العدد 1360 - السبت 27 مايو 2006م الموافق 28 ربيع الثاني 1427هـ

لقريتي حق...

معاذ المشاري muath.almishari [at] alwasatnews.com

عندما كنا صغارا نداعب أمواج قرية البسيتين، ونصنع من تراب سواحلها بروج الوهم، لم يخطر ببالنا أن يتحول ذلك العهد البريء إلى ذكريات شجية، وأطلال تختنق لأجلها العبرات. ولم يخالط نقاء الأمس شعور برحيل رجال ونساء تعلمنا منهم بأس الصلابة ولذة الحنان، تعلمنا منهم الخير والسلام، الحب والوئام، رحمهم الله نساء ورجالا من شمال القرية إلى جنوبها، وحفظ الباقين منهم وحماهم من تقلبات الدهر وأوجاع القدر.

سطور متواضعة أزفها إلى جميع أساتذتنا الكرام في مدرسة البسيتين الابتدائية للبنين، ففي مبناها القديم قبل ثلاثين عاماً، كانت للعلم قيمة، وكان المعلم أباً حنوناً ومربياً فاضلاً. لم تكن هناك حواجز بين التلميذ وأستاذه، ولم تكن أبواب المدرسة المفتوحة دافعاً لهروب التلاميذ، لا وجود لغرباء بيننا، ولا مكان للأحزان في قلوبنا... تحية عطرة ودين لابد من سداده إلى الأحياء من أساتذتنا الكرام، ورحم الله من رحل عنا وترك في أنفسنا ملامح ذكراه وبقايا طيبته.

تحية أخرى إلى آبائنا المسنين في القرية، فقد رحل الكثير منهم إلى جوار ربه، ولم تعد تلك السواحل عامرة كما كانت، ولم تعد تلك المجالس نيرة بتلك الوجوه، ولم يبق إلا رجال أقعدهم المرض، واستوحش قلوبهم طول السفر بعد رحيل الأحبة، فقد كان البحر ناطقاً عبر كلماتهم، وكان البر يحتويها علماً يورث إلى الأبناء، نقتبس منه نوراً يضيء دروب الحياة المظلمة، فمع كل كلمة قوية نذكر صلابتكم، ومع كل نقد قاس نذكر بأسكم، ومع كل محبة ننشرها في ربوع البحرين نذكر نقاءكم، وسموكم عن أحقاد وضغائن تسللت بعد دخول الشيطان بيننا، ولم يجد من يستعيذ بالله منه كما كنتم تفعلون.

وعندما أتحدث عن المرأة في قريتنا فالحديث ذو شجون، فهي الأم والأخت والزوجة، وهي الجارة التي تلامس آلام جيرانها، وهي المدرسة التي لا يعبر عنها منهج دراسي، وهي منبع الحنان والسكينة عندما تقسو عليك الحياة. فكم من ضيق فرجه الله بعد دعاء الأم لك، وكم من حزن جعله الله فرجاً بعد «فزعة» الأخت، وكم من عدو ردعه الله بعد صلاة الزوجة، فإن تحقق لك نجاح فاذكر فضل المرأة عليك ووقوفها إلى جانبك، فقد كانت ومازالت أحد مصادر القوة التي يعتمد عليها الرجل في مسيرته، ويكفي إن شاهدت إحدى نساء القرية تسألك عن صحتك وأحوال أهلك، وتلح عليك بالسؤال والسلام، عندها تشعر بأنك ابن لعشرات الأمهات، وتستمتع بإحساس يعجز عنه الكلام.

كم بقي من ذلك كله، فبعد تفرق أبناء القرية في مختلف مناطق البحرين، لم تعد البسيتين حضنا لأبنائها، ولم يعد اللباس الوطني عنواناً لهوية أبناء البلاد، وكأنك تعيش في أحد أحياء جنوب آسيا.

لقد تغير الكثير ولم يبق إلا من ينادي بحقه في الحياة الكريمة، فهل تؤمن القيادة السياسية بحق هؤلاء؟ وهل تؤمن بضرورة إسكانهم في القرية لا خارجها؟ وهل يحتملون مزيدا من التشريد والعذاب وهم أصحاب قرية تقف على أبواب المدنية؟ هل هذا الكلام صحيح، أم للسلطة رأي آخر؟

إقرأ أيضا لـ "معاذ المشاري"

العدد 1360 - السبت 27 مايو 2006م الموافق 28 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً