العدد 1358 - الخميس 25 مايو 2006م الموافق 26 ربيع الثاني 1427هـ

قرارات لتعميم الفوضى والأمم المتحدة جلاد للمنطقة

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

ينطلق الإسلام من عنوانين كبيرين: العقيدة والشريعة، ومن خلالهما يمكن استخلاص المفاهيم والمناهج والأساليب والخطوط الفكرية في السياسة والتربية والاقتصاد والاجتماع وما إلى ذلك... وهذه الصورة هي الصورة الإجمالية للمفهوم الإسلامي. أما عندما نريد أن ندخل إلى الإسلام في عناوينه الحركية، فنرى فيه مفهوم الدين الذي يجمع إلى جانب النظرة الفلسفية للكون والحياة والإنسان، وإضافة إلى الجانب العبادي العنصر المدني الذي يحتضن الحياة كلها ليشرّع لكل جزئياتها ومفرداتها، بحيث لا تعيش الفراغ في أية مسألة تحتاج إلى تشريع، حتى لو تجددت الحياة واتسعت وكبرت عن الحدود التي كان الفقه الإسلامي يتحرك فيها.

إن القواعد العامة للفقه الإسلامي تنطلق من أجل أن تستوحي من كتاب الله وسنة رسوله (ص) ما يمكن أن يعطي الحوادث الجديدة أحكاماً جديدة مستمدة من القواعد الأصلية للفقه الإسلامي، وهو ما لاحظناه مثلاً في الفتوى المتعلقة بقضية الاستنساخ العلمية، والتي أثارت جدلاً في عالم الدين والفقه، والتي دلت على مواءمة التشريعات الإسلامية والعلم وأظهرت مع غيرها من الفتاوى أن الدين الذي انطلق رسالة للعالمين وهدى للمتقين له دور مهم إزاء كل ما يحصل في عالم البحث والعلم، ولا يمكن له أن يكتفي بدور الشاهد أمام ما يجري في العالم من سنن التطور العلمي وميادين البحث الإنساني الفكري الإبداعي؟! فالدين لا يمكن أن يكون قاصراً عن مجاراة ومواكبة الحضارة الإنسانية، ولاسيما العلمية منها، والتي تأتينا لحظة بلحظة بشتى الموضوعات والقضايا التي تشغل بال العلم وتجدد مساره وآفاقه ورؤاه؟

ومع ذلك علينا أن نعرف أولاً أن العلم لا يمثل دائماً الحقيقة، انما هي سعي دائم نحوها، لأنه قد يرتكز على معطيات محدودة من خلال الاستقراء الناقص، ما يجعل النظرية العلمية خاضعة للتغيير على أساس وجود معطيات جديدة مخالفة للمعطيات السابقة، ما قد يختلف فيه العلم على صعيد النظرية مع الحقيقة الدينية. أما الحقيقة العلمية التي قد تشبه العملية الرياضية القطعية، والتي لا تتوافر الشواهد على نقضها فهي لا تختلف مع الحقيقة الدينية، وربما يشتبه الأمر على بعض الناس في التمييز بين النظرية والحقيقة العلمية. وثمة أسئلة كثيرة تطرح في المؤسسات الاقتصادية والسياسية والجامعات والمنتديات الفكرية وما إلى ذلك عن المواءمة بين العلم والدين، وعن صورة المتدين الملتزم بعنوانيّ الإسلام السابقين (العقيدة والشريعة) ويقيننا أن المسلم الذي يعيش آفاق الإسلام لابد له أن يكون عالماً أو ساعياً في طريق العلم.

وهكذا ننطلق في هذه الدائرة التي تحمل الفلسفة والعبادة والحالة المدنية والتفكير العلمي المنطقي الأصيل البعيد عن الخرافة والجهل والتعصب، والبعيد عن سذاجة التفكير، ولنؤكد بأن الإسلام في جانبه الحركي هو دعوة إلى الخطوط العامة الخلاقة المنتجة المبدعة لكي تتركز في الوعي الإنساني، لتنطلق بعد ذلك دعوة تجتذب قيماً فاعلة في رسم صورة الحياة على قواعد العلم والحق والابداع والعدالة، لتتحول هذه القيم إلى موجهات للدولة في مفهومها الإسلامي الحركي، باعتبار أن الخطوط العامة لا يمكن أن تتحرك في الحياة، سواء في إدارة الكون والإنسان أو من حوله إلا من خلال دولة تتوزع المفاهيم العامة للإسلام في مفردات تشريعية وفي حركة تطبيقية يمكن أن تجعل الحركة إسلاماً، كما يريد الله ذلك في أن يُسلم الكون كله لربّ العالمين.

إن الإسلام دين يجتذب الفكر والعقل والروح والبحث والعلم والإبداع، ويرتبط بجواهر الأمور والقضايا، ويبحث في تفاصيلها الدقيقة تحقيقاً للغايات الإنسانية المنشودة، وهو دين يفتح آفاق الإنسان على الوعي والمعرفة والثقافة والحرية، ونستطيع دائماً أن نقول: إن الإسلام يجتذب حالة تخطط لحركة الإنسان في الأرض على أساس ارتباطه بالله وعبوديته لله وانفتاحه عليه لتكون الأرض منطقة يعيش فيها الإنسان تجربة الجنة في تجربة قائمة على العدل والتسامح والمحبة والمسئولية، وذلك في خط العدل الشامل الذي ينبغي أن يتحرك من خلال الالتزام بالخطوط الأساسية التي كرسها القرآن الكريم وعياً وانفتاحاً على الإنسان كله والحياة كلها. ولذلك، فعلينا أن نكون أمة العلم وأمة التخطيط، لا أمة الجهل والارتجال، لأن قوة العلم لا بد أن تقود إلى علم القوة، حتى إذا اجتمعت هذه العناصر إلى جانب قوة الإيمان بالله أمكننا أن نتجاوز الضغوط التي تنهال علينا من كل صوب وحدب، وخصوصاً في هذه المرحلة، إذ نشهد حركة عالمية متعددة الأدوار متنوعة الغايات، تسعى بكل جهدها لمنعنا من تحقيق الاكتفاء الذاتي العلمي والتكنولوجي والإبداعي والصناعي وما إلى ذلك، إذ يُراد لمنطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية والإسلامية على وجه الخصوص أن تبقى سوقاً استهلاكية لأميركا وغيرها من جهة، وأن تبقى خاضعة للطموحات والخطط الإسرائيلية من جهة ثانية، وهذا ما يمكن فهمه جيداً في المحاولات الدؤوبة لمنع إيران من أخذ حقها في التخصيب والبحوث العلمية الصناعية حتى وإن كفل لها القانون الدولي ذلك.

وعلينا أن نفهم من جانب آخر أن دخول مجلس الأمن على خط تعقيد العلاقات بين الدول العربية والإسلامية كما هو الحال في المسألة اللبنانية - السورية، باسم محاولات تصحيحها يمثل الوجه الآخر لحلقة الهجوم على المنطقة، إذ يُراد للمنظمة الدولية المهذبة أو الصامتة أمام «إسرائيل» أن تدير العلاقات العربية - العربية، والإسلامية - الإسلامية وفق ما تقتضيه المصالح الأميركية بما يتهدد استقلالية بلادنا وبما ينفتح على مرحلة جديدة من مراحل الهيمنة التي تستخدم فيها الأمم المتحدة إلى أبعد الحدود كجلاد لقضايانا وكمنسق لعلاقاتنا، في الوقت عينه الذي تعلن فيه «إسرائيل» استمرار البناء في الجدار العازل ورسم الحدود على أرض فلسطين كما تشاء من دون أن تحرك المنظمة الدولية ساكناً.

إننا نخشى من أن ثمة قراراً صدر في تعميم الفوضى السياسية وإثارة التشنج فيما بين دولنا وداخل المجموعات السياسية في هذه الدول كبديل أو كمقدمة للفوضى الأمنية، ولذلك فإننا ننظر بكثير من الخطورة إلى المشكلات والإثارات داخل الصف الفلسطيني الواحد في فلسطين المحتلة وإلى ما أثير ويُثار بشأن العلاقات اللبنانية - السورية، إذ يراد إشاعة روح الضغط وعقلية القهر على مبادرات الحوار الذاتية وخطط المصالحة الأخوية. والمطلوب هو أشد حالات التماسك الداخلي وأقصى درجات الحذر على مستوى الكلمة والخطاب والحركة، لأننا في مرحلة ينتظر فيها كل فريق سقطة الفريق الآخر للرقص على جروحه وآلامه، حتى وإن كانت هذه الجروح تمثل جراحات الأمة وآلامها في قضاياها ومصيرها

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1358 - الخميس 25 مايو 2006م الموافق 26 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً