العدد 3304 - الجمعة 23 سبتمبر 2011م الموافق 25 شوال 1432هـ

أن تكون «سريلانكيّاً» في أيامنا!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عنوان مقالي هو اشتقاق من عنوان كتابٍ ثمين من تأليف المفكر العربي البارز عزمي بشارة.عَنوَن بشارة كتابه المذكور بـ «أن تكون عربيّاً في أيامنا». وهو سِفرٌ ضمَّنه المؤلف عددًا من الموضوعات المتعلقة بالتحديات التي تواجه تجديد الفكر القومي، وعن المقاومة والمستقبل وصراع الهويات، وعن العلاقة مع الولايات المتحدة، ومصير القضية الفلسطينية والاحتلال.

هذه فقط إشارة إلى موضوع العنوان. أما عن موضوع المعنوَن؛ فقد آثرت أن أتِمَّ تجربتي الشخصية خلال زيارتي جمهورية سريلانكا الديمقراطية الاشتراكية. زيارة «رباعيّة» في أيامها، لكنها بالفعل كانت ثريّة جدّاً، منحتني فرصة النظر إلى الجزء المخفي من العالَم بطريقة أخرى. تذكرت خلالها المدارات الحزينة لعالِم الإنتروبولوجيا العظيم كلود ليفي ستراوس، وأهمية النظر إلى تجارب البشر المنسيين في العالَم.

أرجع إلى موضوع سريلانكا الذي أنا بصدده. فقد لَفَتَني عندما خرجتُ من باحة مطار كولومبو الدولي، وجِلْتُ في السيارة بمعيّة مَنْ أتى لاستقبالنا باتجاه الفندق، أن أبواب المحلات التجارية (التي كانت الشوارع تتشبَّع بعناوينها) مقفلة، على رغم أن الوقت كان نهارًا والحال معاشًا. سألت عن السبب، فأجابني السائق، أن اليوم هو عيد الفطر السعيد لدى الإخوة المسلمين، والسريلانكيون يحترمون أديان الآخرين الذين يعيشون معهم على الأرض ذاتها.

إنها حقّاً لفتة مهمَّة لبلد 72 في المئة من ناسه بوذيون، و7.5 في المئة مسلمون فقط، والباقي يتوزَّعون على الديانتيْن الهندوسية والمسيحية وغيرها، وإثنيّاً على السنهاليين والتاميل والبور وأجزاء من الجاليات الماليزية التي استوطنت الجزيرة. فحين يحترم غالبية سكان البلد أقليات دينية هي أقلّ منهم بـ 64.5 في المئة، فهذا يعني أن لغة التسامح بين هذه المكونات، وصلت إلى مستوى الثقافة الوطنية المترسِّخة، التي لا يتغوَّل فيها منطق الأقليات والأكثريات، واستئساد الثانية على الأولى. إنه مستوى عالٍ من التقدم.

ليس الاحترام في ذلك فقط؛ وإنما في أمور أكثر حساسية واختبارًا ضمن المسألة الوطنية واحترام الأديان والأقليات والدفاع عنها. فخلال الحرب الأهلية التي استعرَت بين نمور التاميل وبين حكومة كولومبو ما بين العامين 1983 و2009، وراح ضحيتها أزيد من 64 ألف قتيل، دافع البوذيون، والغالبية السنهالية الحاكِمة عن الأقلية المسلمة في وجه اعتداءات النمور عليهم بغية طردهم من المناطق الشرقية من الجزيرة ومن مدن أكايرايباتو وإيرافور وجافنا، لإقامة إقليم تاميلي مستقل بديانة هندوسية خالصة في شرق وشمال سريلانكا.

وحتى عندما بدأت الوساطة النرويجية في العام 2002م بين الحكومة السريلانكية، وحركة «نمور تحرير إيلام تاميل» كان السنهاليون البوذيون يطرحون خلال المفاوضات موضوع حقوق الأقلية المسلمة في الشرق والشمال. هنا، لا يُمكننا سوى التصفيق لهذه الحالة الرشيقة من التسامح. فهذا التعاضد بين الأقليات والديانات في جزيرة يبلغ عدد سكانها عشرين مليون إنسان، هو إنجاز حقيقي، في زمن باتت فيه العصبيات هي سيِّدة الموقف بين مُكوِّنات الشعوب.

هذا الأمر يطرح سؤالاً مهمّاً بشأن قدرة المسلمين، بصفة عامة، على التعامل مع الديانات الأخرى، ثم التعامل مع بعضهم بعضاً. (...) وخصوصاً مع الأخذ في الاعتبار أن طرق الوصول إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، هذا هو الإشكال الذي يُعطّل أكثر الملفات إلحاحًا بيننا، سواء في موضوع المواطنة أو التعايش، ومتعلقات السِّلم الأهلي.

كلّ شيء متاح لنا لكي نعيش كأناسٍ أسوياء من جغرافيا مفتوحة على العالَم، وتنوّع إثني حضاري ونشاط اقتصادي، إلاَّ مسألة التعصب، واختصار الأديان في دين واحد، والأخير في المذاهب، والمذاهب في الشخوص حتى نصل إلى مساحة لا تزيد على محجر العين المبتلاة بالرَّمد. تكفير الناس، وتحقيرهم وتعييرهم وسبّ رموزهم ورمي الآخرين بفساد العقيدة والعبادة، ثم جواز الاقتصاص منهم كيما اتفق هي أفدح مصائبنا كلها.

ليس ما أقوله تعاليًا على أحد، ولا هو تعالُمٌ على ذوي الحجا، لكن الكيْل قد طفح، ولم يعد هناك مجال لقبول هذا الفكر والنظرات الضيِّقة. شعوب فقيرة، بعضها عاش في الأدغال، لا تمتلك موارد اقتصادية تجعلها من العوالِم الأولى، وليست لديها منافذ جغرافية على قارات العالَم ودوله، وصَلَت إلى مديات مُقدَّرة من السِّلم الاجتماعي، والتسامح الديني، في حين بقينا نحن أسرى لتاريخ وقعت غالبية حوادثه قبل أكثر من ألف سنة. إنها مهزلة.

عندما أطالع خريطة العالم الإسلامي أراه يُطلّ على تسعة عشر بحرًا، هي: الأبيض المتوسط، باندا / فلورس، الأحمر، قزوين، جاوة، عدن، عُمان، العرب، الخليج العربي، أرافورا، الصين الجنوبي، الأسوَد، أرال، مرمرة، تيمور، إيجة، الأيوني، الميت والبحر الأدرياتي. وعلى ثلاثة محيطات، هي: الهادئ، الأطلسي والهندي، وعلى أربعًا من البحيرات المشتركة، هي: فيكتوريا، تنجانيقا، ملاوي وتوركنا، وعلى 13 مضيقاً وممرّاً مائيّاً استراتيجيّاً هي: هرمز، باب المندب، مكسر، ملقا، سنغافورة، الدردنيل، موزمبيق، جبل طارق، تورس، غوبال، أوترانتو، تيران وقناة السويس، كما أن به 250 نهرًا. لكن ذلك كلّه لم يمنحنا فرصة النظر إلى تجارب الأمم وانفتاح العالَم على بعضه بعضاً.

قليل من الحياء لأولئك الذين لايزالون يتلاعبون بمصائرنا نحن المسلمين عبر خطاب متطرف معتوه. وقليل من الجرأة للقيِّمين على شئون ديننا كي يضعوا حدّاً لهذا الارتكاز على التاريخ الإسلامي وإرثه، والذي يقولون عن كثير منه إنه سقيم ومُرسَل. ثم رجاء لجميع سكّان الدول الـ 57 الإسلامية. فكِّروا كيف تعيشون مثلما قرَّر الله لكم بَشَرًا أسوياء في السلم وحسن المعاشرة، لا كما قرَّرته الجاهلية لكم، وحوشًا كواسر، كأنكم في غابة لا قلب فيها ولا حَكَم

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3304 - الجمعة 23 سبتمبر 2011م الموافق 25 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 11:44 ص

      الباطل والحق

      الحق بين والباطل بين فمن كان على الحق فهو على حق ومن كان على الباطل فهو على باطل ما يعني أن الحق لا يتجزأ

اقرأ ايضاً