العدد 3302 - الأربعاء 21 سبتمبر 2011م الموافق 23 شوال 1432هـ

أربعة أيام في جزيرة الشاي

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بين مطار البحرين الدولي ومطار كولومبو 5 ساعات. طيلة الرِّحلة كنا زائرين ونحن في السماء لعدد من البُلدان التي نمرّ عليها ونحن في طريقنا إلى الأراضي السريلانكية. مرَرَنا على دول الخليج الواقعة في الجنوب، وحلَّقنا فوق بحر العرب والمحيط الهندي. قبيل انصرام ساعات الرحلة أذاع قائد الطائرة البارع أن على الجميع التزام مقاعدهم، فالطائرة في وضعيِّة الهبوط في مطار كولومبو الدولي. أنزلها برفق كأنه يحملها بكلتا يديه ليضعها على المدرج.

اجتزنا إجراءات المطار بسهولة. حتى وجدنا أنفسنا قبالة مَنْ أتى لاستقبالنا في المطار. طيلة الطريق إلى الفندق كنت أمسح المدينة بعينين فضوليتين. الناس في ذهاب وإياب بلا انقطاع. ومزامير السيارات تتردد على أذنيك أكثر من مرة في اللحظة الواحدة. شعب يتمتّع بحيوية كبيرة. يقضي يومه في التكسُّب والعمل. حوانيت وأسواق هائلة تحمل من المأكول والملبوس ما تعجز عن إحصائه. أغلبه يُصنع في الداخل، وبعضه تقوم على تجهيزه بيوتات متواضعة لعوائل سريلانكية، اعتادت أن تعيش هكذا منذ زمن.

وللعِلم فإن سريلانكا (أو كما تسمَّى رسميًا بـ جمهورية سريلانكا الديمقراطية الاشتراكية) هي جزيرة ضخمة على شكل جرَّة فخار (أو فاكهة الكمثرى) تقع جنوب شبه القارة الهندية. وهي تعتبر مزرعة الشاي الفاخر الذي يغذي العالم، إلى جانب زراعة البن والمطاط وجوز الهند والباباي. في القرن 16 احتلها البرتغاليون والإسبان. وفي القرن 19 احتلها البريطانيون، إلى أن نالَت استقلالها من المملكة المتحدة «سلميًا» في العام 1948م.


رحلة على الـ «تُكْ تُكْ»

بعد أن استقرّ بنا المقام في أحد الفنادق التي كانت تغسل وجهها كل حين أمواج المحيط الهندي، قررنا أن نأخذ رحلة من نوع آخر في شوارع العاصمة كولومبو. لم نركب سيارة تاكسي، وإنما اخترنا أن نركبَ الـ «تُكْ تُكْ». وهو عبارة عن عربة، بها ثلاث عجلات، واحدة في الأمام، واثنتان منها في الخلف. طولها مترٌ ونصف وعرضها مترٌ واحد، ومفتوحة الجوانب سوى من قوائم حديد تبدأ من الخصر فما تحت، وتقِي الزبائن الراكبين من الوقوع، لكن السائق يستطيع أيضًا أن يجعلها تلتحف بغطاء نايلوني مِطواع عندما يتساقط المطر بغزارة.

تعمل الـ «تُكْ تُكْ» بالغاز، وبها مقعد خلفي واحد، يَسَع لشخصين في وضع مريح، ولثلاثة أشخاص إن كانوا قادرين على تحمّل التكوّم على بعضهم البعض طيلة الرحلة. يتمّ استيرادها من الهند البلد المجاور لسيرلانكا، حيث تتميَّز الـ تُكْ تُكْ بسرعتها المناسبة، واجتيازها لمناطق الازدحام بشكل سَلِس؛ نظرًا لصغر حجمها، وقدرتها على الانعطاف بشكل سريع، لكنها لا تسطيع أن تقاوم (وفي مرات عِدّة) الشوارع التصاعديّة المرصوفة على سفوح الجبال.

هذه الحافلة الصغيرة، تنتشر بشكل كبير في الشوارع السريلانكية، فهي عملية جدًا، وأجر استخدامك لها أقل بتسع مرات تقريبًا عن أجور سيارات التاكسي الأخرى.الجولة أخذتنا إلى عدد من المحلات التجارية، لكن الأهم منها هو التجوال بين شوارع وأزقة المدينة، حيث ترى ما لا يُمكنك أن تراه وأنت في سيارة أكبر. الكثير من سائقي الـ تُكْ تُكْ يتقنون فنّ التعامل مع السُّواح. فهم يُبادرونك بتقديم أقصى ما يعرفونه عن بلادهم وبأسعار تنافسية. إنهم حقًا أشخاص عمليون جدًا.


مدينة كاندي Kandy

24 ساعة فقط هو الوقت الذي قضيناه في العاصمة كولومبو. ففي اليوم التالي كنا على موعِد مع مدينة سيرلانكية أخرى هي مدينة كاندي الواقعة شمال شرق العاصمة، وهي تعتبر من أقدس الأماكن في سيرلانكا لسرٍّ سأرويه لاحقًا. تستغرق الرحلة بالسيارة إلى كاندي زهاء ساعتين و45 دقيقة تقريبًا. طيلة ساعات الرحلة، يتسمَّر السُّوّاح في الشوارع التي تزداد اخضرارًا كلما أكَلَتْ الحافلة من ساعات الرحلة. أوقفَنا السائق لتناول فاكهة تنتشر بكثرة هناك يُطلقون عليها اسم «البوظة». وهي فاكهة حمراء نديَّة، وعليها غشاء خارجي ذي مخارز صغيرة تظهر منها أعواد مُثقَّفة كأنها من ظهر قنفذ.


ضرس بوذا

وصلنا إلى كاندي ظهرًا. وبعد غفَيْلَة قصيرة، ذهبنا إلى وسط المدينة، حيث معبد بوذا الأقدس في سريلانكا، الذي يضمّ أحد أسنان بوذا أو سيدهارتا غوتاما، وهو مؤسس الديانة البوذية وعاش في الفترة من 558 ق.م ولغاية 483 ق.م. يقع المعبد على مساحة واسعة من الأرض، وله طوابق عدة. يقصده البوذيون من كلّ مكان، حيث يُستخرج ضرس بوذا من مخبئه المحصَّن كلّ ستة أعوام، ليوضع على قافلة مُكوّنة من 100 فيل، تطوف المدينة وسط احتفالات مهيبة. وقد تعرض هذا المعبد لاعتداء إرهابي من نمور التاميل قبل 14 عامًا خلَّف دمارًا كبيرًا بمحتوياته كما أخبرنا المرشد هناك، لذا فإن الزائر يرى جليًا حجم الإجراءات الأمنية المتبعة عادة في تفتيش الزوّار تفتيشًا شخصيًا.

تدخل المعبد حافي القدمين احترامًا. إذا كنتَ سائحًا أجنبيًا فإنك تدفع رسومًا إضافية تصل إلى 1500 روبية سيرلانكية (11 دولار). عندما تصعد إلى المعبد ترى حجم التماثيل المذهَّبة والحجرية والعاجيّة وغيرها التي تجسِّد جميعها بوذا. كما أنك ترى المتعبدين وكيف يخشعون بصدق لا نظير له خلال أدائهم لطقوسهم. يجلسون قرفصاء المجلس، أو بأرجلٍ مُمدَّدة إلى الأمام، ويُشعلون أعواد البخور، ويحملون معهم أوانٍ مُسطّحة مليئة بالورود النديّة. لا ينتظمون في صفوف متوالية أثناء عبادتهم بالضرورة، فترى أناسًا هنا وغيرهم هناك. المعبد مملوء بالسَّدَنة، وبه صناديق عدَّة للتبرعات والصدقات، ومكان للاستدواء الروحي، مع ركن خاص بالوثائق التاريخية عن الديانة البوذية وزعامتها التاريخية.


الطريق إلى نيوريليا Nuwara Eliya

في اليوم التالي، قرَّرنا الذهاب إلى نيوريليا. وهي مدينة مرتفعة جغرافيًا، حيث أنها فوق سطح البحر بـ 1890 متراً، وتقع فيها أعلى قمة جبلية في سيرلانكا (Baker Point) لذا فهي منطقة باردة، وجوّها منعِش جدًا طوال أيام السنة، وقد أطلق الإنجليز على بعض أجزائها عندما استعمروا الجزيرة اسم Little England. عندما وصلنا إلى تخوم المدينة واجهتنا الشوارع الالتفافية المرتفعة. أمضينا قرابة الساعة ونحن نتخطى تلك الشوارع، لكننا كنا في غاية الاستمتاع، فكنا نترجّل بين الفينة والأخرى لالتقاط بعض الصور حيث تكون خلفنا عادة مناظر خلابة وساحرة.

مزارع الشاي

عندما كنا نكابد الصعود، كانت الجبال المحيطة شاهقة وصدرها عريض. لكنها أيضًا كانت مرجة خضراء مليئة بنبتة الشاي بشتى صنوفه. وعلى طرف أحد الجبال وجدنا مصنعًا للشاي. نزلنا بداخله لرؤية صناعة أهم سلعة ينتجها هذا البلد. المصنع شبه بدائي، وبأيدي عاملة قليلة لكن منتجاته فاخرة وذات جودة عالية. يحتوي المصنع على غرابيل مستطيلة يصل طول الواحد منها إلى 30 مترًا تقريبًا. يوضع بالغربال 1500 كليواغرام من الشاي المزروع، ويُحرَّك كل ساعتين وهو على صفيح الغربال. وبعد قرابة الـ 12 ساعة تنتهي العملية بالحصول على 750 كيلوغراماً من أصل 1500 كيلوغرام كانت قد وضعت في الغربال.


أعلى قمّة جبلية

بعدها صعدنا إلى أعلى قمة في المدينة. كانت الرحلة شاقة جدًا. والشوارع إليها تتسع وتضيق بين حين وآخر، طبقًا لما تسمح به سطوة الجبال التي يبدو أنها تكون عصيّة عن تقديم مسارات على حوافها. أمضينا قرابة الساعتين ونحن نصعد مع سائق لا يحفل كثيرًا بقسوة الجبال وتهديداتها. ورغم خشيتنا من سياقته الجنونية، إلاّ أننا أشبعنا أنفسنا ضحكًا على مهاراته وجرأته النادرة. وصلنا إلى القمة بعد جهدٍ مضني، حيث ظهرت أنها قطعة من الجنة. أرض منبسطة، تتدثر بمساحة خضراء لا تنتهي، وتسرح بين حشائشها أنواع عِدَّة من الحيوانات، كثيرٌ منها مفترس، وقليل منها أليف. وعند المدخل توقِفك حراسة تابعة للحكومة السريلانكية، حيث يفترَض أن تدفع رسومًا غير قليلة للدخول. (للحديث صلة)

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3302 - الأربعاء 21 سبتمبر 2011م الموافق 23 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 9:27 ص

      استمتعت بقراءة المقال .. وقمت بالبحث عن بعض الصور لسيريلانكا في قوقل

      أتمنّى لو أستطيع السّفر إلى سيريلانكا وغيرها من البلدان الجميلة .. هل يكون لي ذلك عندما أكبُر ؟
      أرجو ذلك ..
      شكراً على المقال .. أتشوّق لقراءة بقية أحداث الرحلة

    • زائر 5 | 2:15 ص

      الشرق والشمال

      توجد مناطق جميلة كثيرة في سريلانكا في الجنوب وايضا هناك في شرق الجزيرة وشمالها مناطق خلابة يمكن ان تكون الحرب الداخلية السابقة سببا في انها لم تظهر للعالم

    • زائر 3 | 12:48 ص

      في الشرق

      سيرلانكا هي فعلا من اجمل البلدان التي زرتها في الشرق واهلها طيبون جدا

اقرأ ايضاً