانية في هذه الدورة، لعدد من الأسباب بعضها موضوعي، وبعضها ذاتي. الموضوعي أن الانتخابات وتوقيتها فاجأت الجميع، كلٌ كان يعتقد أنها ستكون في صيف العام المقبل ()، إلا أنها تحركت بفعل عدد من القضايا إلى قبل ذلك الموعد بعام. فلم يكن هناك استعداد من قبل النساء وكثير من الرجال لهذا التوقيت المفاجئ، ما يُفوت (عليهن) خصوصاً فرصة ثمينة للاستعداد للمعركة. ولأنها معركة حاسمة بعد جدل طويل بشأن تغيير الدوائر الانتخابية، فالكثير من الناخبين يرون أن القضية إما مع وإما ضد، لذلك فإن الالتفات الاجتماعي لتوصيل ولو امرأة واحدة على سبيل التفاخر إلى السدة البرلمانية لا يحظى بزخم شعبي كبير، لأن الأجندة تتفوق عليها أمور أخرى ملحة.

أما الأسباب الذاتية فهي كثيرة، تختلط فيها الثقافة الشعبية بنظرة المرأة إلى نفسها وإلى غيرها في المجتمع، الذي لايزال في الغالب مجتمعاً ذكورياً، يشكل فيه خضوع المرأة للرجل قيمة إيجابية لا سلبية.

ستقول لنا الأيام القليلة المقبلة عندما تحتدم المنافسة شيئاً عن شكيمة «الكويتية» والمرشحات مثالاً، هل تلجأ إلى الدموع والشكوى أم تتحول إلى مقاتلة سياسية ترد الصاع صاعين إلى منتقديها ومناوئيها السياسيين. إذا كان التصور الاجتماعي له الغلبة، فإن المفاجأة التي هي ليست مفاجئة أن يلجأ عدد من النساء المرشحات للانتخابات إلى تكتيك «الانسحاب»، لسبب أو لآخر، وهو تكتيك يستخدمه بعض الرجال أيضاً، إلا أن الذرائع النسائية لمثل هذا الموقف ستكون مبررة بموقف الرجل السلبي من المرأة، وستكون من جهة أخرى، نكسة اجتماعية إن بقيت بعض النساء في السباق حتى نهايته، ولم تحصل إلا على عدد متواضع من الأصوات. عندها ستعود من جديد نغمة أن المرأة غير قادرة على دخول معترك السياسة. إنه تطور سيقرر الكثير في المستقبل.

كسالى المعرفة سيعتقدون مسارعين أن النساء في الكويت لا تأثير لهن على الحوادث، وهذا غير صحيح، وحكم متسرع تكذبه الحقائق المعروفة، فانتخابات الجمعيات التعاونية والانتخابات الطلابية تساهم فيها النساء في الكويت منذ زمن. وإذا كانت ممارسات تلك الانتخابات رفيقاً نستأنس به، أو أصلاً يُقاس عليه، فإن مشاركة المرأة تتعدى عدد الرجال في كلا الحقلين، ففي دراسة أخيرة لانتخابات الجمعيات التعاونية، تبيّن أن عدداً من بين من توجه إلى صناديق الانتخاب كانت للمرأة غالبية الثلثين تقريباً، وهذا يحدث في اتحاد الطلبة. إذا قسنا على ذلك فإن النساء سيكون لهن الصوت الحاسم في التأثير على نتائج الانتخابات النيابية المقبلة، علما بأن عدد المسجلين من النساء في معظم الدوائر يفوق عدد الرجال، بسبب الحجر القانوني على رجال الأمن والجيش من خوض الانتخابات كناخبين.

مساهمة المرأة الكويتية في الانتخابات ستكون حاسمة في الترجيح من حيث التصويت لبعض المرشحين، ومن الملفت أن بعض رجال مجلس الأمة السابق (الذي أقر بعد مقاومة) حق المرأة في الانتخاب والترشيح، وفقد ولايته حديثاً، وكانوا في أقصى المعارضة لفكرة دخول المرأة المعترك السياسي من حيث التكييف الديني أو السياسي أو الاجتماعي، هم اليوم أكثر من سارع في التحضير للجان المرأة، وبعضهم رسم على شفتيه ابتسامة عريضة وهو يصور معهن صورة جماعية إشارة إلى (مناصرة حقوقهن السياسية)، قد انقلب البعض على ما كان يروّج له، وهذا ما يؤكد للبعض خطورة خلط الممارسات السياسية والاجتماعية بما هو ثابت في الدين، فالدين ثابت ولكن المعرفة الدينية متغيرة، مع اتساع استخدام العقل وتضييق فرص النقل.

ومن الملاحظ، على رغم أن المعركة الانتخابية في تحضيراتها الأولى، تكثيف اللقاءات النسائية بين بعضهن لحشد الأصوات لمرشح أو مرشحين يرون فيهم الكفاءة، وتتجادل بعضهن في الملتقيات أو في مكاتب العمل، بل إن بعض الأسر بناء على اقتراح النساء، غيّروا من خططهم لبدء العطلة الصيفية فأرجأوها حتى انتهاء الانتخابات آخر الشهر الجاري.

دخول المرأة الكويتية إلى ساحة الانتخابات والترشيح يعني إعطاءها زخماً وفرصة لتوسيع الوعي السياسي وكانت بعيدة عنه لفترة طويلة. والخطوة تؤسس تناقضاتها كمثل أي تحرك اجتماعي، وتتحول إلى تكوين خواص جديدة في المجتمع يؤسس عليها. فلن يكون المشرِّع قادراً بعد الانتخابات المقبلة، على تجاهل مطالب المرأة، لاسيما الحياتية أو المطلبية منها. لذلك فإن المتوقع أن تتفجر مطالب جديدة لإصلاح قوانين الأحوال الشخصية وزواج الكويتيات من غير كويتيين والعكس، أو الإساءة العضوية إلى المرأة والطفل، أو حقوق التملك والتجنس، التي برز بعضها اليوم في الخطاب الدعائي لبعض المرشحات.

إذا كان ثمة إصلاح مطلوب في المدى المتوسط كي تقوم المرأة بدور سياسي إيجابي في المجتمع، وليس سلبياً كما هو متوقع في الدعم والترجيح فقط، فإن علينا أن نصلح ابن العم الفقير للسياسة، وأعني به الثقافة، فالثقافة العربية، ومن ضمنها الممارس في الكويت، تؤسس لوضع المرأة في الدرجة الثانية في التعاطي الاجتماعي. ومن القصص القريبة إلى تفسير ذلك المعنى أن الديمقراطية التوافقية الممارسة في الكويت مازالت لا تهضم مشاركة المرأة، حتى عندما دخلت الوزارة، فكانت الوزيرة الأقل مساءلة من قبل النواب، كونها امرأة!

نتيجة الانتخابات المقبلة في الكويت ستقرر ما إذا كان حرمان المرأة من لعب دورها السياسي، هو إرادة سياسية أم هو موقف اجتماعي، ولعلي استبق النتائج بالقول إنه موقف اجتماعي لا تنفع في تقويمه القوانين والتشريعات بأكثر مما ينفع في إصلاحه «إصلاح الثقافة المجتمعية». وسيكون مفيداً في هذا الأمر مراقبة الحملة الانتخابية، وردود فعل الإعلام العربي والعالمي بشأنها. إنها تجربة تستحق أن ترصد، إلا أن المفاجآت فيها ستكون قليلة

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1369 - الإثنين 05 يونيو 2006م الموافق 08 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً