العدد 1391 - الثلثاء 27 يونيو 2006م الموافق 30 جمادى الأولى 1427هـ

أيهما يعبد الآخر: الشعوب أم الحكام؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

طرأت فكرة هذا المقال عندما استمعت قبل بضعة أشهر للرئيس اليمني علي عبدالله صالح عندما أكد أنه لن يرشح نفسه لولاية أخرى مهما كانت الأسباب... ومنذ ذلك اليوم وأنا متأكد أن الرئيس لن يصدق في كلامه وان لحظة التراجع ستأتي لا محالة وقبل موعد الانتخابات بفترة قصيرة.

وجاءت هذه اللحظة قبل بضعة أيام وعبر سيناريو رأيناه يتكرر في أكثر من دولة عربية وبطريقة غبية ما كنت أحب ان يقع فيها أي حاكم عربي فضلاً عن الرئيس اليمني الذي له مواقف طيبة داخل بلاده وخارجها... الذي جرى في اليمن جرى قبل ذلك في مصر أيام حكم الرئيس جمال عبدالناصر وكنت آنذاك طالباً في الثانوية وكنت أتابع حوادث الحرب وما تبعها من وقائع ومنها إعلان عبدالناصر مسئوليته الكاملة من الهزيمة وانه لذلك سيقدم استقالته من رئاسة الدولة... وبعد اعلانه رأينا عبر أجهزة الإعلام كيف ان مئات الآلاف عن المصريين قدموا من كل المحافظات المصرية فضلاً عن الموجودين في القاهرة وأعربوا جميعاً عن اصرارهم على بقاء الرئيس في منصبه مهما كانت الظروف وان مصير مصر مرتبط بشخص الرئيس وان استقالته تعني ضياع هذا البلد بكل من فيه وبطبيعة الحال وأمام هذا الالحاح واستجابة لرغبة الشعب الطيب تفضل الرئيس - رحمة بشعبه - وقَبِل الاستمرار في الحكم.

عرفت بعد ذلك ومن بعض من شارك في هذه المظاهرات كيف كانوا يؤخذون من بيوتهم في كل المحافظات وكيف كان يطلب منهم ترديد بعض العبارات التي تدعو الرئيس إلى البقاء في منصبه، هذا فضلاً عن كل اتباع الدولة الذين ذهبوا للمشاركة على رغم انوفهم.

ما جرى في مصر آنذاك جرى في اليمن بالصورة نفسها قبل أيام وكأن الناس في اليمن وخارجه لا يملكون من الفهم ما يمكنهم من إدراك هذه التمثيلية السيئة الاخراج والهدف. إن الذي يتابع ما يجري في عالمنا العربي يدرك بسهولة كيف أن كل حاكم يبذل كل طاقته ليبقى في الرئاسة حتى يموت ضارباً بكل القوانين عرض الحائط.

بعضهم يغير القوانين ويفصّلها حسب مقاسه ليبقى حاكما طوال عمره، وبطبيعة الحال البرلمانات المعينة من الحاكم لديها القدرة على تفصيل القوانين حسب رغبة سيدها، وانظروا إلى ليبيا، تونس وسورية لتعرفوا حقيقة القوانين وكيف يسخر بها وبعقلية المواطنين في تلك البلاد.

البعض الآخر يسعى للبقاء حاكما مدى الحياة ولكنه في الوقت نفسه يسعى لتوريث ابنه بعد وفاته أو عجزه الصحي، وما يحدث في مصر مؤشر على ذلك، وبطبيعة الحال يتم كل ذلك عبر القنوات الشرعية وما على الشعب إلا أن يصدق ما يجري على رغم أنفه.

سؤالان يتبادران إلى ذهني وانا أشاهد هذه الحال تتكرر هنا وهناك هل هؤلاء الحكام بحاجة إلى هذا العمل الغبي الذي يسيء اليهم؟ أليس بإمكانهم القول إنهم سيبقون حكاماً مدى الحياة بدلاً من استغفال شعوبهم؟

والسؤال الآخر: هذه الشعوب التي نراها في تلك المظاهرات والتي تتلفظ بعبارات غبية وتعلن عن استعدادها لعمل كل شيء لكي يبقى الرئيس في منصبه لأنه الرجل الذي لا بديل له، أقول ألا يخجل هؤلاء من ابتذال أنفسهم إلى هذه الدرجة؟ لماذا يقبلون ان يشاركوا في مهزلة معروفة النتائج؟ هل هذا هو نموذج الشعوب العربية؟

هذا الحاكم - أيا كان - ماذا سيكون مصير شعبه لومات فجأة؟! هذا الحاكم - أياً كان - ألا يشعر بشيء من الخجل وهو يقدم بهذه التمثيلية التي يعرفها كل الناس؟. هل هذه هي صفات الحاكم العربي؟

هؤلاء الحكام يريدون ان يقولوا إنهم كل شيء في حياة شعوبهم، وان أي معارضة لن تستطيع الوقوف في وجوههم وبطبيعة الحال مئات الآلاف هنا وهناك دليل قوي - حسب زعمهم - على حب الناس لهم.

عمل سيء لا يليق بأي شعب ولا بأي حاكم... كل من يرى هذه المسرحية - خارج دائرتنا العربية - لابد أن يتساءل هل الشعوب العربية تعبد حكامها إلى هذه الدرجة؟ وهل حكامهم يعبدون أنفسهم إلى هذه الدرجة أيضاً فلا يتركون مناصبهم إلا مرغمين؟!

ليت حكامنا وشعوبنا يراجعون أنفسهم ليبقوا لنا شيئاً من الاحترام أمام الآخرين فقد كدنا أن نضيع

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1391 - الثلثاء 27 يونيو 2006م الموافق 30 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً