العدد 3283 - الجمعة 02 سبتمبر 2011م الموافق 03 شوال 1432هـ

ماذا يعني أن تكون بعثياً أو قذافياً في المِحَن

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تلعب الأحزاب دورًا في رعاية العمل السياسي وتوجيهه وإن بضمير مُحجَّم. وهي إحدى الصور الخفيّة لتكوين الولاءات. وقد تحدثت في السابق عن تأثير الصورة التاريخية على مسألة الولاء، وخصوصاً في معرض تشريح للنظاميْن العراقي (صدَّام) والليبي (القذافي)، وكيف أن الأول كان الأقدر على الاحتفاظ بشخوصه ومنتسبيه. اليوم أفرِد هذا الجزء للحديث عن الموضوع الحزبي ودوره في تقوية ولاءات السلطة، خصوصًا إذا كان موصولاً بالإرث التاريخي.

مشكلة القذافي أنه اختصر الدولة الليبية كلّها في شخصه، دون أن يستعين بأيَّة مؤسسات أو مراتب في الإدارة أو السياسة. لقد كان القذافي كلّ شيء، لم يترك لأحد في النظام هامشًا للحركة. في كلّ صغيرة وكبيرة كانت الأمور رهن إشارته. ولم يعد لديه طبقة سياسية في الحكم يُمكنها أن تدير مفاوضات أوَّليَّة، ولا أن تقيم علاقات ذات مسار براغماتي حتى لخدمة الدولة الليبية. ولم يكن أحد يستطيع أن يواجه العقيد بأيّ اقتراح آخر، فضلاً عن النقد له، لأنه سيواجه مصيرًا مجهولاً. ولا أعتقد بأن عبدالسلام جلُّود بمثل بعيد عنا.

وعندما وُجِدَ الهامش داخل بُنيَة السلطة، كان هامشًا ماديًا لشراء الذمم، فترِكَت المائدة للقبائل الليبية كي تتقاسمها بشكل طبقي أرستقراطي مُتعمَّد من السلطة، ما بين أربع قبائل سيِّدَة، هي القذافة والورفلة والمقارحة وحسُّون، ثم تتوالى العطاءات هنا وهناك، في عبثيَّة غير مدروسة من القذافي لهذا العمق الاجتماعي المعقد لليبيا، والذي كان له دور رئيسي في إقامة حزام أمني شديد التحصن قبالة الجنوب الإفريقي، وأيضًا في طرد الاستعمار الإيطالي.

كما ترِك ذلك الهامش البسيط، في شقه السياسي والأمني والاقتصادي لأبناء العقيد القذافي، فأمسك سيف الإسلام بملفات أساسية داخل الدولة الليبية وفي علاقاتها الخارجية. بل وحتى تسوية ملف أسلحة الدمار الشامل أعطيت لسيف الإسلام وقاد مفاوضاته عن بُعد. وأعطِيَ الهامش الأمني لخميس والساعدي ابني العقيد، في حين مُنِح نجله محمد الجانب الاقتصادي، وكذلك إلى عديله ورئيس استخباراته عبدالله السنوسي، ورئيس وزرائه المحمودي البغدادي بطريقة أصبح منسوب الفساد فيها يُلامس شحمة الأذن.

الأكثر من ذلك، فقد قام القذافي بإحاطة نفسه بإطار أمني بعيد عن الوطنية، حين قام باستقدام حماية شخصيه له ولعائلته من خارج البلد، وأيضًا أطبائه، ودائرته العسكرية الأوسع، بالضبط مثلما فعل ديكتاتور أسبانيا حين استعان بالريغولاريس والمترزقة، تاركًا بذلك الجيش الليبي وقادته لأن يواجها مصيرًا مجهولاً، وإلى تراتبية عسكرية مهترئة، دفعت العديد منهم لاحقًا إلى اللجوء للمجلس الوطني الانتقالي المعارض الذي قاد الثورة.

كذلك، لم يكن إطار الدولة الليبية مفهومًا ولا واضحًا بالنسبة للكثيرين، بما فيهم أركان الحكم. فقد جعل القذافي البلد يذوب في شعار «ديمقراطية المؤتمرات الشعبية» التي يحكم فيها الشعب نفسه بنفسه، لكي يتخلص من عقدة المساءلة. وفي سبيل ذلك، فقد جعل من الكتاب الأخضر الذي يشرح فيه نظريته في الحكم مرجعه الأساس بمستوى هابط من الأفكار والتعبيرات الفضفاضة، دون مُزاحمة من أيّ أحد، أو القدرة على المراجعة المرجع الأساس للدولة.

وقد أثر ذلك كثيرًا على ليبيا وعلى تنميتها البشرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فعلى المستوى البشري، غابت الكوادر الليبية المدرَّبة في التكنولوجيا والعلوم الصناعية والإنسانية التي كانت تشتهر بها ليبيا أيام الملكية السنوسيّة وخصوصًا في مجال القانون. وفي المسألة الاقتصادية كانت لدى النظام الليبي أكثر من 160 مليار دولار في بنوك دولية لكن نسبة البطالة كانت تصل إلى 32 في المئة، بل وأصبحت من الدول العشرين الأكثر فقرًا في العالم.

وفي المسألة السياسية، لم تعد هناك صفوف سياسية داخل النظام، يُمكنها أن تدير دفة الأمور أثناء الأزمات عند غياب القيادة، وإنما ترِكَت الدولة تتضخم بالنواحي الأمنية والاستخباراتية، والتورط في مافيات دولية، لارتكاب أعمال عدائية ضد هذه الدولة أو تلك. أما من الناحية الاجتماعية فلم يعد الليبي يُحِس بأن هناك دولة ليبية ينتمي إليها، فلا توجد خطوط اتصال بينه وبينها إلاَّ في الأمور الريعية البحتة جدًا، التي تكرس مفهوم غياب الرقابة المعنوية عليها، وتحويل الليبيين إلى شعب يحتاج إلى الدولة في معيشته وكسبه فقط.

في الحالة العراقية كان الأمر مختلفاً تمامًا. فصدَّام حسين كان رئيسًا شموليًا يحكم بالحديد والنار، لكنه كان أيضًا ضمن خط سياسي حزبي له أطره وقواعده المنظمة جدًا. وكانت المحافظات ذات تنظيم إداري وحزبي مسبوك بقوة الانضباط الحزبي والديكتاتورية السياسية طيلة عقدي السبعينات والثمانينات إلى ما قبل الحصار، وحتى إلى ما بعده. وقد سألت أحدهم قبل عامين، لو أن العملية السياسية الحالية في العراق قد انهارت فأيّ القوى والتنظيمات التي يُمكنها أن تستولي على مقاليد الأمور في ظل الفراغ السياسي والأمني؟ فأجاب أن حزب البعث هو الأقدر من بين الجميع.

في العراق أيام البعث، لم تكن هناك أحزاب ولا نقابات ولا مراوح تهوية سياسية بالمرة، وكانت هناك حملات أمنية قمعية طالت الجميع من الشيعة والسّنة والأكراد وغيرهم، لكن قوام الدولة لم يكن أوليغاريًا كالذي كان لدى القذافي. نعم كان حكمًا أقلويًا من حيث مفهوم الدولة الحديثة، إلاَّ أن حزب البعث كان يقيم خطوط عرض وطول على مجتمع الدولة، ويُمدِّدهما طبقًا للولاءات الناشئة في مركزه وعلى الهوامش، مع قيامه بعمليات تنقية مستمرة عبر العمليات الأمنية والاستخباراتية لتلك الولاءات لاختبارها وتمحيصها.

لقد كان الهامش الذي تركه البعث لأعضائه الكبار، وبالخصوص في مجلس قيادة الثورة يُمكن ملاحظته في العديد من المحطات، وفي الأشرطة المصوّرة التي تم تهريبها بعد الغزو، والتي تظهر فيها قيادات بعثية خلال اجتماعات رسمية تناقش وترد على صدام حسين. وكان الحد الفاصل بين ذلك الهامش وعدمه هو عدم التعدِّي على استقرار الحكم الديكتاتوري وليس شيئًا آخر. لقد كانت مهمَّات كبيرة في النظام العراقي منوطة بقيادات بعثيّة ليس لها صلة قرابة بصدام، كعزت الدوري وطه ياسين رمضان وطارق عزيز، سواء في الملفات السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية، الأمر الذي جعل من أولئك الأتباع أن يستشعروا انتماءهم لذلك النظام، وكل ذلك بالتأكيد قد انعكس على الولاءات الناشئة داخل بُنيَة النظام البعثي، واستمرَّت حتى قبيل سقوطه وبعده. (للحديث صلة)

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3283 - الجمعة 02 سبتمبر 2011م الموافق 03 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 5:41 م

      اتفق مع ما قاله صاحب التعليق الاول

      العراق الان محكوم من الميليشيات المدعومة من ايران وتحديدا من فيلق القدس، واعتقد ان العراق ستحكمه ايران اذا ما انهارت العملية السياسية، وهذا ما اكده تقرير امريكي محايد قبل ايام، حيث وضع خطر القاعدة في المرتبة الثانية بعد الميليشيات الايرانية الماسكة بكل زمام الدولة العراقية الحديثة.

    • زائر 7 | 2:23 م

      يجب أن نبكي لحالنا يا استاذ محمد لأن كان من الخزي والعار أن يحكم مجرمان كالقذافي وصدام دولنا... ام محمود

      العربية المسلمة و يلعبون بمقدراتها وثرواتها وماضيها ومستقبلها وحاضرها القذافي كان أقدم حاكم على وجه الكرة الأرضية ولكنه ماذا فعل لبلاده وللعالم غير الجرائم والقتل والعار فحسب ويكيليكس هو أغنى الأغنياء ومن الأثرياء إذ يملك 131 مليار دولار
      وكان يعتبر نفسه الزعيم الأوحد ولا يسمع الا صدى صوته وهلوساته الأرض الليبية تبكي من حجم الدماء
      _
      وعندما ذكرت صدام وحزب البعث المجرم الذي دمر العراق تدميرا وقتل العراقيين بجميع الوسائل البشعة هو وجلاوزته المجرمين ممن ذكرت أسماؤهم
      عصابة المافيا ولا شيء تحتهم

    • زائر 6 | 1:23 م

      ليس معروفا السبب الذي جعل العقيد الليبي يختار لنفسه حارسات له بدلا من حرس رجال ... ام محمود

      والبنادق والرشاشات وممارسة رياضات الالتحام البدني العنيف كالكاراتيه والجودو
      وترتدي المرشحة بعد انضمامها لحارسات العقيد حلة عسكرية خضراء ضيقة وحذاء بكعب منخفض، وتسلح بمسدس سريع الطلقات وخنجر، ويسمح لها باستخدام مستحضرات التجميل أثناء الخدمة وإخفاء شعرها تحت الطاقية العسكرية
      ولا تقتصر مهام حارسات القذافي على حماية الأخير في حله وترحاله، إذ تتعداها إلى ملازمته على مدار الساعة ومساعدته في ارتداء إزاره الطويل والترفيه عنه وقراءة صفحات من الكتاب الأخضر.
      رواتبهن كانت خيالية وكن يتسوقن بايطاليا

    • زائر 5 | 1:18 م

      القذافي أطلق على جميع الحارسات اسم عائشة تيمنا باسم ابنته و يطلق عليهن راهبات الثورة . وفي الحقيقة هن لسن براهبات ... ام محمود

      وتعود أصول هؤلاء الحارسات إلى منطقة الصحراء التي تشير الروايات التاريخية المتداولة بليبيا إلى أنها كانت مقر النساء الأمازيغيات المحاربات في الأساطير اليونانية.
      ويختار القذافي حارساته وفق معايير محددة أهمها أن لا يتعدى السن العشرين عاما، والعذرية وعدم الزواج، وتوفر قدر معين من الجمال، والقوام الفارع والبنية القوية الشبيهة ببنية الرجال، والولاء المطلق لـ"الأخ قائد الثورة
      وتحصل كل مرشحة لوظيفة حارسة للقذافي على تأهيل عسكري متقدم يتم التركيز فيه على إتقان استخدام كافة أنواع المسدسات

    • زائر 4 | 1:14 م

      القذافي في موسوعة ويكيبيديا ... اسم القرية التي وُلد فيها جهنم ...... ام محمود

      باتت الحارسات الشخصيات إلى جانب الملابس غير المألوفة والخيمة العربية ثلاثة مظاهر ارتبطت بالزعيم الليبي معمر القذافي ولفتت الأنظار إليه في زياراته لدول العالم المختلفة
      وجاء اختيار للنساء لحمايته متناقضا مع تصوراته المعلنة عن المرأة، وتأكيداته المكررة في كتابه الأخضر أن "مكان النساء هو البيوت لأن تكليفهن بوظائف الرجال يفقدهن أنوثتهن وجمالهن
      وتشير المعلومات القليلة المتوافرة عن حارسات القذافي إلى أن تعدادهن يصل لنحو 400 حارسة وأنهن يشكلن وحدة ذات وضع مميز داخل القوات الخاصة المكلفة بحمايته

    • زائر 3 | 8:05 ص

      لدي تعقيب

      لدي تعقيب على ما ذكرت اتفق معك بشأنه
      وهو أن صدام ورغم ظلمه الفاحش إلا أننا رأينا المسيحي والمسلم والشيعي والسني يعملون معه وفي مرات كثيرة عاقب أبنائه وانتصر لهم

    • زائر 2 | 7:55 ص

      nice artical and very important

      nice artical and very important

    • زائر 1 | 5:12 ص

      تعقيب

      مع إحترامي للبعثي الذي سألته قبل عامين ،،
      لن يحكم البعث العراق مرة أخرى و تحت أي وسيلة ،،
      و المعطيات على الأرض و عطاء الدم و عقيدة العراقيين تقول هذا ،،
      و ما يمدح العروس إلا أمها .

اقرأ ايضاً