العدد 1334 - الإثنين 01 مايو 2006م الموافق 02 ربيع الثاني 1427هـ

الحرب... تبدأ دبلوماسية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأ أمس أعضاء مجلس الأمن في وضع مسودة قرار يأملون طرحه خلال أسبوع يلزم إيران بالموافقة على مطالب دول المجلس. ويبدأ اليوم المديرون السياسيون في وزارات خارجية الدول الخمس الدائمة العضوية (دول حق النقض)، إضافة إلى ألمانيا مشاوراتهم في باريس للبحث في فقرات القرار والبند الذي سيصدر عنه. وفي التاسع من مايو/ أيار الجاري يلتقي وزراء خارجية الدول الست في نيويورك لمتابعة بحث الملف النووي الإيراني.

بدأ الشهر إذاً على خطوط التوتر العالي. وتبدو حرارة الخطوط ساخنة. فالولايات المتحدة مدعومة من بريطانيا تتجه نحو التصعيد وترفض كل محاولة لإعادة الملف إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فرنسا مدعومة من ألمانيا ليست بعيدة عن هذا الدفع في حال وجدت أن طهران غير مستعدة للتراجع عن حقها في تخصيب اليورانيوم. روسيا مدعومة من الصين لاتزال تميل إلى الحل السلمي وترفض إعطاء واشنطن مشروع قرار تتسلح به لتصعيد الموقف ونقل الأزمة إلى مكان آخر. أما إيران فيبدو أنها أخذت تتجه نحو التفاوض بشرط عدم التنازل عن حقوقها الطبيعية والسياسية والقانونية التي تسمح لها بالبحث عن مصادر بديلة للطاقة.

الموقف الإيراني شرعي في مختلف وجوهه. فهي حتى الآن لم تخالف القانون الدولي ولم تتجاوز حقوقها التي تعطيها المجال للدخول في عالم التصنيع التكنولوجي للطاقة. وطهران في هذا السياق قدمت الأسبوع الماضي سلسلة خيارات عاقلة تعطي ضمانات وتطمينات من جهة ولا تتراجع عن حقوقها المنصوص عليها في الاتفاقات الدولية من جهة أخرى.

مثلاً وافقت إيران على السماح باستئناف عمليات التفتيش المفاجئة على مراكزها النووية في حال أسقط مجلس الأمن ملفها وأعاده إلى الوكالة الدولية. كذلك وافقت على إعادة بدء المناقشات بشأن الاقتراح الروسي للقيام بعمليات التخصيب على الأراضي الروسية.

إلا أن واشنطن رفضت الاقتراحات الإيرانية واعتبرتها متأخرة وشككت في نوايا طهران ووصفت تصريحات مسئوليها بـ «الألاعيب». فالولايات المتحدة كما تبدو الأمور تعمل على قطع كل الجسور والطرقات لمنع إيران من التراجع أو على الأقل من التفاوض على منطقة وسطى. كذلك تعتبر «الإدارة الشريرة» في البيت الأبيض أن طهران خسرت فرصة للتفاوض وبالتالي فهي في وضع أضعف وهذا ما يسمح لواشنطن بممارسة المزيد من الضغوط عليها بقصد تركيعها أو اذلالها.

مثلاً ترفض واشنطن الآن إعادة الملف إلى المناقشة في إطار الوكالة الدولية على اعتبار أن مجلس الأمن هو المكان المناسب لأنه يتيح لها مجال المناورة مع الدول الخمس ويعطيها أفضلية في إظهار قوتها والكشف عن نواياها الحقيقية. وهذا المشهد خططت له الولايات المتحدة منذ فترة لا تقل عن ستة أشهر ولعبت وراهنت على دفعه للوصول إلى نيويورك وبالتالي فإنها غير مستعدة لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء. فالملف الإيراني استقر في المكان الذي تريده أميركا ولذلك يستبعد أن توافق على إعادته إلى فيينا.

المسألة إذاً صعبة. والصعوبة تكمن في عدم إمكان توصل الفرقاء إلى تفاهم دبلوماسي نظراً إلى تشعب المواقف وتداخلها وتردد موسكو وبكين في الموافقة على تمرير قرار دولي يعطي واشنطن فرصة للبناء عليه واستخدامه كورقة ضغط عسكرية. فالصين حتى الآن تتخوف من قرار يرغم إيران على وقف أنشطتها في تخصيب اليورانيوم لأن مثل هذه الخطوة تسهم في توتير الأزمة. والموقف الروسي ليس بعيداً عن الصيني. فموسكو تميل حتى الآن إلى إعادة احياء فكرة تخصيب اليورانيوم في الأراضي الروسية.

المعركة الدبلوماسية إذاً بدأت. ويتوقع أن يشهد شهر مايو أخطر وأعنف المناظرات القانونية التي تشبه كثيراً تلك المناورات التي لجأت إليها واشنطن خلال فترة تحضيرها لأدوات الحرب ضد العراق. فالحرب عادة تبدأ بالكلام والدبلوماسية والسياسة والتفاوض قبل أن تنتقل إلى الميدان العسكري والحربي.

حتى الآن تبدو قيادة طهران مطمئنة لوضعها السياسي والدبلوماسي والعسكري وهي تعتبر أن تهديد أميركا باللجوء إلى خيار القوة مجرد «حرب نفسية». بينما أميركا لم تكشف كل أوراقها بانتظار أن تستكمل جولتها الدبلوماسية وتستدرج دول المجلس إلى الموافقة على صيغة قرار دولي يعطيها فرصة لتطوير موقفها والكشف عن أوراقها الحقيقية.

إنها حرب دبلوماسية. والحرب تبدأ دبلوماسية وتنتهي عسكرية إذا فشل فرقاء الصراع في صوغ مواقف تأخذ توازن المصالح في الاعتبار

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1334 - الإثنين 01 مايو 2006م الموافق 02 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً