العدد 3277 - السبت 27 أغسطس 2011م الموافق 27 رمضان 1432هـ

شهر رمضان... بين الأمس واليوم

خبز الرقاق يتخلل الأكلات الرمضانية في البحرين
خبز الرقاق يتخلل الأكلات الرمضانية في البحرين

اختلفت عادات النساء وطقوسهن وكذلك برامجهن خلال شهر رمضان الكريم - قديماً عنه في وقتنا الحاضر - حيث تحكي لنا الحاجة أم أحمد: أن النسوة قديماً وتحديداً في شهر رمضان الكريم الذي كان غالباً ما يصادف وقت المصيف «موسم المضاعن» والذي تنتقل فيه العوائل البحرينية عامة والكرزكانية خاصة، إلى النخيل أي «البساتين» من أجل «التحدير» (عملية تنظيف النخيل).

في ذلك الموسم - شديد الحرارة في الغالب - تتوزع مهمات النساء بين القيام بجمع الحطب والخراف والسفاف كعمل السميم والحصر والكلات، وبين القيام بالمهمات المنزلية «كعمل خبز الرقاق وإعداد وجبة الفطور» البسيطة.

وبعد تناول وجبة الفطور تتجه النسوة إلى المأتم حيث الأدعية والأذكار إلى أن ينتهي الوقت لترجع النسوة إلى بيوتهن، وتواصل أم أحمد حديثها بالقول: «عندما أرجع إلى منزلي في المضعن كنت أقوم بعمل السحور والذي يكون في الغالب عيش (رز) مع سمك أو عيش مع لبن»... إلى أن يأتي المسحر ليوقظ النائمين لتناول وجبة السحور.

بعد صلاة الصبح، يبدأ يوم جديد من النشاط والتعب المضني بالنسبة لتلك النسوة حيث يخرجن للقيام بأعمالهن - أي القيام بكل الأمور السالفة الذكر - أما وقت الراحة فغالباً ما يكون بعد صلاة الظهر حيث تخلد النسوة إلى النوم.

أما الحاجة «أم منصور» فتحكي لنا كيف كانت حياة النسوة قديماً والتي تصفها «بالبسيطة جداً» وخصوصاً مع انتشار الفقر والجهل بين الناس في القرية، وتقول: بعد أن تنهي النسوة جميع أعمالهن اليومية «نهاراً» تتجهن إلى برك السباحة لتسبحن فيها وتغطسن بكامل جسدهن دون مراعاة للأحكام الشرعية لأنهن يجهلنها بالأساس، هذا بالإضافة إلى مجالس الغيبة والنميمة أثناء تجمع النساء في وقت الضحى في المضعن في الظل (الفيه)، حيث تجتمع جميع النسوة للقيام بالسفاف «عمل السميم والحصر».

من جانب آخر - كما تقول الحاجة أم منصور - قديماً ونتيجة لعدم توفر المياه في المنازل، كان الولف والعيون المنتشرة في القرية آنذاك ملتقى لأولئك النسوة، لقضاء حاجتهن سواء فيما يتعلق بحمل المياه إلى منازلهن أوغسل الثياب والأواني. وفي أثناء ذلك تحصل المشاجرات العنيفة دون مراعاة لشهر رمضان الكريم .

وبخصوص المأتم تقول: أتذكر قديماً - وفي وقت الضحى تحديداً تذهب النسوة إلى المأتم النسائي (المأتم الوحيد بالقرية آنذاك) وهو مأتم بنت محمد القارية، حيث تقضي فيه النسوة وقتهن بالاستماع إلى الدعاء والأذكار، وعندما تنتهي «الملاية» من الدعاء، تقوم النسوة بممارسة بعض الطقوس، وذلك بترديد بعض الأهازيج التي يطلق عليها «بحبوح جناتي»، حيث تجلس النسوة على أرجلهن - على شكل دائري - فتبدأ إحداهن وغالباً ما تكون «الملاية» بترديد أغنية «بحبوح جناتي» لترددها جميع النسوة فيما بعد وهن «يحبون على أرجلهن» إلى أن ينتهي الوقت لترجع النسوة إلى بيوتهن أو «المضعن».

ومع تغير الحياة وتطورها في هذه القرية تغيرت أنماط معيشة الناس ومنهم النسوة؛ فاختفت الكثير من العادات والطقوس، وظهرت حالة مغايرة مرتبطة بحالة التدين التي أخذت تستشري بين أهالي القرية، فانتشرت المآتم بشكل أكبر وعمت المجالس الحسينية أرجاء القرية وخصوصاً في الشهر الفضيل... هذا التوجه الديني انعكس أيضاً على العلاقات الاجتماعية بين النساء بشكل عام، فقد عاشت القرية في تلك الفترة في ظل علاقات اجتماعية قوية وخصوصاً مع تبادل الزيارات بين الأهالي بالإضافة إلى أن النساء يلتقين يومياً في المآتم الحسينية والأذكار الرمضانية.

من جهة أخرى، وعلى رغم تدني المستوي المعيشي للكثيرين فإن أمهاتنا كن حريصات على عمل مختلف المأكولات من أجل توزيعها على كل الجيران والأهل - قديماً كنا نرى «الصينية الرمضانية» الزاخرة بكل الأصناف من المأكولات الشعبية «كالهريس، الساكو، البلاليط، القيمات»، تجول أزقة القرية.

كانت هناك حالة من تعاظم للعلاقات الاجتماعية المتنامية وخصوصاً أن من يقوم بتوزيع تلك الأطباق الرمضانية هن من الفتيات الصغيرات في السن، وبالتالي غالباً ما كانت تنشأ علاقة بين الفتيات وبعضهن البعض من جهة، ومن جهة أخرى بين الفتيات والأهل وكذلك الجيران، وبالتالي كان أهالي القرية «يعرفون بعضهم بعضاً».

مع تقادم السنوات تراجعت «تلك العلاقات» وخصوصاً أن تلك الصحون ذات الوشم «الطمغة» المملوءة بالمأكولات المتعددة، لم نعد نراها.

اليوم استوحشت طرقاتنا وأزقتها مرور تلك الفتيات التي تعودت عليهن طيلة سنوات «في هذا الشهر الفضيل».

اليوم - تندبهن الطرقات - تقول لهن: أين أنتن يا عزيزاتي، إلا أنهن لا يسمعن إما لأنهن نائمات أو لانشغالهن بالتلفاز.

وفي أحسن الأحوال أصبحت طرقاتنا ترصد حالة مختلفة، صحون بلاستيكية بمأكولات حديثة بيد الخادمات.

وفيما يتعلق بالزيارات المتعارف عليها بين النساء في القرية، فلم تعد موجودة، أما المأتم (المقصد اليومي للأمهات والجدات) قديماً فقد أصبح اليوم محدداً بأوقات معينة، وهناك مواسم معينة تستقطب النساء «وبخاصة الشابات» وغالباً ما يكون «عاشوراء» وعموم وفيات الأئمة والمواليد «بنسبة أقل».

أما بخصوص شهر رمضان الكريم، فعلى الرغم من توفر الكثير من البرامج والفعاليات الرمضانية فإن الحضور غالباً ما يكون أقل من المستوى المطلوب، ويرجع ذلك لعدة أسباب منها مثلاً انخراط بعض النسوة بالعمل خارج المنزل أو انشغال البعض بالأمور المنزلية والأولاد، وانشغال أخريات بما يبث في التلفاز من برامج ومسلسلات رمضانية ومتابعتهن الحثيثة لها، وتصفح البعض الآخر ومتابعته للإنترنت.

وكان ظهور الكثير من القنوات الدينية وتناميها في السنوات الأخيرة أيضاً سبباً في تقاعس الكثيرين ومنهم النسوة عن الذهاب للمآتم الحسينية نظراً لتعدد وتنوع ما يبث في تلك القنوات والذي يتلاءم وذوق الكثير منهن.

وعلى الرغم من ذلك «الفتور» تأتي «ليالي القدر» لتتصدر الأولوية - مثلها مثل عشرة محرم الحرام - تلك المناسبة الدينية «الروحانية» التي توطد علاقة الإنسان بربه وتصحح مساره من جديد؛ ففي كل سنة نرى الجامع والمأتم الكبير وقد ازدحما «بمختلف الأعمار»، هذا بالإضافة إلى عموم المآتم النسائية بالقرية والتي أخذت على عاتقها إحياء مثل تلك الليالي الرمضانية المباركة (ليالي القدر).

من خلال عرضنا للموضوع نجد أن رمضان الأمس يختلف عن رمضان اليوم «من كافة النواحي»... فأين « المسحر، وأين الزيارات بين الأهالي، وأين الصينية الرمضانية» ذات صحون «الطمغة» (العلامة) أوالمكتوب عليها أسماء أصحابها «وأين وأين...».

ومع كل ذلك، ستظل روحانية وخصوصية هذا الشهر المبارك «شهر رمضان» المتمركزة في «ليلة القدر» التي هي خير من ألف شر، متجددة في كل سنة «لا محالة»

العدد 3277 - السبت 27 أغسطس 2011م الموافق 27 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:41 ص

      شكرا استاذه امينة الفردان 2

      ملاحظة1.تحديد النخل في العادة يتم قبل الصيف وذلك لن الصيف يكون موسم جني الثمار,التحديد يكون مع خروج الطلع ,يطعمون النخل وينظفون السعف ويفطمون الفسيل (( قطع صغار النخيل من الام ونقلها لمكان اخر او بيعها))2.الطمغة اهل المحرق يقولونه دمغة وهي الاشاره او الماركة فيقولون عن هذه البضاعة ليس عليها دمغة (غير معروفة المصدر او المصنع (( ويقول لرجل البليد المدمغ لكثرة الشهادات عليه وكذلك تقال للمراة مدمغة يعني قليلة العقل.شكرا للكاتبه أمينة الفردان علي هذه الحيوية في متابعة ماضي البحرين
      محمد الزياني

    • زائر 2 | 6:28 ص

      شكرا استاذه امينة الفردان 1

      نعم طعم رمضان قديما مميز ,وطيبة اهل البحرين لم تختفي ولكنه تطورت مع تطور الحياة والعلم ,لم يكن هناك تواصل في ذلك الوقت بين جدك وجدتي او تبادل احاديث وحوارات ,لم تكن العائله في ذلك الوقت في تباعد كما هو الان كانت الزيجات بين اهل القريه الواحده والجيران فكانت هناك علاقة جيده بين الجار وجاره وزادت قوه بعد ان تزوج ولد هذا الجار من بيتي او بيت الجار الاخر لذلك كانت علاقاتهم علاقة اهل.على العموم لا اظن ان هناك بيت في كل البحرين لم يتواصل مع اخر في ارسال او استلام ماعون هريسه او مجبوس او فرني
      ملا

    • زائر 1 | 6:16 ص

      تغيير الأوليات

      أعتقد أن الروحانية زادت بالوعي الثقافي للمرأة فنحن النساء نعلم بأنه لا داعي لتبادل تلك الأطباق التي لا يكون الجيران بحاجة إليها بقدر ما يحتاج الكثير من الفقراء والمساكين إلى مبالغ مالية يديرون حياتهم، فتستطيع المرأة الواعية تنظيم الأولويات ورعاية أبنائها وبقائها في البيت يعني لنا الكثير في تهذيب سلوكيات الأبناء، إضافة عدم الانقطاع عن المجالس الحسينية في المناسبات المهمة

اقرأ ايضاً