العدد 1363 - الثلثاء 30 مايو 2006م الموافق 02 جمادى الأولى 1427هـ

مساءلة الوزراء أصبحت «سرية»!

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

بما أن البحرين تحولت إلى مملكة دستورية في العام 2002، وبما أن التوجه الذي أعلن حينها هو أن تتحول البحرين إلى دولة مشابهة للمملكات العريقة، فإن ما حدث أمس في مجلس النواب يعبّر عن خطوة مخالفة لهذا التوجه وذلك عندما تحالف عدد من النواب وصوتوا لصالح تمرير تعديل المادة 146 من اللائحة الداخلية بشأن استجواب الوزراء «يرفض علنية استجواب الوزراء»، وهو ما أدى إلى احتجاج بعض النواب ومغادرتهم الجلسة احتجاجاً على تصويت 15 نائباً من أصل 27 رفضوا من خلاله استجواب الوزراء علناً... بمعنى أن الوزراء يستجوبون سراً داخل اللجان فقط.

ولو قارنا الموضوع في مملكة دستورية عريقة مثل بريطانيا فسنجد الفرق الشاسع بين ما نحن عليه والتوجه الذي نسير فيه، وبين ما تكون عليه الممالك الدستورية والتوجه الذي تسير فيه. فالبرلمان البريطاني ينقسم إلى مجلسين، أحدهما اللوردات، والآخر العموم، والأخير هو الأهم ورأيه هو الذي يسري. يجتمع النواب المنتخبون في مجلس العموم خمسة أيام في الاسبوع (بينما يجتمع نوابنا يوماً واحداً فقط)، وفي كل أربعاء يبدأ مجلس العموم جلسته بمساءلة رئيس الوزراء بصورة علنية ومبثوثة على الإذاعة والتلفزيون. أما الوزراء الآخرون فمساءلتهم تتم بصورة يومية وهي لا عد ولا حصر لها، وجميعها يمكن الاطلاع عليها بالحضور أو الاستماع أو المشاهدة أو القراءة لاحقاً في الصحافة أو على الإنترنت. وفي شهر مارس/ آذار الماضي أعلن رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير أنه سيوسع المساءلة (بصورة اختيارية) خارج البرلمان وعبر الإنترنت، بحيث يتمكن عشرة مواطنين من التحدث مباشرة على الإنترنت مع رئيس الوزراء ويسألونه عن قضايا محددة، فيما يمكن للآخرين مشاهدة ذلك بصورة حيّة. والهدف من كل ذلك إنما هو التواصل بصورة أكبر مع المواطنين في عالم يزداد قرباً بسبب تطور تكنولوجيا المعلومات.

أما ما لدينا فقد كان أقل بكثير مما لدى غيرنا، بل إن ما كان يجري لا يمكن اعتباره مساءلة، وإن حدث فإنه ليس بالشيء الذي يستحق أن يذكر، على رغم أننا نتحمس في الصحافة إلى نقل العبارات والجمل التي تفتقد أسلوب المصارحة والجرأة التي تتمتع بها شعوب أخرى تعيش في ظل الممالك الدستورية. وعليه، فإن تصويت النواب أمس على إلغاء حتى هذه الفرصة الصغيرة وتحويلها إلى «مساءلة سرية» داخل اللجان يعتبر تراجعاً مؤسفاً عن نهج الممالك الدستورية، بل إن التصويت على تعديل المادة (التي ستصدر لاحقاً كقانون بعد مرورها بالقنوات الأخرى) يعني أن النواب الحاليين ضيقوا الخناق على نواب المستقبل... فنواب البرلمان المقبل لن يجدوا أمامهم ما توافر من صلاحيات للبرلمان الحالي (على رغم محدوديتها). وهذا يعني أن البرلمان الحالي سحب صلاحية البرلمان المقبل من حق المساءلة العلنية للوزراء. وإذا أضفنا إلى هذه الخطوة قرار الحكومة يوم الأحد الماضي بإحالة مشروع موازنة العامين 2007 و2008 إلى البرلمان الحالي، نرى أن ذلك أيضاً تطاول من البرلمان الحالي على البرلمان المقبل، إذ إنه سيناقش موازنة تابعة لفترة يسود فيها برلمان آخر، وهذا ليس صحيحاً من الناحية الأدبية على الأقل.

تعليقات الحكومة أمس تقول إن الاستجواب يمس «شرف وأمانة الوزير»، واقتراحنا هو أن يتخلى الوزير عن منصبه إذا كان يخشى المساءلة... ففي عالم اليوم، من يخشى المساءلة لا يتسنم منصباً عاماً، وإنما عليه أن يؤسس شركة خاصة به (ويلتزم بقانون الشركات الخاصة) وحينها لن يقترب أحد من مساءلته في شيء

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1363 - الثلثاء 30 مايو 2006م الموافق 02 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً