العدد 3267 - الأربعاء 17 أغسطس 2011م الموافق 17 رمضان 1432هـ

بين احترام الموت والخوف منه

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

الاحترام أكبر درجة من الخوف. الاحترام فهم واستيعاب وتقدير ومعرفة بموضوع الاحترام. الخوف من شعور... مكان... زمان... شخص... مجموعة... دول... كيانات... سياسات، لا يحمل القدر نفسه من الفهم والاستيعاب والتقدير والمعرفة.

الخوف منطلقه القوة المتجاوزة لقوتك وكفاءتك وقدرتك على المواجهة. مواجهة موضوع القوة.

الموت أحد الموضوعات التي نختزن لها كمّاً وافراً ومهولاً من الخوف لا الاحترام. قليلون منا هم الذين يحترمون الموت. ولو حدث أن تم احترامه لكانت المراجعات بعده أفضت إلى مدن فاضلة وكيانات فاضلة وعالم فاضل في عمومه. الخوف لا يولّد احتراماً. خوفك ممن يجاوزك قوة وسطوة لا يعني في أقل درجة احترامه في الدرجة الأقل. أنت تمقته وتحيل ذلك المقت إلى خوف هو بمثابة حصب أو حطب جهنمك. جهنم خوفك منه. لا احترام في الأمر. الاحترام احتواء لروحك وذاتك في حدوده المتزنة. احتواء بالمفهوم الإيجابي. الاحترام وقوف على الصنيع ووقوف على امتياز الفعل وفرادته ووقوف على ذروة الحس ووقوف على قمة انجذابك لموضوع الاحترام. على النقيض من الخوف. أنت تتوارى خلف عجزك بالخوف من طرف وموضوع الخوف، وليس بالضرورة عجزك. ربما تصطنع العجز لاعتبارات تفاصيلها لن تحرف الموضوع عن اتجاهاته ومساراته.

قليلون هم الذين يحترمون الموت في عالمنا اليوم ولا يخافونه. عالم فائض بالغفلة والسهو واللهو والغياب شبه الكلي عن الحركة في جانبها النقيض من الحياة. والقلة أولئك يحافظون على توازن الحياة بيننا. توازن بمعنى الالتفات والإلماعات التي لا تفوتهم لتنبيهنا وإنذارنا. من البدهي القول، إن الخوف من الموت نفي لكل شجاعة يمكن أن تتولد في أي فرد منا، وفي الوقت نفسه يمكن القول، إن احترام الموت يحوي قَدْراً هائلاً من الشجاعة والمواجهة. شجاعة فهمه واستيعابه وتقدير حركته ومعرفته ومباغتته، ومواجهته في جاهزية الوعي والإدراك بأنه زائر لا ضوابط له في الحضور بالمفهوم الأرضي من حيث إنذاره وتنبيهه ولفت النظر إليه. يكفي أنه يضع من الإنذارات والتنبيهات ولفت النظر وبشكل يومي ما يجعل الواحد منا أكثر إدراكاً لمعناه وفلسفته وقدرته على المباغتة. المباغتة موهبة الموت الأولى لا يجاريه فيه أي معنى أو مفهوم في وعينا العام والخاص. العام في حركة الموت الدائبة من حولنا بامتداد العالم، والخاص فيما تطالنا من تلك المباغتة باختطاف وغياب أحبة كانوا بالنسبة إلينا عصب العالم من حولنا. عالمنا الخاص.

نواري عشرات الأصدقاء والأحبة في طرفة عين وعام، وينصب احترامنا للموت بشكل لحظي وآني بتتبعنا ومعايشتنا لتلك الطقوس بشكل مباشر وحي. أن نشهد مواراة من نحب. ثمة احترام لحظي وخوف طاغ. طغيان الخوف ذاك هو الذي ينسينا الدرس وينسينا الفارق بين الاحترام والخوف.

الموت بالنسبة إلى الغافلين نكتة ضائعة. والنكتة لا احترام لها وخصوصاً إذا أمعنت في مجونها وغفلة مضامينها والانفصال عن حركة الوجود وحقيقته والموت والمزاح الذي لا يعرفه والإخطار المسبق الذي ليس من مهامه.

احترامك للموت هو تسلح يمنحك احترام الموت لك. احترامه لك في الطريقة والمكان والزمان الذي يختاره في مباغتته واختياره لك.

تظل في قلعة صامدة بدأبك على احترام الموت؛ وتظل في عراء منتهب بخوفك منه من دون سجل يقدم هيبتك له.

في الفضاء العام من الممارسة السياسية اليوم؛ تظل مشكلة النظم السياسية المستبدة أنها في حل من احترام الموت عدا الخوف منه، والدليل أنها تمارس وبشكل يومي فعل الإماتة من الباطن. كأنها مكلفة به؛ بل هي قاتلة للحياة من حولها. معنية بحياتها هي والمنتفعين من وجودها وامتيازاتها. وقبالة توهم التكليف الذي اطلعت عليه وباشرته، لا مكان لاحترام أي كائن عداها؛ عدا المنتمي إليها، وعدم احترام الموت أو الإماتة التي تمارسها تجعلها بمعزل عن تلك القيمة؛ لكنها في الصميم من الخوف. الخوف من أن تنتبه على نفاد صلاحيتها من الوجود؛ ما يجعلها أكثر موهبة في الذهاب طويلاً في التفويض الوهمي والمصطنع لممارسة فعل الإماتة.

الإماتة انسجام مع حس وحقيقة الخوف أكثر منه انسجاماً وملاءمة مع وعي الاحترام لحقيقة الموت وما بعده

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3267 - الأربعاء 17 أغسطس 2011م الموافق 17 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 3:35 م

      مشكلة النظم السياسية المستبدة أنها في حل من احترام الموت ... صحيح .... ام محمود

      إن قيام مجموعات تابعة الى نظم سياسية تدعي الديمقراطية والتحضر والرقي بقتل آلاف من الناس والطرفين من المسلمين الذين يصلون ويصومون ولكن الفتن عمياء إذا حلت في أي بلد فان الموت ينتشر سريعا ولا يحترم طفلا ولا شيخا ولا امرأة ولا مريضا أو معاقا .. طريقة القتل الوحشي تذهل العقول وتحيرها ..
      لو نظرنا الى الأخبار هذه الأيام والشهور التي مضت جميع العناوين بها موت وبنسبة كبيرة جدا سوى موت في الحروب أو في الفتن أو في سقوط الطائرات أو في العواصف والفيضانات والزلازل أو بصواعق البرق أو بالتفجيرات مثل العراق

    • زائر 16 | 3:27 م

      كل نفس ذائقة الموت و إنما توفون اجوركم يوم القيامة ... صدق اله العلي العظيم ..... ام محمود

      لا يوجد شيء في الدنيا أصعب من الفراق ووداع الأهل والأحباب الوداع النهائي الذي لا رجعه فيه.. بعد الموت تبقى الذكريات سوف تتذكرين في كل وقت وكل دقيقه صورة من فارقتيه ومن غادرت روحه الطاهره الى السماء وبقيت أغراضه وحاجياته بقربك هنا الألم سيعتصرك خاصة إذا نظرتِ الى الغرف والسرير والأثاث وجميع الأمكنه التي جمعتكِ مع الفقيد
      أنا فقدت ثلاث من الزميلات المعلمات أصابهن المرض الخبيث و انتقلن الى جوار ربهن بسرعة ما زلت أتذكرهن خاصه حركتهن في المدرسة في الممرات والصفوف
      الانسان ليس له سوى الصبر والايمان

    • زائر 15 | 3:12 م

      الى الأخت العزيزة سوسن دهنيم أقدم التعازي لكِ بفقدكِ زوجكِ ووالد أطفالكِ ما أصعبها من لحظات ....... ام محمود

      من أقوال الامام علي ع عن الموت :
      النفسُ تبكي على الدنيا وقد علمت *** أن السعادة فيها ترك ما فيها
      لا دارٌ للمرءِ بعد الموت يسكُنهـا *** إلا التي كانَ قبل الموتِ بانيها
      فإن بناها بخير طاب مسكنُـه *** وإن بناها بشر خاب بانيها

      أموالنا لذوي الميراث نجمعُها ***ودورنا لخراب الدهر نبنيها
      أين الملوك التي كانت مسلطــنةً ***حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
      فكم مدائنٍ في الآفاق قـــد بنيت ***أمست خرابا وأفنى الموتُ أهليها
      لا تركِنَنَّ إلى الدنيا وما فيهـا ***فالموت لا شك يُفنينا ويُفنيها

    • زائر 14 | 9:50 ص

      لك أجران

      أيتها المؤمنة لك أجران، أجر المصيبة وأجر الصبر عليها. عظم الله لك الاجر.

    • زائر 13 | 7:50 ص

      كلمات جميلة ،،،

      الموت انتقال للخلود الابدي ..بين جنة او نار .
      عظم الله لك الاجر يا اختنا الفاضلة ..

    • زائر 12 | 6:33 ص

      الموت هو سنة الحياة في توالي الأجيال

      لا يوجد إنسان على الأرض لا يخاف من الموت ولكن عندما يعرف حقيقة وفلاسفة الموت فأن هذه الخوف سوف ينجلي منه ويكن راضياً قانعاً بالموت. والمولى القدير ذكر الموت قبل أن يذكر الحياة في كتابه المجيد حيث قال:( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم حسن عملا وهو العزيز الغفور). الموت هو سنة الحياة في توالى الأجيال. أما الاحترام المبني على خوف من الأذى أو الضرر لا يكن احتراماً بل يعد عيباً

    • زائر 11 | 6:31 ص

      الموت هو الحياة

      الاستاذة العزيزة
      الموت هو الحياة

    • زائر 10 | 5:29 ص

      صبر جميل يا أخت سوسن

      ليس للإنسان اي قدرة على دفع القدر إذا وصل له فكيف يستطيع دفعه عن حبيبه . عليكِ بالصبر واحتساب الأجر من الله فأنت المؤمنة بقضاء الله وقدره . كلنا أصابنا الحزن لفقدنا الراحل العزيز وخسرنا خسارة كبيرة . لكن ما يعزينا وجودك وابنيك لتواصلوا المسيرة واكملوا مشوار الحياة الصعب . كل التعاز لك والهمم الله الصبر والسلوان . اخوك : محمد جعفر فضل

    • زائر 9 | 4:14 ص

      نعم الرجل

      بقلوب تحترق من ألم فراق احد ابطال البحرين نرفع لك يا اختنا العزيزة احر التعازي ونسأل الله ان يلهمكم الصير والسلوان والثبات نعم لقد كان فقيد البحرين نموذج للشاب المكافح الصابر المحتسب ، ولو اردنا ان نكتب سيرة نضاله لخطة بماء الذهب امثال الراحل ليسوا لهذه الدنيا الفانية والله بل هم رسل للعبر فما اكثر العبر واقل المعتبر الراحل ضرب اروع مثال وسطر قصة نضال رحم الله أستاذنا الغالي وحشره من أولياء الله الصالحين رحمك الله يا حسين

    • زائر 8 | 4:13 ص

      نعم الرجل

      بقلوب تحترق من ألم فراق احد ابطال البحرين نرفع لك يا اختنا العزيزة احر التعازي ونسأل الله ان يلهمكم الصير والسلوان والثبات نعم لقد كان فقيد البحرين نموذج للشاب المكافح الصابر المحتسب ، ولو اردنا ان نكتب سيرة نضاله لخطة بماء الذهب امثال الراحل ليسوا لهذه الدنيا الفانية والله بل هم رسل للعبر فما اكثر العبر واقل المعتبر الراحل ضرب اروع مثال وسطر قصة نضال رحم الله أستاذنا الغالي وحشره من أولياء الله الصالحين

    • زائر 7 | 3:29 ص

      عظم الله أجرك

      ألهمك الله الصبر والسلوان , وأسكنه جنة الرضوان

    • زائر 6 | 3:05 ص

      عظم الله أجرك

      الله يصبرك بفقد عزيزك والله يسكنه فسيح جناته

    • زائر 5 | 2:56 ص

      عزيزتي الغالية سوسن :

      عظم الله لك الأجر بفقد العزيز الذي كان لنا نعم الصديق والأخ المتفاني في خدمة الأخرين والتواصل معهم لقد فجعنا بخبر وفاته أن لله وأن إليه راجعون .
      رحمك الله يا امير القلوب وأسكنك فسيح جناته
      منى البني

    • زائر 3 | 2:18 ص

      أحسنتِ يا سوسن

      فلسفة رائعة لعلاقتنا بالموت، ما أروعك يا سوسن وما أروع فكرك، فرغم جرحك الكبير بفقد حبيبك وزوجك حسين؛ إلا أنّك في غاية الإبداع.
      الآن عرفتُ جيّدًا أنّه ملهمكِ.
      رحمك الله يا أبا قيس في الخالدين

    • زائر 2 | 2:10 ص

      الاستعداد لرجلة الموت

      الكثير منا يكون غافلا عن الموت ،ولا يذكر الموت الا اذا سمع عن موت احد وربما يؤثر فيه فقد هذا الشخص وربما يتناسا هذا الشخص من ذاكرته ، لكن مايهمنا هو الاستعداد لهذه الرحلة فالموت هو سفر طويل يحتاج إلى زاد تتزود به في الدنيت ،يجب ان يكون فلسفة الزاد مؤاتية لعمل هذا الراحل ،كلما كان الاستعداد لهذا السفر استعدادا وافيا أطمأن هذا المسافر الى رحلة أتم الاستعداد. عندما كنت احادث اخاه عصام بالامس أتذكر شخص حسين،أعظم الله لك الاجر في صديقنا حسين الأمير.

    • زائر 1 | 12:00 ص

      أختنا العزيزة سوسن

      أعظم الله لك الأجر على فقد الحبيب ونسأل الله له المغفرة والرحمة ولك ولذويه الصبر والسلوان .. إنا لله وإنا إليه راجعون
      نعم ماأكثر من يخاف الموت وما أقل من يحترم الموت ، ولذلك يقول أمير المؤمنين ع : كفى بالموت واعظاً .. فما أكثر العبر وأقل المعتبر
      تحياتي .. عزيز الدرازي

اقرأ ايضاً